نهاية القذافي التي لا يستحقها السيسي



عبدالرحمن كمال
فكرة المقال جاءت لي بعد الجملة التي ختمت بها مقال «الأفغاني يسأل السيسي عن بيع مصر» والمنشور على بوابة يناير، وترسخت فكرة المقال وباتت ضرورية بعد أن أرسل لي أحد الأصدقاء مقطع فيديو يستعرض فيه الإعلامي محمد ناصر مقالي السابق خلال فقرة بين السطور ببرنامج «مصر النهاردة» المذاع على قناة «مكملين».
وقد قال الإعلامي محمد ناصر : «القذافي ماستغناش عن شبر أرض من ليبيا، ولا زين العابدين بن على استغنى ذرة تراب من تونس» وذلك تعقيبا على الجملة الأخيرة بالمقال: «ما بين دفع فاتورة قتل الثورة وفاتورة الإبقاء عليه بمنصبه، أثبت السيسي أنه لا يجيد إلا الفشل، ومهما قدمت له ممالك الخليج من دعم مالي ومهما قدم له الصهاينة من تأييد دبلوماسي وسياسي، فإن مصيره سيكون الرحيل، ربما على طريقة القذافي أو بن علي في أحسن الأحول هذه المرة، إذ من الممكن ألا يحصل على فرصة التعنم بخيرات مصر التي نهبها كما فعل أستاذه المخلوع مبارك.».


لن ندخل هنا في جدل الثورة الليبية ومن يقف ورائها، ولن نورد هنا ما قالته بعض التحليلات من أن الثورة الليبية حيكت بليل في فنادق قطر وفرنسا وإيطاليا، لأننا نؤمن بالطبع بأحقية الأشقاء في ليبيا بالتنعم بالحرية وثروات بلادهم التي كانت حكرا على آل القذافي، غير أن ما آلت إليه بلادهم كان على النقيض من هذه الحقوق، مثلما حدث مع كل بلدان الربيع العربي.
لكن سألتقط الحديث من حيث ما ذكر الإعلامي محمد ناصر، وكما قولت آنفا، إن الفكرة في رأسي منذ أن قرأت مقالي السابق بتأن وروية أكثر، فحتى هذه اللحظة، لم يثبت لنا أو لأي أحد كان أن القذافي فرط في شبر من أرض ليبيا، أو تنازل عن سيادة ليبيا وباعها لدولة أخرى ولو لبرهة.
غير أن ذاك الذي ابتلانا الله بها منذ لحظته الأولى وهو مجبول على التفريط معتاد على التبعية، أَلِف أن يتنازل عن ثروات بلاده مقابل البقاء في منصبه، ولما لا، فمجرد وجود مثل هذا السيسي على رأس مؤسسات حساسة (من المخابرات الحربية وحتى رئاسة الجمهورية) أمر يؤكد أنه ما وصل إلى منصبه إلا بعد رحلة من الخيانة والتفريط.
مقتل القذافي كان اللحظة الفارقة في الثورة الليبية، ولولا تدخل الناتو لما تمكن الثوار من معرفة مكانه، ومن ثم قتله لتتخلص الثورة منه، ورغم كل ذلك، ومقارنة بما فعله السيسي، فإن القذافي كان يستحق مصيرا أفضل بالتأكيد.
الرابط المشترك بين القذافي والسيسي هو انتهاكات حقوق الإنسان وقتل آلاف من الأبناء الشعبين الليبي والمصري، فالقذافي قد ارتكب مجازر مثل سجن بوسليم وهي عملية قتل جماعية وقعت في 29 يونيو 1996 واعتبرت كأكبر انتهاك ارتكبه نظام معمر القذافي في ليبيا، حيث راح ضحيتها نحو 1269 معتقل معظمهم من سجناء الرأي، كذلك في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات عرفت جامعة الفاتح الليبيه الإعدام العلني في الحرم الجامعي لطلبتها المعارضين، وذلك بعد إحضار الآلاف من الطلاب لمشاهدة عملية الإعدام، وتنفذ عمليات إعدام علنية أخرى احياءً لذكرى السابع من أبريل 1976 التي شهدت الإعتراضات الطلابية هناك، حيث استمر تنفيذ الإعدامات العلنية في تلك الجامعة، بين عامي 1978 و1988 وكانت تتلفز لنشر الذعر في نفوس الليبين.
على نفس النهج صار وسار عبد الفتاح السيسي، وإذ كان القذافي قد ارتكب مثل هذه المحازر على مدار 42 عاما هي مدة حكمه، فإن السيسي ارتكب مجازر أبشع في أقل من 3 سنوات، لكنها كانت على نفس الخط والخطى، فالطغاة كلهم عقلية واحدة.
في عهد قذافي ليبيا، كان على الليبيين الا يعتقدوا ويعتنقوا الا مايعتقد ويعتنق القذافي ولا يؤمنوا إلا بما يراه.
وفي عهد قذافي مصر، كان على المصريين أيضا الا يعتقدوا ويعتنقوا الا مايعتقد ويعتنق القذافي ولا يؤمنوا إلا بما يراه، لكن هيهات هيهات أن ينجح الأمر مع شباب ذاق طعم الموت مرات ومرات، وتجرع مرارة فقد الأصحاب والآباء والأمهات على يد عصابة السيسي.
قد يكون وجه الشبه الآخر بين السيسي والقذافي، هو حالة الجنون والعته التي تظهر بشكل واضح في تصريحات كليهما، ورصيد كلا منهما من التصريحات المثيرة والغريبة والمريبة وافر ووفير، تعج بها المواقع والمنتديات على الانترنت.
لكن، يبقى للقذافي أفضلية ومزية عجز السيسي عن تحصيلها، ألا وهي الحفاظ على الأرض والسيادة، فلم يسبق مطلقا أن كشف أي من الباحثين أو المحللين أو السياسيين سواء من ليبيا أو من خارجها، أن القذافي فرط في أرض ليبيا أو تنازل عن عرض بلده، ورغم أنه كان من أكثر قادة الدول العربية ثراء بـ131 مليار دولار وفقا لبعض التقديرات، وهي منهوبة بالطبع من دماء الشعب، إلا أنه لم يتنازل أبدا عن شبر من أراضي بلاده بل على العكس، كان دائما ما يبحث عن توسيع سيادة ليبيا ولو عن طريق إجراءات تبدو وهمية، مثل تنصيب نفسه ملكا لملوك أفريقيا.
على النقيض تماماً من قذافي ليبيا، كان سيسي مصر مُصرا على التفريط والتنازل عن سيادة مصر وأرضها، مستعينا في ذلك بجيش كبير من المطبلاتية والمضللين والمبرراتية بأشكالهم المختلفة: قادة عسكريين أو «خوابير» استراتيجيين أو أبواق إعلامية كردوسية بكرية موسية.
ورغم كم التبرير والتضليل الذي مارسه هذا الجيش من المحللين والديوثين، إلا أنه فشل تماما في إقناع حزب الكنبة أو الأغلبية الصامتة بهذه الخرافات التي تبحث عن مخرجا لتبرير التفريط في عرض مصر قبل أرضها، ولم ينجح هؤلاء القوادون المتمجدون الذين أخبر عنهم الكواكبي في كتابه الشافع النافع «طبائع الاسبتداد» الذين يريدون أن يخدعوا العامة، وما يخدعون غير نسائهم اللاتي يتفحفحن بين عجائز الحي بأنهم كبار العقول؛ كبار النفوس؛ أحرار في شؤونهم لا يُزاح لهم نقاب، ولا تُصفع منهم رقاب، فيحوجهم هذا المظهر الكاذب لتحمُّل الإساءات والإهانات التي تقع عليهم من قِبَل المستبدّ، بل تحوجهم للحرص على كتمها، بل على إظهار عكسها، بل على مقاومة من يدّعي خلافها، بل على تغليط أفكار النّاس في حقِّ المستبدِّ وإبعادهم عن اعتقاد أنَّ من شأنه الظلم.
لم يثبت أن القذافي فرط في أرض ليبيا، ومع ذلك قتل بهذا الشكل، فماذا عن ذاك الذي فرط في مياه النيل وتنازل عن أراض مصر وقتل شبابها وتآمر مع أعدائها الصهاينة؟ إنه بالطبع لا يستحق مثل هذه الميتة، لانها ستكون أشرف وأنبل مما يجب عليه أن يحظى به.

زقاق النت

زقاق النت

مواضيع ذات صلة:

ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.