أحدث الموضوعات
recent

الديموقراطية في الفكر الغربي.. كتابات آلان تورين وروبرت أ .دال نموذجا



الحديث عن نقاط القوة والانجازات لدى الفكر الغربي، قد يختزله البعض -لاسيما في عالمنا العربي- في نقطتين هما الحرية والديموقراطية، ورغم أن الفكر الغربي له العديد من السمات كالانفتاح والعدالة والرعاية الاجتماعية وحقوق الإنسان، إلا أن الديمقراطية والحرية على وجه الخصوص يعتبران الأكثر اهتماما من بين مزايا الفكر الغربي.

وخلال العقود الأخيرة، برز مصطلح الديمقراطية بشكل ملفت على مستوى العالم أجمع، وليس في الدول الغربية فقط، ما جعلها محط اهتمام العديد من الباحثين في العالم بمختلف طبقاته، الدول المتقدمة والنامية ودول العالم الثالث، لاسيما لارتباطها بشكل رئيس بأسلوب الحكم.

إن معرفة أساليب الحكم، أي معرفة روح السياسة، كما يقول المفكر الفرنسي جوستاف لوبون، من أصعب المسائل في جميع الأزمنة، ولا سيما في الزمن الحاضر، حيث ثقُلت على الأمم وطأة مقتضيات الاقتصاد الناشئة عن مبتكرات العلوم والصنائع وأصبح لا تأثير للحكومات فيها.

وتعتبر الديمقراطية ذات أهمية كبرى عند الحديث عن أساليب الحكم، إذ أنها تعد النموذج الذي قدمته الولايات المتحدة الأمريكية للعالم باعتباره الرسالة السياسية لحضارتها وتقدمها الفكري ونظامها العالمي الذي ترسخ إبان انهيار الاتحاد السوفيتي، وهو ما عبر عنه الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون في أحد كتبه بقوله: "نحن لدينا رسالتين للعالم، واحدة اقتصادية وهي النظام الرأسمالي، والرسالة الأخرى سياسية، وهي النظام الديمقراطي".

وإستنادا على كتابات أستاذ العلوم السياسية الكندي تشارلس بلاتبيرغ في كتابه من "التعددية إلى سياسات الوطنية" فإن هناك جدل فلسفي حول إمكانية و شرعية إستخدام المعايير في تعريف الديمقراطية.

وفي كتاب "ما الديمقراطية"، يرى آلان تورين أن الديمقراطية لا يقتصر تعريفها على مجموعة من الضمانات القانونية فقط أو على سيادة الأغلبية، بل هي قبل كل شيء احترام التطلعات الفردية والجماعية، التي توفق ما بين تأكيد الحرية الشخصية وحق التماهي مع جماعة اجتماعية أو قومية أو دينية خاصة. ولا ترتكز الديمقراطية على القوانين فقط، وإنما على ثقافة سياسية بشكل خاص.

وتشيع بين منظّري علم السياسة أربعة تصورات متنافسة حول الديمقراطية:

- ديمقراطية الحد من سلطة الأحزاب (minimalism)، و الديمقراطية وفق هذا التصور نظام حكم يمنح المواطنون فيه مجموعة من القادة السياسيين الحق في ممارسة الحكم عبر إنتخابات دورية. وقد أوضح ديفيد شومتر هذا الرأي الشهير في كتابه "الرأسمالية، الاشتراكية والديمقراطية".

- المفهوم التجزيئي للديمقراطية ويدعو التصور المذكور بوجوب أن تكون الحكومة على شكل نظام ينتج قوانين و سياسات قريبة من آراء الناخب الوسطي – حيث تكون نصفها إلى يسار هذا الناخب و نصفها الآخر إلى يمينه. ويعتبر أنطوني داونز صاحب هذا الرأي وأورده في كتابه "النظرية الإقتصادية في الديمقراطية"عام 1957.

- الديمقراطية الإستشارية وتقوم على المفهوم القائل بأن الديمقراطية هي الحكم عن طريق المناقشات.

- الديمقراطية التشاركية، و فيها يجب أن يشارك المواطنون مشاركة مباشرة – لا من خلال نوابهم - في وضع القوانين و السياسات.

وفي كتابه "عن الديمقراطية" وضع روبرت أ.دال معايير للعملية الديمقراطية، هي: المشاركة الفعالة، المساواة في التصويت، الفهم المستنير، السيطرة في جدول الأعمال وتضمين البالغين، منوها أن وللديمقراطية محاسن عدة، منها الاستقرار السياسي، التجاوب الفعال في أوقات الحروب، انخفاض مستوى الفساد والإرهاب، انخفاض الفقر و المجاعة، وانخفاض نسبة قتل الشعب، كما أنه كلما ازدادت جرعة الديمقراطية في دولة ما ارتفع معدل سعادة الشعب.

لقد كان القرن العشرين عصرا للفشل الديمقراطي المتكرر، ففي أكثر من 70 حادثة انهارت الديمقراطية وأفسحت الطريق لنظام استبدادي، ولكنه كان أيضا وقتا لنجاح ديمقراطي غير عادي. وقبل أن ينتهي، تحول القرن العشرين إلى عهد لانتصار الديمقراطية. وقد جعل النطاق والنفوذ العالمي للأفكار والمؤسسات الديمقراطية من هذا القرن أكثر الفترات ازدهارا للديمقراطية في التاريخ البشري.

إن التحول الديمقراطى يكون اسهل واحتمالات نجاحه أكبر في حالات الدول الأكثر تجانساً، أى التى لا تعانى من انقسامات مجتمعية حادة، وتكون قادرة على احتكار حق ممارسة، الاستخدام المشروع للقوة، وبالتالى فرض سيطرتها على إقليمها، فضلاً عن قدرة أجهزتها ومؤسساتها على تنفيذ السياسات العامة وتوفير الحاجات الأساسية للمواطنين بدرجة مقبولة من الفاعلية والكفاءة. ولكن في عديد من الحالات وخاصة في أعقاب الحروب الأهلية والصراعات الداخلية الحادة تصبح عملية التحول الديمقراطى أكثر صعوبة وأكثر تعقيداً، حيث أن التحرك على طريق تأسيس نظام ديمقراطى يتطلب في هذه الحالة تحقيق مصالحة وطنية شاملة وحقيقية تشكل أرضية للسلم الأهلى والانتقال الديمقراطي، وإعادة بناء أجهزة الدولة ومؤسساتها - وبخاصة الجيش والشرطة - على أسس جديدة، بل وإعادة تأسيس مفهوم الدولة وشرعيتها في الوعى المجتمعى لمختلف الفئات والتكوينات الاجتماعية التى تعيش على أراضيها، بحيث تستقطب تدريجياً الولاء الأسمى لمواطنيها. كما تبرز الحاجة إلى بلورة صيغ وأطر ومؤسسات دستورية وقانونية وسياسية ملائمة تحقق أسس ومبادئ تقاسم السلطة والمشاركة السياسية واحترام حقوق الإنسان من ناحية، وتضمن حسن إدارة التعددية المجتمعية من ناحية ثانية، وتوفر أطراً ملائمة لتطور المجتمع المدنى وتحقيق استقلاليته من ناحية ثالثة.

إن الديمقراطية في مضمونها الجوهري تظل على ارتباط وثيق بالعدالة الاجتماعية التي تعتمد علي الجانب الاقتصادي فيما يخص تحقيق عدالة متوازنة في توزيع الثروات وعائدات النمو التي تمثل مجموعة من مداخيل الدولة ان هده الديمقراطية المنشودة استطاعت ان تجد طريقا للبروز والظهور من خلال دول العالم الأول التي أعطت لهدا المفهوم الصلاحية الكاملة في التطبيق والممارسة الفعلية داخل مجتمعاتها دلك ان العدالة والمساواة الاجتماعية تبقى من بين الشروط الأساسية لأي نظام ديمقراطي ناجح يحسن التصرف بالثروة العامة حتي يتم القضاء علي التفاوت الاجتماعي.

المراجع:

1/ آلان تورين - ما الديمقراطية - ترجمة عبود كاسوحة - صادر عن وزارة الثقافة السورية عام 2000.
2/ روبرت أ .دال - عن الديمقراطية - ترجمة د.أحمد أمين الجمل - الجمعية المصرية لنشر المعرفة والثقافة العالمية - الطبعة العربية الأولى 2000.
3/ جوستاف لوبون - روح السياسة - ترجمة عادل زعيتر - مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، 2012.
4/ الديمقراطية - موسوعة المعرفة.

زقاق النت

زقاق النت

ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.