أحدث الموضوعات
recent

خدعة العمل الحر وريادة الأعمال


"اربح وأنت جالس في منزلك. وداعا للعمل الروتيني الممل. حقق أحلامك واكسب مئات الدولارات يوميا عن طريق الإنترنت. قل لا للعمل المكتبي المرهق وابدأ عملك الحر الممتع...".

انتشر في العقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين الترويج للعمل الحر freelancing وريادة الأعمال entrepreneurship، ويرى المتحمسون أن المستقبل يكمن في تلك النظرة الجديدة للعمل بعيدا عن الأعمال التقليدية التي عرفها البشر على مدى مئات السنين. 


اقرأ أيضا: النسوية في خدمة الرأسمالية ضد نضالات النساء الحقيقية.. ملالا يوسف نموذجا


وبنظرة سريعة على العمل الحر، نجد أن الكلمة البراقة تجتذب الشباب الباحث عن الحرية بصفة عامة، ومن ثم فما أجمل أن يكون العمل "حر". لقد "ارتفعت العمالة الحرة بنسبة 43% في المملكة المتحدة منذ عام 2008 حتى عام 2017". وفي الولايات المتحدة وصلت نسبة العمالة الحرة إلى 36% من قوة العمل في عام 2019، بزيادة عما كانت عليه بنسبة أكثر من 8% مما كانت عليه في عام 2014، وتشير التوقعات أنه إذا استمرت الزيادة بهذا المعدل، فإن نسبة العمالة الحرة سوف تقترب من 51% من قوة العمل الأمريكية في عام 2027.

ولكن المروجين لهذا النوع من العمل لا يوضحون بشكلٍ كافٍ لماذا يتجه الشباب نحو العمل الحر؟ وهل هم "مجبرون" على ذلك نظرا لعدم وجود فرص لهم في سوق العمل التقليدي الـ "غير حر"؟ أم أنهم يختارون ذلك بكامل "حريتهم" في ظل توافر فرص متنوعة لهم في العمل التقليدي؟ كما يسهب المتحمسون لتلك النوعية من الأعمال في إظهار المميزات، والتركيز على النماذج الاستثنائية الناجحة فقط، بينما لا يتحدثون بنفس القدر عن العيوب وعن النماذج الكثيرة التي لم تحقق أي نجاح.

وعندما نفحص الأمر، نجد أن أصحاب العمل الحر هم في الغالب يلجؤون إليه لسببين: 

الأول هو عدم وجود مكان لهم في الأعمال التقليدية الأكثر أمانا وظيفياً واستقرارا اجتماعياً – حيث التأمينات الاجتماعية، والرعاية الصحية، والمعاشات التقاعدية،... الخ.

والثاني هو انبهارهم بعدة نماذج يتم الترويج لها على أن الوضع الطبيعي لمن يعمل عملا حرا هو أنه سيجني أموالا طائلة، ويصبح من الأثرياء في وقت قصير. 


اقرأ أيضاالمقال الذي أحال الكاتب عبدالهادي الجميل للنيابة الكويتية: "هل صنعنا شيئا مفيدا للبشريّة؟!"


وبالبحث عن أوضاع أولئك الذين أصبحوا يمتهنون تلك الأعمال الحرة في المملكة المتحدة مثلا، نجد أن "80% من العاملين لحسابهم الخاص... يعيشون في فقر... ويكسب الشخص العادي الذي يعمل لحسابه الخاص أقل بنسبة 40% من الموظف، ويكون معرض بشكل أكبر لأن يعيش على دخل منخفض. وقد أصبح كثير من الناس يعملون لحسابهم الخاص خلال فترة الركود. ولكن الدخل الذي يجلبه العمل الحر انخفض كثيرا عن الأجور التي يحصل عليها الموظفون...". وتشير التوقعات إلى استمرار زيادة تلك الفجوة في الدخل بين أصحاب الأعمال الحرة وبين أصحاب الوظائف التقليدية.

أما بالنسبة لرواد الأعمال، فإن الأمر ليس بالصورة الوردية التي لطالما يتم بثها في وسائل الإعلام والإعلانات التي تروج لذلك الاتجاه. ففي الولايات المتحدة مثلا، والتي تتصدر قائمة دول العالم في مؤشر ريادة الأعمال، نجد أن نسبة من يفشلون في مشروع جديد بعد نجاحهم في مشروع سابق هي 70%، ونسبة من يفشلون في مشروعهم الثاني في حالة فشل مشروعهم الأول فهي 80%، أما نسبة من يفشلون في مشروعهم الذي ينشئونه لأول مرة فهي 82%. مع الأخذ في الاعتبار أن أولئك الـ 18% الذين قد ينجحون في إنشاء مشروعهم الأول، أو الـ 30% الذين قد ينجحون بعد عدة محاولات من الفشل، لا يصبحون جميعهم أثرياء وأصحاب ملايين الدولارات، وإنما يعني أنهم فقط لم يتعرضوا للخسارة والإفلاس وإنهاء المشروع.


اقرأ أيضا: كيف تحولت 170 ألف فدان من ملكية الشعب إلى القوات المسلحة؟!


كل الأمثلة والنسب السابقة من خلاصة دراسات وإحصائيات دول متقدمة علميا، تمتلك اقتصاد قوي، ومؤسسات راسخة، وقوانين وتشريعات يتم تنفيذها بانضباط كبير. وبالمقارنة بالدول التي على النقيض من ذلك، فلنا أن نتخيل إلى أي مدى يمكن أن تصل نسب نجاح ونسب فشل من يفتتنون بتلك الأحلام. وحتى عندما ننظر إلى رواد الأعمال القلائل الذين حققوا مكاسب مادية مهولة علينا أولا أن نسأل أنفسنا كيف تحققت كل تلك المكاسب؟ أو بالأحرى على حساب من؟

-------------

أحمد دياب - من كتاب "ما لم تألف سماعه" ص: 197، 198.



زقاق النت

زقاق النت

ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.