عبدالرحمن كمال
طبعا كلنا عارفين أحداث 18 و19 يناير 1977، المعروفة باسم "انتفاضة الخبز". وهي مظاهرات شعبية ضد الغلاء جرت في أيام 18 و19 يناير من عام 1977 في عدة مدن مصرية رفضا لمشروع ميزانية يرفع أسعار العديد من المواد والسلع الأساسية، بعد خطاب ألقاه الدكتور عبد المنعم القيسوني نائب رئيس الوزراء للشؤون المالية والاقتصادية أمام مجلس الشعب في 17 يناير من عام 1977، أعلن فيه إجراءات تقشفية لتخفيض العجز، بأوامر من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
الرد الشعبي على الزيادات كان أن الناس خرجت للشوارع. في بداية الأحداث، قطاعات عمالية كثيرة قامت بالتظاهر. هذه القطاعات كان سبق لها الإضراب من قبل في 1975و1976. لأن الشعب بعد حرب 73 كان ينتظر وعود الرخاء الاقتصادي و"مصر أم الدنيا هتبقى أد الدنيا"، كلام قديم جديد. فالسادات بعد حرب 73 وبعد ما تحول من الاشتراكية إلى الرأسمالية وانفتاح السداح مداح كما أطلق عليهم الكاتب الكبير الراحل أحمد بهاء الدين. وبعد ما تقرب أكتر وأكتر من المعسكر الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة التي لا عمل لها في المنطقة إلا حماية إسرائيل.
لكن في يوم 17-1-1977م وبعد الإعلان المشار إليه في مجلس الشعب، برفع الدعم عن مجموعة من السلع الأساسية، ورفع أسعار الخبز والسكر والشاي والأرز والزيت والتموين، و25 سلعة أخرى من السلع الهامة في حياة المواطن البسيط.
الإجراءات كانت تشتمل على تخفيض الدعم للحاجات الأساسية، ورفع سعر الخبز 50% والسكر 25% والشاي 35% وكذل سلع الأرز والبنزين والزيت والسجائر.
بدأت الانتفاضة بعدد من التجمعات العمالية الكبيرة في منطقة حلوان بالقاهرة في شركة مصر حلوان للغزل والنسيج.
طبعا ده سبب كافي يعرفنا ليه تم تدمير القطاع العام خلال سنوات حكم مبارك، والإجهاز على ما تبقى في عهد السيسي. عندنا وزير قطاع الأعمال هشام توفيق، وزير جاي المفروض لإدارة وتحسين أوضاع القطاع العام، هو نفسه بيكره القطاع العام، هو من عبيد الخصخصة مش من أبواقها فقط، بل يعبد الخصخصة من دون الله، الرجل يكره القطاع العام. ولأانه رجل يكره القطاع العام، صندوق النقد هو اللي جابه عشان يكون مسئول عما تبقى من شركات ومصانع القطاع العام عشان يخلص عليها.
وزير قطاع الأعمال هشام توفيق، مش السيسي اللي جايبه، ولا الجيش اللي جابه، بل صندوق النقد الدولي هو إللي جايبه عشان يجي يدمر ما تبقى من القطاع العام؟
ليه؟ ببساطة لأن القطاع العام والقطاعات العمالية كان ليها دور كبير جدا في انتفاضة الخبز في 77. كان معقل انطلاقة الانتفاضة عدد من التجمعات العمالية الكبيرة في منطقة حلوان بالقاهرة في شركة مصر حلوان للغزل والنسيج، والمصانع الحربية ومصانع الغزل والنسيج بشبرا الخيمة، وعمال شركة الترسانة البحرية في منطقة المكس بالإسكندرية.
عشان كده مبارك أول ما وصل للحكم، كان رقم واحد عنده تدمير القطاع العام؛ لأن تدمير القطاع العام هيتبعه بالضرورة تدمير أي تجمع عمالي. يعني لو مفيش قطاع عام يبقى خلاص تجمعات عمالية. عبد الناصر لما مات كان أسس 1200 مصنع. لو كل مصنع بس فيه 500 عامل شوف إنت بقى. هي ليست فقط قلاع للصناعة والتنمية، بل هي بؤر قابلة للتفجير ضد أي حاكم يفكر يتجرأ على الشعب.
عشان كده كان الشغل الشاغل لمبارك طوال 30 سنة تفريغ القيادات العمالية والقطاعات العمالية. مش عايز يبقى في قطاعات عمالية، هو عايز العامل زي الموظف، إللي هو يروح له ساعتين المصنع، ويروح شغل في أي حتة تاني ولا همه بقى المصنع شغال بقى أو كسب أو خسر أو تم إغلاقه، دي مش مشكلة العامل.
طيب ليه مبارك دمر القطاع العام الضخم ده تدميرا ممنهجا؟ الإجابة على السؤال هنعرفها كمان شوية.
نرجع لموضوع الاحداث، بعد هذه التحركات، بدأ العمال يتجمعون ويعلنون رفضهم القرارات الاقتصادية، وخرجوا إلى الشوارع في مظاهرات حاشدة تهتف ضد الجوع والفقر وتطالب بسقوط الحكومة بل والنظام. ورفع المتظاهرون لافتات طبعا كلنا لو شفنا الأفلام زي فيلم زوجة رجل مهم مثلا، شوفنا عينة من الهتافات والشعارات واللافتات اللي كان منها:
«ياساكنين القصور الفقرا عايشين في قبور
ياحاكمنا في عابدين فين الحق وفين الدين
سيد مرعى يا سيد بيه كيلو اللحمة بقى بجنيه
عبد الناصر ياما قال خللوا بالكم م العمال
هو بيلبس آخر موضة واحنا بنسكن عشرة ف أوضة
بالطول بالعرض حنجيب ممدوح الأرض
لا اله الا الله السادات عدو الله»
اتوقف قليلا عند هتاف "عبدالناصر ياما قال خلوا بالكوا من العمال". عبد الناصر هذا الاسم الذي يزعج السادات و مبارك والسيسي و محمد مرسي والإخوان والليبراليين والعلمانيين. ودلوقتي عندنا جيل ثورة 2011 وما تلاه، للأسف سقط في فخ تشويه عبد الناصر، أنا لا أقول انه منزه أو أنه فوق النقد والهجوم، لكن أنا بتكلم عن تشويه.
ده كان واحد من أهم مطالب أو شعارات انتفاضة الخبز: "عبدالناصر ياما قال خلوا بالكوا من العمال". الحكام بعد عبدالناصر. عملوا بالنصيحة والوصية بس بشكل عكسي وأجهزوا على أي وجود للعمال.. مفيش عمال دلوقتي.
دي كانت الشعارات اللي في أول يوم للانتفاضة. وعلى ذكر أول يوم، البعض بيقو إن هتافات ومطالب يوم 25 يناير كانت كلها ضد الداخلية، وأن هتاف "الشعب يريد إسقاط النزاك" ظهر لاحقا بعد 28 يناير. هذا الكلام خاطئ تماما أنا كنت مشارك وموجود يوم 25 يناير، ومن أول يوم شعار الشعب يريد إسقاط النظام ده كان موجود بقوة. أنا معرفش يعني هما جابو منين الحكاية دي، هو نوع من أنواع التشويه وتطويع الأحداث.
نعود للعام 1977، تطورت الانتفاضة الشعبية بعد كده، بدأت نفس المظاهرات في الجامعات، انضم الطلاب للعمال ومعهم موظفين والكثير من الشعب المصري في الشوارع والميادين القاهرة والمحافظات يهتفون ضد النظام والقرارات الاقتصادية وحدثت مظاهر عنف منها حرق أقسام الشرطة وأبنية الخدمات العامة ومنها أقسام الشرطة (الأزبكية والسيدة زينب والدرب الأحمر وقسم شرطة إمبابة والساحل وحتى مديرية أمن القاهرة)، واستراحات الرئاسة بطول مصر من أسوان حتى مرسى مطروح واستراحة الرئيس بأسوان، ووصل الهجوم إلى بيت المحافظ بالمنصورة وتم نهب أثاثه وحرقه، ونزل إلى الشارع عناصر اليسار بكافة أطيافه رافعين شعارات الحركة الطلابية، واستمرت هذه المظاهرات حتى وقت متأخر من الليل مع عنف شديد من قوات الأمن وتم القبض على مئات المتظاهرين وعشرات النشطاء اليساريين .
للأسف. اليسار إللي انتهى واختفى من مصر تماما تحت وطأة الانتشار الممنهج للإسلام السياسي الذي كان أداة في يد السادات للتخلص من اليسار اللي ظهرت قوته في انتفاضة الخبز.
استمرت الانتفاضة يومي 18 و 19 يناير وفي 19 يناير خرجت الصحف الثلاثة الكبرى في مصر تتحدث عن مخطط شيوعي لإحداث بلبلة واضطرابات في مصر وقلب نظام الحكم.
نفس اللى حصل في 25 يناير 2011. التليفزيون المصري جايب صورة الكوبري فاضي، والأهرام والأخبار والجمهورية جايبين مقتطفات كده صغيرة لأخبار إن كان في شوية متظاهرين والأمن تعامل معاهم. بعد ما الحداث سخنت، بدأ الحديث بقى عن مخطط أو مؤامرة وهو ما قيل ويقال حاليا على 25 يناير، تلميحا وتصريحا، و"اللي حصل من 10 سنين مش هيتكرر تاني في مصر" و"اللي معرفوش يعملوه من 10 سنين هتعملوه دلوقتي" و"25 يناير كانت إعلان شهادة وفاة الدولة المصرية".
يتبع,,,
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق