ياسر حسن
موقف صعب جدا يواجهه الاقتصاد المصري، وتأتي معه خيارات اصعب علي صانع القرار .. تضخم عالمي يتبعه حرب اقليمية قد يتسع نطاقها الي العالمية، مصحوبة ببرنامج اقتصادي محلي كان موضع استفهام كثير من الاقتصاديين وخبراء التنمية .. يواجه الاقتصاد المصري حاليا عدة صعوبات تستعرض أهمها علي الإطلاق:
- أولًا: يواجه الاقتصاد مشكلة تقويم لسعر الجنيه المصري بأكثر من قيمته العادلة بحوالي ١٥٪ .. وتقيس المؤسسات الدولية القيمة العادلة للجنيه المصري استنادًا الي طريقتين .. الأولي هي مقارنة نسب التضخم في الأسواق الناشئة التي تنتمي اليها مصر .. والثانية عن طريق قياس معدل التضخم في مصر مع اكبر الشركاء التجاريين لها، وجميع هذه القياسات تقول أن الجنيه المصري مقوم بأكثر من قيمته بنسب تتراوح بين ١٣٪ الي ١٥٪.
ثانيًا: تواجه معظم الاقتصاديات الناشئة ومنها مصر مشكلة أرتفاع سعر الفائدة على الدولار الامريكي .. هذا الارتفاع لابد ان يؤدي عاجلًا ام أجلًا الي رفع سعر الفائدة في مصر .. مع الأخذ في الاعتبار أن مصر لديها احد اعلي أسعار الفائدة في العالم ان لم يكن اعلاها علي الإطلاق .. كما أن مصر تدفع ثاني أعلي سعر فائدة في الأسواق الناشئة علي السندات الحكومية الدولارية .. ورغم ذلك خرج من مصر خلال عام ٢٠٢١ أكثر من ٨ مليارات دولار من الأموال الساخنة، وحوالي ٣ مليارات دولار خلال الربع الأول من العام الحالي. والسبب في ذلك ان بعض المؤسسات المالية تري ان الفائدة الحالية لا تضع في اعتبارها نسب التضخم الفعلية في مصر، بإلإضافة الي تصنيف مصر ضمن الدول عالية المخاطر في سداد ديونها المالية.
ثالثا: هناك أزمة متوقعة في السياحة حيث يشكل السياح الروس والاوكرانيين نسبه غير قليلة من عدد السياح في مصر، ويشكل عائد هاتان الدولتان ما يقارب ثلث عائدات مصر من السياحة والبالغ تقريبا حوالي ١٤ مليار دولار خلال العام الماضي.
رابعًا: أرتفاع اسعار النفط يشكل أزمة نسبية لمصر .. واقول نسبية لآنه يقابل هذا الارتفاع ارتفاعًا اخر في أسعار الغاز يصب في مصلحة مصر، كما أن ارتفاع اسعار النفط لا يؤدي بالضرورة الي ارتفاع سعر كل برميل مباع، لإن هناك عقود طويلة يتم فيها تحديد متوسط سعر للبرميل، بالاضافة الي دخول صناديق التحوط وشركات التأمين في سد مخاطر اي ارتفاع في الأسعار .. لكن المشكلة أن مصر لن تستفيد كثيرا علي المدي القصير من ارتفاع اسعار الغاز بسبب الالتزامات التعاقدية مع الشريك الأجنبي..
خامسًا: شكلت تحويلات المصريين في الخارج والتي تجاوزت أكثر من ٣٠ مليار دولار خلال العام الماضي حائط صد قوي ومنيع ضد حدوث أزمة في سعر الصرف، لكن مع الحرب الدائرة حاليا والمشاكل الاقتصادية العالمية من المتوقع أن تتأثر هذه التحويلات النقدية بشكل او اخر.
من وجهة نظري ان الأزمة مزدوجة كل الخيارات صعبة. لكني أفضل ان يؤجل البنك المركزي رفع سعر الفائدة قد الإمكان، لآنه وان كان سوف يضطر الي ذلك لاحقًا .. كما أن لرفع سعر الفائدة تبعات اقتصادية مؤلمة علي المدي القصير تتمثل في أرتفاع تكلفة الدين الداخلي والخارجي علي حد سواء، في موازنة مالية اصبح تكلفة الدين من فوائد واقساط تقترب من نسبة ١٠٠٪ من موازنة الدولة...
اما خفض قيمة الجنية فهي خطوة اكثر خطورة لآنها ترفع تكلفة المعيشة علي المواطن بشكل كبير وفوري، أضف الي ذلك أن مصر دولة مستوردة أكثر منها مصدرة، ولذلك لن تستفيد مصر بشكل كبير من تخفيض قيمة عملتها المحلية، حيث تستورد مصر بضعف قيمة ما تصدره وهو فارق كبير مقارنة بدول أخري مثل تركيا او البرازيل حيث لا يصل الفارق الي الضعف بين قيمة ما تصدره وقيمة ما تستورده..
وفي النهاية نحن ندفع ثمن برنامج اقتصادي فرض علينا .. وكان فيه نسبة عالية من التفاؤل المفرط، ولم يأخذ في الاعتبار انك دولة ناشئة في عالم واسع لا تملك فيه مفاتيح الاقتصادي العالمي ولا تتحكم في خبايا سياسته الدولية .. فقط نملك أعلامًا يخفي التراب تحت السجادة آملا في غدًا أفضل قد يأتي الينا هدية من السماء…
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق