تزايد الحديث في مصر مؤخرا عن نية نظام السيسي بيع قناة السويس إلى مستثمرين أجانب (غالبا مستثمرين من دول الخليج، وربما يكونوا على علاقة قوية بإسرائيل) من أجل الحصول على مبالغ مليارية بالدولار، لسداد ديون مصر التي تسببت فيها سياسات الديكتاتور السيسي نفسه.
السيسي، الذي يتبع منهج عقيدة الصدمة معتمدا على القمع وقتل واعتقال كل من يخالفه، لم يخش شيئا، ولم يخف من رد الفعل الشعبي الرافض لهذه الجريمة التي تذكر بجريمة الخديوي إسماعيل قديما، عندما باع القناة لسداد الديون التي تسببت فيها سياساته، وما أعقب ذلك من احتلال بريطاني لمصر.
برّر السيسي خطط بيع القناة بحاجة الدول المتعثرة اقتصاديا إلى توافر أوعية إدخارية جانبية. وقال خلال افتتاح مصنعين بمجمع الصناعات الكيماوية في الجيزة، إنه «عندما توجه بالسؤال إلى الفريق أسامة ربيع (رئيس هيئة قناة السويس) في 2019 عما لدى الهيئة من أموال، فأجابه أنه لا يوجد أية أموال، فسأله السيسي: فماذا تفعل عندما تريد تنفيذ مشروع لتطوير قناة السويس، فأجاب الفريق ربيع أنه يطلب من وزارة المالية، وأن هذا هو النظام المتبع".
فيما يتعلق بالقانون الخاص بقناة السويس الذي أقره برلمان السيسي، هو باختصار إنشاء صندوق مملوك للهيئة يتيح لها بيع وشراء وتأجير الأصول، وطبعا الصناديق تبقي ذات موازنة خاصة خارج الموازنة العامة.
تبرير السيسي، وما يتردد مؤخرا في مصر عن اقتراب بيع قناة السويس، بعد أيام من الإعلان عن موافقة صندوق النقد الدولي على قرض جديد لمصر. كل ذلك يجعلنا نطرح السؤال الموجود في العنوان: هل قرر السيسي بيع قناة السويس، بدلا من إخراج الجيش من الاقتصاد؟
إرضاء الجيش المصري وصندوق النقد
كان صندوق النقد يشترط على مصر تحرير كامل لسعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار، وإخراج الجيش من الاقتصاد، لمنح مصر قرضا جديدا. وكانت المفاوضات متعثرة لدرجة أن جدول أعمال الصندوق في ديسمبر لم يشمل مصر عند إعلانه.
ثم فؤجئنا بإدراج مصر ضمن جدول الأعمال، والموافقة على قرض قيمته ٣ مليارات دولار، مع وعود من مانحين دوليين بحوالي ١٤ مليار دولار أخرى.
بعدها، جاء الإعلان عن خطة مصرية لبيع قناة السويس، مع خفوت الحديث عن شرط تحرير سعر الصرف بشكل كامل، وإخراج الجيش المصري من الاقتصاد !
تسلسل الأحداث بهذا الشكل، مع الرضا الملحوظ لإدارة بايدن عن "ديكتاتور ترمب المفضل" وما يعنيه ذلك (وتزامن معه أيضا) من تغير في موقف صندوق النقد (ذراع الولايات المتحدة للنهب) من مصر، كل ذلك يوحي بأن ثمة اتفاقا حصل لإرضاء الجميع: السيسي يحصل على القرض دون المساس باقتصاد الجيش "عرقه"، ومنظومة النهب ممثلة في صندوق النقد ستحصل على ملكية ممر ملاحي مهم مثل قناة السويس.
السيسي والشعب.. وعقيدة الصدمة
يتحمس البعض ويقول إن بيع قناة السويس سيكون "القشة" التي ستقسم ظهر نظام السيسي!! لا أدري،كيف يهونون من كارثة كبرى مثل بيع القناة، لدرجة جعلها "قشة"؟!
ثم من أين لهم تلك الثقة في عواقب جريمة البيع؟ على من يراهنون؟ الجيش المصري أم الشعب؟
البيع سيتم، كما تم التفريط في الأرض (تيران وصنافير) والنيل (سد النهضة) وحقوق مصر في شرق المتوسط (حقول الغاز وترسيم الحدود)، بدعم ورضا وحماية ومباركة الجيش المصري، وسيكتفي الرد الشعبي بالصمت كمدا، وفي أحسن الاحوال سيكون الانفعال مقتصر على هاشتاج على مواقع التواصل الاجتماعي.
فالشعب الذي لم يحرك ساكنا للتفريط في النيل (ما يعني موته عطشا)، لا ننتظر منه تحركا الآن، والجيش تاريخه في التفريط معروف.. بدأ منذ ١٩٧٧ ومستمر إلى لحظة الانهيار.. انهيار مصر أو انهيار الجيش نفسه !
الأمر الجدير بالذكر هو أن تواريخ خيانات السيسي وجيش كامب ديفيد كلها ذات دلالة.. فقرار بيع قناة السويس يأتى بالتزامن مع يوم ٢٣ ديسمبر.. ذكرى انتهاء حرب السويس والتى كانت بسبب قرار تأميم قناة السويس وتمصيرها عام ١٩٥٦!
أي أن السيسى -الابن البار للمؤسسة العسكرية وأفضل ما لدى الجيش المصري ليقدمه لحكم مصر- يبيع الرمزية التاريخية الوطنية ضمن منظومة بيع الأرض والأصول الاستثمارية المصرية، والأهم أن هذا البيع يتم بموافقة ورضا وحماية ومباركة ودعم الجيش المصري.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق