أحدث الموضوعات
recent

ما وراء التفويض!!


عبدالرحمن كمال

منذ انطلاق الطوفان العظيم، وهناك حالة سيولة في الكلام والتحليلات عن الحاصل والذي سيحصل، يقابلها فقر شديد في المعلومات.

أغلب التحليلات معتمدة على تفسير ما وقع انطلاقا من مواقف سابقة، وتنبؤ بما سيقع اعتمادا على هذه التفسيرات.

الكلام بالتحديد عن موقف الدولة المصرية مما يحدث في غزة، وما سيحدث في المنطقة.

تقريبا، غالبية التحليلات تنطلق من تفسير الحاصل انطلاقا من مواقف السيسي السابقة شديدة التماهي مع إسرائيل، وبالتالي تنبؤات ما سيحصل كلها معتمدة على هذا التماهي

لكن السياسات متغيرة، وبالتالي تحليلاتها كذلك، وكلما توافرت المعلومات تغيرت المواقف والرؤى، وكلما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة، كما قال النفري قبل قرون.

من المعلومات المتداولة أن هناك أزمة فعلية بين مصر وإسرائيل، وإن كان التعبير العلني عن الأزمة ليس بقوة الأزمة الحقيقية، وليس بالقدر الذي يرضي كل من يعادي إسرائيل ويتوق لتحرر مصر من التبعية.

المعلومات تقول إن الاتصالات بين مصر وإسرائيل وصلت لمستوى هو الأقل والأسوأ في ١٠ سنوات، وأن أسباب الأزمة هو إصرار إسرائيل على تهجير غزة وتوطين أهلها في سيناء، وهو ما ترفضه مصر بشدة وعبرت عن رفضها أكثر من مرة (كان من الأفضل أن تكون إحدى المرات على لسان المتحدث العسكري).

أيضا، اعتراض مصر على قصف معبر رفح، وإصرارها على ضرورة فتح المعبر لإدخال المساعدات الإنسانيَّة والإغاثية، وتحذير مصر من تداعيات الحصار واستمرار منع دخول المساعدات (ولهذا ألمح السيسي إلى الرد الشعبي ونزول الملايين).

معلومة أخرى مهمة جدا تقول إن تصريح السيسي الخاص باقتراح صحراء النقب كمواطن للتهجير، كان من باب "مناكفة" إسرائيل لعدة أسباب: أهمها اتهامات إسرائيل لمصر عبر وسطاء أوروبيين بأنها تدعم المقاومة، وتوافق أيضا على هجماتها الأخيرة في طوفان الأقصى، بالإضافة إلى استحالة الاقتراح، كما أنه من غير المنطقي أن تنقل إسرائيل سكان غزة إلى أراضي تسيطر عليها إسرائيل بالفعل!! يعني ستنقل المقاومة من غزة إلى النقب، وهو ما قصده السيسي بقوله إن توطين الفلسطينيين في سيناء سينقل المقاومة إليها، وقد يجر مصر لحرب مع إسرائيل.

من ضمن دلالات صحة تلك المعلومات، قيام إسرائيل بسحب سفيرتها وطاقمها بالكامل من مصر للتشاور، وسط توقعات بقيام مصر برد مماثل، في حالة اعترضت إسرائيل على فتح المعبر أو تعرضت للمساعدات، مع تعليق مصر دورها التفاوضي في ملف الأسرى الإسرائيليين لدى المقاومة.

كل هذه المعلومات الواردة، ولا نعلم مدى صحتها، لكن لا يجب إغفالها مطلقا.

نأتي إذن لموضوع التفويض وحشد الناس للنزول. المشكلة المركزية في تفويض السيسي مجددا هو أن السيسي بلا أي رصيد شعبي، بعدما دمر كل شيء خلال عشرية حكمه السوداء. بالإضافة إلى سلسلة خيانات للأمن القومي المصري قبل أن تكون للشعب نفسه، أهمها سد النهضة وتيران وصنافير وتدمير الاقتصاد وحجم القروض. 

كل هذه الكوارث تجعل من الصعب جدا القبول بتفويض السيسي في ملف مصيري مثل ملف التهجير والتوطين، وتجعل من الصعب الوقوف معه وتفويضه، إلا على أرض صلبة وقاعدة وطنية، وإن كان المستفيد الأول من حالة الفوران الشعبي الحاصلة ضد إسرائيل هو الجيش المصري، الذي عادت من جديد سمعته (التي دمرتها سياسات السيسي المذكورة آنفا، خاصة أن الجيش لم يكن له موقف معارض لها) لبعض التحسن بين الفئات الاجتماعية الشعبية والفقيرة، وعودة الارتباط نوعا ما بين الشعب (والحديث لا يشمل نشطاء السوشيال ميديا،  بل السكان الأصليين لمصر إن جاز التعبير) والجيش (رغم أن الموقف العلني للجيش من كم الإهانات التي تلقتها مصر من إسرائيل سيء جدا) لكن في المجمل هناك رغبة شعبية في استعادة هيبة مصر وفي القلب منها الجيش (هتافات الجيش المصري فين مثالا) بالإضافة لحالة النشوة والفخر الشعبي بالرد المصري الرسمي على متحدث جيش العدو بخصوص التوطين، رغم أن الرد جاء على لسان الخارجية مرة، ثم السيسي مرات (وإن كان البعض يقول إن تصريحات السيسي جاءت بأوامر من المجلس العسكري ردا على إهانات إسرائيل المتكررة)، وإن كان الأفضل أن يكون على لسان وزير الدفاع أو المتحدث العسكري، لكن لا ننسى أن رئيس الجمهورية هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، حتى لو كان من يشغل المنصب هو السيسي، فلم ينتقص ذلك من حالة الفخر والدعم للموقف المصري الرسمي، على الأقل لمن يفصل بين موقفه من السيسي ونظامه ودولته، وبين مصر الوطن.

نرجع إلى موضوع التفويض.. الدولة المصرية بكل أجهزتها تحشد الشعب للنزول غدا الجمعة 20 أكتوبر (اليوم الرابع عشر من الحرب على غزة)، بعدما حشدت الفنانين وسمحت لنقابة الصحفيين بوقفتين، الثانية كانت على سلم النقابة وتطورت لتحتل شارع النقابة، وبدلا من إنهاء الوقفة بعد ساعة ونصف كما كان مقررا (وربما متفقا عليه مع أجهزة الأمن) استمرت أكثر من ثلاث ساعات ونصف تقريبا (والتحية واجبة للنقيب الأستاذ خالد البلشي الذي تعامل مع حماسة الشباب بخبرة ووعي وطني، وسمعته بأذني يقول لمن حوله "انا مش هاطلع غير لما اتطمن على الشباب" بل وأضاء أنوار مبنى النقابة الخارجية رغم رفض الشباب الامتثال لدعوته لإنهاء الوقفة الاحتجاجية).

فهل يحتاج السيسي إلى تفويض شعبي ليمارس مهام عمله؟

أغلب الظن أن الغرض من حشد الشعب غدا، هو أن يظهر للغرب وتحديدا أمريكا وإسرائيل أن الموقف الشعبي هذه المرة أكبر من قدرته على الموافقة على ما يرغبون به، ربما هربا من الضغوط الجبارة التي يتعرض لها للقبول بالتهجير والتوطين، وربما لتوحيد الجبهة الداخلية استعدادا لقرارات مصيرية قادمة. 

وربما أيضا هو نوع من المناورة يقوم به السيسي على طريقة "اعط إشارة إلى اليسار، واتجه يمينا" ولعل هذا الاحتمال الأخير مرجعه هو عدم امتلاك السيسي رصيد يؤهله لنيل ثقة كل معارضيه، وهو أكثر ما يقلقهم من هوجة التفويض، خاصة أن الكلمة نفسها سيئة الذكر ومرتبطة في الوجدان الشعبي بمجزرة رابعة والنهضة، وتهجير سيناء.

فأي الاحتمالات أصح؟ هذا ما ستكشفه الأيام القادمة.

زقاق النت

زقاق النت

ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.