عندما أطلق الروائي الفرنسي "جوليان بندا " مصطلح "خيانة المثقفين" في كتابه الذي يحمل الاسم ذاته الصادر عام 1927، كان يرمز إلى تخلّي المُثقّفين عن استقامتهم ونزاهتهم الفكرية والذين تستميلهم مُغريات السلطة والجماهير فتقودهم إلى الانحياز لمصالحهم السياسية والنفعية على حساب دورهم ومسؤولياتهم الأخلاقية.
وإذا كانت الأمة العربية تعاني من التدهور والاضمحلال، فأحد أسباب ذلك الرئيسة هو تبرير الخيانات وتجميلها في بعض الأحيان بشكل يجعلها أمرا لا مفر منه، مع تشويه كل صوت مقاوم للخيانة.
وليس من مثال على محاولات تبرير الخيانة وتشويه المقاومة، أبرز من ذلك الجدل الذي صاحب تصريحات المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني، العميد رمضان شريف، حول دوافع عملية "طوفان الأقصى"، ما اضطره إلى الخروج بتصريحات لاحقة للتوضيح.
من جانبها، أصدرت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بيانا توضيحيا حول تصريحات "شريف"، أكدت خلاله أن دوافع وأسباب عملية طوفان الأقصى هي فلسطينية بامتياز.
خطأ وكالة إيرانية
كانت وكالة مهر الإيرانية للأنباء، قد أودت خبرا بعنوان "حرس الثورة: طوفان الأقصى كانت إحدى الردود على اغتيال الشهيد سليماني وسنأثر لدماء الشهيد رضي"، قبل أن تغير العنوان إلى "حرس الثورة: ردنا على اغتيال السيد رضي سيكون مزيجا من العمل المباشر وجبهة المقاومة".
وأفادت وكالة مهر للأنباء، بأن المتحدث باسم حرس الثورة الإسلامية أعرب عن تعازيه، خلال مؤتمر صحفي عقده صباح الأربعاء، باستشهاد العميد سيد رضي موسوي علي يد الكيان الصهيوني وقال: "استشهاد هذا العزيز أظهر أن المعركة ضد أعداء أمن البلاد واستقلالها مستمرة".
ونقلت الوكالة عن "شريف" قوله: "إن هذا الإجراء الأعمى كان سببه الإخفاقات المتتالية للكيان الصهيوني في غزة، حيث أنّهم اتخذوا هذا الإجراء للتخلص من هذه المشاكل، مشيراً إلى أنّ حرس الثورة يعرف السبب وراء هذا الاغتيال".
وتابع خبر الوكالة نقلا عن "شريف": "عملية طوفان الأقصى كانت إحدى العمليات الانتقامية التي اتخذها محور المقاومة من الصهاينة لاستشهاد اللواء سليماني، مضيفاً: "لقد فقد الصهاينة أكثر من 200 قيادي وسقط أكثر من 1500 قتيل في عملية طوفان الأقصى، وهذه الأرقام لنظام يدعي أنه لا يقهر بالعمليات العسكرية، وذلك مؤشر على زواله".
وعن طريقة رد إيران على عملية اغتيال موسوي، قال: "ردنا على اغتيال الشهيد موسوي سيكون مزيجًا من العمل المباشر وجبهة المقاومة، مضيفاً: "سبب استهداف الأمريكان في المنطقة وخاصة في العراق هو أن العراق كان قد صوت على انسحاب الأمريكان قبل عملية طوفان الأقصى، وبعد هذه العملية ثار غضب الشعب العراقي، وعلى هذا النحو امتد هذا الغضب ليحاوط الأميركيين، مؤكدا قوله بأنّه من المهم أن تقبل أمريكا بمغادرة المنطقة لأنها الآن في طريق مسدود"، بحسب الوكالة.
فرصة للخونة والمطبعين
ما أن خرجت تصريحات المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني، حتى تلقفتها الأبواق الإعلامية المعادية للمقاومة الفلسطينية، والمحسوبة على حلف التطبيع العربي.
ورغم استشهادهم بخبر وكالة مهر للأنباء الإيرانية، إلا تلك الأبواق تغافلت عن عمد ما أوردته الوكالة في فقرة ضمن خبرها، تؤكد أن عملية طوفان الأقصى كانت قرارا فلسطينيا بحتا.
ففي فقرة لاحقة، نقلت الوكالة عن المتحدث باسم حرس الثورة: "إن إحدى استراتيجيات العدو هي تحويل الحرب بين فلسطين وإسرائيل إلى حرب بين إيران وأمريكا، وقد أعلن قائد الثورة الإسلامية في اليوم الأول من هذه العملية بأنّ عملية طوفان الأقصى كان إجراءًا فلسطينياً، لكن الإسرائيليين ما زالوا يحاولون تنفيذ هذه الاستراتيجية، مشيراً إلى أنّ ردّ المسؤولين الإيرانيين على هذه الاستراتيجية كان مناسبًا دائماً".
لم يخطئ لينين في عبارته الشهيرة: "إن المثقّفين هم أقدر الناس على الخيانة، لأنهم أقدر الناس على تبريرها". ومحاولات التشويه لعملية طوفان الأقصى، التي يعترف أطراف محور المقاومة من إيران إلى حزب الله، بأنها كانت مفاجأة لهم، ليست تلك المحاولات إلى تعبيرا عن رغبة جارفة في البحث عن مبرر للخيانة.
توضيح في تصريح
ومع الحملة التي كانت تتجه لتشويه أكبر في محور المقاومة، بل وفي عملية طوفان الأقصى برمتها، لم يجد المتحدث باسم الحرس الثوري الإيراني بدا من الخروج بتصريح آخر للتوضيح.
وأكد العميد رمضان شريف، أن تصريحاته حول دوافع "طوفـــان الأقصى" أسيء فهمها، مؤكدًا أنه لم يصرح بأن دافع العملية كان الانتقام لاغتيال الجنرال قاسم سليماني.
وقال شريف في تصريحات لصحيفة العربي الجديد: صرحت اليوم بأن أحد نتائج عملية "طوفـــان الأقصى" كان انتقاما لاغتيال الجنرال سليماني.
وشدد على أن بلاده ستنتقم انتقاما صعبا وقويا لاغتيال العميد الإيراني رضى موسوي (اغتالته إسرائيل في سوريا الاثنين.
وأضاف: "العدو الصهيوني يسعى من خلال اغتيال موسوي إلى التستر على جرائمه في غزة وحرف أنظار العالم عنها".
حماس تتفهم
من جانبه، نفت حركة المقاومة الإسلامية حماس صحة ما نسب إلى المتحدث باسم حرس الثورة الإسلامية، العميد رمضان شريف فيما يخص عملية طوفان الأقصى ودوافعها.
وقالت حماس في تصريح صحفي، الأربعاء: "أكدنا مرارا دوافع وأسباب عملية طوفان الأقصى، وفي مقدمتها الأخطار التي تهدد المسجد الأقصى".
وأكدت أن كل أعمال المقاومة الفلسطينية، تأتي رداً على وجود الاحتلال وعدوانه المتواصل على شعبنا ومقدساتنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق