عبدالرحمن كمال
بعد ٢٤٦ يوما من المجازر.. ودعم عسكري وسياسي واستخباراتي أمريكي بريطاني غربي، وبعد تدمير أكثر من ٨٠% من قطاع محاصر منذ ١٧ عاما، ها هو العدو يحتفل بتحرير ٤ أسرى كانوا في حفل موسيقي (أي لا أحد منهم عسكري)!
حتى عملية اليوم، جاءت بعد ارتكاب مجازر في النصيرات راح ضحيتها ١٥٠ شهيدا، وبعد مشاركة من المخابرات والجيش الأمريكي (وهو ما تم الإعلان عنه قبل قليل)، وبعدما استخدم العدو شاحنة مساعدات ترافقها سيارة مدنية بداخلهم قوات خاصة (لن يكون مفاجئا لو اتضح لاحق أنها قوات خاصة أمريكية)، أو كما أعلنت "إسرائيل هيوم" بأن القوات التي حررت الأسرى دخلت النصيرات بشاحنة كانت تحمل أثاثا للنازحين يقودها جندي بملابس مدنية.
وسائل إعلام إسرائيلية كشفت عن دور أمريكي رئيسي في تقديم المعلومات إلى "الجيش" الإسرائيلي بشأن العدوان على النصيرات، وأشارت إلى أن مسؤولا أمريكيا وصل أمس وانتظر على الرصيف الذي أُقيم في لحظة تنفيذ العملية في النصيرات.
حتى هذه العملية، لم تكن صيدا سهلا للعدو، فوفقا لإذاعة ميلشيا الاحتلال (الجيش) التي كشفت عن تفاصيل إضافية حول عملية تحرير الأسرى الأربعة، جرى إطلاق نار على سيارة الأسرى الإسرائيليين الثلاثة وتعطيلها، وانطلقت قوة إنقاذ كانت تنتظر خارج مخيم النصيرات وانضمت إلى القوات الأخرى؛ ثم وصلوا إلى مهبط طائرات الهليكوبتر بعد معركة استمرت أكثر من 45 دقيقة، كما أعلنت شرطة العدو عن مقتل القائد أرنون زامورا من وحدة اليمام الخاصة في عملية تحرير الأسرى.
كل ذلك في قطاع تحاصره مصر والعدو منذ ١٧ عاما، ويتفرج عليه ٤٠٠ مليون عربي وهو يتعرض للذبح على مدار ٢٤٦ يوما، ولم يفكر أي عربي منهم في إجبار جيوش وعروش العرب على التحرك لوقف المجزرة (باستثناء ٤ عواصم عربية يتهمونها بأنها خاضعة لإيران).
ورغم أن العدو لم ينجح في عملية تحرير الأسرى بمفرده، تماما كما أنه لا يحارب منذ ٧ أكتوبر بمفرده، إلا أن النتن ياهو سيسارع لتسويق العملية على أنها انتصار كاسح، يداري به سيل الاتهامات والتشكيك من أجهزة الاستخبارات وميليشا(جيش) الاحتلال، في جدوى استمرار الحرب، وقدرات العدو على الاستمرار في القتال على 7 جبهات، بل والتشكيك في مصير الكيان نفسه واحتمالية استمرار وجوده.
٤ أسرى في ٢٤٦ يوما هو أعظم إنجاز للجيش الأمريكي في حربه على غزة.. رغم امتلاكه كل مقومات وأسباب النجاح في تكرار مأساة السكان الأصليين لأمريكا، وإبادة ٢.٣ مليون غزاوي كما ابادوا من قبل ١١٢ مليون إنسان من السكان الأصليين لأمريكا.
إذا كانت هذه صورة الانتصار التي يتوق لها بايدن ونتنياهو، ويبررون جرائم الحرب التي ترتكبها أمريكا في غزة من أجلها، فهذا يكشف عن حالة الفشل واليأس في تحقيق الهدف الحقيقي من الحرب، ألا وهو إبادة غزة وشعبها، بفضل تضحيات أهل غزة ومقاومتها ودعم جبهات لبنان وسوريا والعراق واليمن.
نعم، الهدف الحقيقي ليس إبادة حماس والقضاء عليها، وليس تهجير 2.3 مليون غزاوي إلى مصر، بل إبادة الشعب الفلسطيني، كما أباد الرجل الأبيض من قبل شعوب "قبائل أوننداجو" و"وموهاك" و "شيروكي" و"أبورجينال"، وغيرهم من الشعوب الأصلية في الأمريكتين.
لقد كان طوفان الأقصى تمردا على الامبراطورية الأمريكية وطريقة إدارتها للعالم، وليس فقط مقاومة لمحتل مختل. إن طوفان 7 أكتوبر هو أكبر وأخطر تمرد عسكري على أمريكا منذ الحرب العالمية الثانية، عندما تولت رسميا إدارة العالم من امبراطورية الشر البريطانية، أخطر حتى من المقاومة التي حصلت في فيتنام والعراق وأفغانستان.
لهذا، حمل العدو الأمريكي على عاتقه مهمة التخلص نهائيا من غزة بنفس الطريقة التي سبق وتخلص منها الآباء المجرمون المؤسسون لأكبر غلطة في التاريخ البشري كما وصفها عالم النفس الشهير فرويد، عبر قيادة الحرب بنفسها ضد شعب أعزل محاصر من قبل ادوات أمريكا نفسها (إسرائيل والجيش المصري)، وكأن لسان حال امريكا هو أن الحصار لم ينفع مع هذا الشعب، بل قاوم الحصار وصنع أسلحة ورجالا نفذوا التمرد الأكبر على إرادة وإدارة امريكا في 7 أكتوبر 2023، وبالتالي، لم تر أمريكا حلا إلا بالإبادة، وقادت الحرب بنفسها، فالدور الأمريكي لا يتوقف فقط عند تقديم الأسلحة والمعلومات والدعم اللوجستي والسياسي.
وكما فوجئ العدو الأمريكي في 7 أكتوبر، تواصلت صدمته عندما اصطدم بمقاومة غزة، ثم انضمام جبهات أخرى للمعركة بشكل متزايد، حتى باتت مغتصبات الشمال مثل كريات شمونة مدن أشباح، ولولا خيانات السعودية والإمارات ومصر والأردن والبحرين وتركيا، لما وجد العدو طريقا للحصول على البضائع بعد الهجمات اليمنية المباركة.
كل هذه الصدمات جعلت العدو في شك من أمر نفسه، وباتت تحليلات الضباط والرجال الاستبخارات الكبار كلها تنصب حول مدى إمكانية بقاء "إسرائيل كدولة"، في ظل الفشل المستمر في تحقيق الأهداف المعلنة (تصفية حماس وإعادة الأسرى) أو غير المعلنة (إبادة غزة) رغم القيادة الأمريكية للحرب والدعم غير المحدود من بريطانيا وفرنسا وألمانيا.
الحقيقة الراسخة التي يعلمها العدو ويتعامى عنها العربان الغربان الخونة، أن خسارة معركة غزة (بعدم تحقيق الهدف النهائي بإبادة غزة) يعني بالفعل بداية زوال الكيان، لهذا يحاول أن يسرق أي صورة نصر زائف يخدع بها حثالة الأمم في الداخل المحتل، أو يوهمهم بها حتى لا يغادروا الكيان بعد توقف الحرب.
لو كانت جيوش وعروش العرب تنتمي بالفعل للشعوب العربية وتخدم مصلحة تلك البلاد، لاصطفت إلى جبهات دعم غزة، لكن هذه الجيوش والعروش إنما خلقت فقط لحماية العدو، ولن تتورع عن قتل ٤٠٠ مليون عربي إذا فكروا في التحرك لنصرة غزة.
إن الصورة الشهير من واقعة اقتحام سفارة العدو الصهيوني في قلب القاهرة في 2011 (الحدث الأنبل والأشرف في الربيع العربي بأسره) ليست مجرد صورة مرسومة على حائط، بل هي لب القضية والحل النهائي للأمة العربية.. كانت الصورة تقول: "تحرير فلسطين يبدأ من تحرير مصر".. وتحرير مصر سيقود إلى تحرير الأمة العربية، لهذا يتداعى على حرية مصر القاصي والداني، من قيادات الجيش الذي باع شرفه وضميره في كامب ديفيد، إلى أمراء مستعمرات الخليج الذين يؤمنون أنه لولا أمريكا لما بقى غلام منهم في عرشه.
بالطبع، الدعاية الأمريكية والإسرائيلية (والعربية) ستسارع إلى التهويل من حجم عملية تحرير الأسرى في مخيم النصيرات اليوم، خاصة أنها جاءت بعد فشل 246 يوما في تحرير أسير واحد، لكن لا يجب أن يفت ذلك في عضد المتفرجين من العرب، وأقول المتفرجين لأننا أكثر عرضة للإحباط والتأثر بالدعاية الأمريكية من أولئك الأبطال في غزة، ولننتظر حتى نسمع رواية المقاومة للحادث، الذي شهد معركة ضارية باعتراف العدو نفسه، ولم يكن له النجاح إلا بعد مجازر وخداع وتحالف عسكري استخبراتي امريكي.
وحتى لو لم يظهر الملثم ويروي لنا تفاصيل ما حدث، فالمعروف أن الحرب جولات، ورغم التباين المرعب في الإمكانيات والقدرات بين العدو وبين المقاومة، إلا أن هذا العدو لم يستطع ان يحرر إلا 4 فقط من اسراه رغم كل الإمكانيات الجبارة التي بحوزته، وبالتالي، لا يمكن باي حال ان نصف الأمر بانه خسارة جولة في الحرب، مقارنة بعمليات المقاومة الباسلة التي نتابعها منذ 7 اكتوبر، مثل أسر جنود للاحتلال في أحد الأنفاق وتفجير المنازل والكمائن المحكمة ضد ميلشيات الاحتلال.. فلا تهنوا ولا تحزنوا، وثقوا بنصر الله.
إن هذه العملية لن تمنح نتنياهو وبايدن إلا صورة انتصار زائف، ولا تعني مطلقا أن العدو انتصر في الحرب، فالانتصار في الحروب غير المتكافئة يكون فقط بتحقيق الطرف الأكثر عدة وعتادا لأهدافه غير المعلنة قبل المعلنة، وفي حالة غزة، لم ولن ينجح العدو في تحقيق هذه الأهداف، وإذا كان العدو قادر بالفعل على تحرير أسراه، فلماذا يم يقدم على ذلك خلال أيام الحرب الـ 246؟ الجواب ببساطة لأن حربه في غزة تختلف عن أكاذيب هاليفي وغالانت ونتنياهو.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق