قال الكاتب الإسرائيلي إيلي ليئون إن إسرائيل تجد نفسها أمام تحوّل إقليمي حاد، بعدما بدأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تكريس وجود عسكري وسياسي واسع داخل سورية، في مشهد ترى فيه تل أبيب نواة «طوق نار» جديد يطوّقها من الشمال ويعيد تشكيل الخريطة الاستراتيجية في المنطقة. وأشار الكاتب إلى أن هذه التطورات جاءت في مرحلة حساسة تزامنت مع سقوط نظام بشار الأسد وصعود نفوذ تركي متسارع يملأ الفراغ ويعيد رسم التوازنات.
وأضاف ليئون، في مقال نُشر بصحيفة "معاريف"، أن دوائر صنع القرار في إسرائيل باتت مقتنعة بأن أنقرة تتحرك لإحلال وجودها الأمني مكان النفوذ الإيراني السابق، وهو ما يثير مخاوف جدية من ولادة معادلة إقليمية جديدة، تتدخل فيها تركيا كـ"ضامن" سياسي وأمني للدولة السورية. وكشف الكاتب أن مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي وصف ما نشرته صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية حول التفاهمات مع سورية بأنه «أخبار كاذبة»، رغم الإقرار بوجود لقاءات واتصالات جرت برعاية أمريكية من دون التوصل إلى اتفاقات نهائية.
اتصالات بلا نتائج
يشير الكاتب إلى أن المصادر التي تحدثت لـ"الشرق الأوسط" كشفت عن مسار تفاوضي أمريكي بين دمشق وتل أبيب، مكّن الجانبين من صياغة مسودة اتفاق أمني كان يُفترض توقيعه على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، التي شارك فيها الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع. وفي لحظة حاسمة، رفض بنيامين نتنياهو التوقيع، ما أدى إلى نسف المسار برمّته، وإعادة الملف السوري إلى نقطة الصفر.
وفي سياق السجال المتصاعد، يوضح المقال أن التوتر بلغ ذروته في مارس الماضي حين قصفت إسرائيل مطار حماة العسكري ودمرت قدرات للجيش السوري، استنادًا إلى تقارير تحدثت عن استخدام تركيا المطار لنقل معدات لوجستية لتأسيس قاعدة جوية في حمص. وردًا على خطر الاصطدام المباشر، عقدت وفود تقنية من الجانبين اجتماعات في باكو بوساطة أذربيجان، لوضع قواعد اشتباك تمنع اندلاع مواجهة غير محسوبة بين إسرائيل وتركيا داخل الأراضي السورية.
ترامب يدخل المشهد
يستعرض الكاتب جانبًا مهمًا من خلفيات المشهد يقول إنه برز خلال لقاء نتنياهو والرئيس الأمريكي ترامب في البيت الأبيض في يوليو 2025، حين كشف ترامب أنه هنأ أردوغان على «أخذ سورية»، وأن الأخير أجاب بقوله «نعم، أخذتها». ورغم أن نتنياهو أبدى معارضة قاطعة لأي قواعد عسكرية تركية داخل سورية باعتبارها تهديدًا مباشرًا لأمن إسرائيل، فقد اقترح ترامب عليه أن يحل خلافاته مع أنقرة بدل الصدام معها، في إشارة واضحة لانحياز واشنطن لصفقة استراتيجية محتملة تمنح تركيا دورًا واسعًا في شمال سورية.
وفي المقابل، تؤكد تركيا — كما يعرض الكاتب — أنها غير منزعجة من الاتصالات الإسرائيلية – السورية، طالما لا تمس بالوحدة الجغرافية لسورية. وتظهر أنقرة نفسها بوصفها صاحبة الدور المركزي في إسقاط حكم الأسد في ديسمبر 2024، وفي فتح الطريق أمام النظام الجديد برئاسة أحمد الشرع، وهو ما تعتبره إنجازًا استراتيجيًا لترسيخ نفوذها في المشرق.
تغلغل ميداني واسع
يستعرض المقال سلسلة خطوات تركية متلاحقة لتعزيز حضورها في سورية، أبرزها زيارة رئيس المخابرات التركية إبراهيم كالن إلى دمشق بعد أيام من تغيير السلطة، وأدائه الصلاة في المسجد الأموي، كرسالة رمزية تعلن تحولًا جذريًا في علاقة تركيا بدمشق وتطبيقًا لوعد قطعه أردوغان منذ 2011.
ويشير الكاتب إلى أن أنقرة، منذ ذلك الحين، تتحرك لملء الفراغ العسكري والإداري في الدولة السورية. ففي أغسطس 2025، عقدت "مجموعة التنسيق التركية" اجتماعًا برئاسة نائب وزير الخارجية نوح يِلماظ، الذي عُيّن سفيرًا في دمشق، لتكون تركيا أول دولة تعيد فتح سفارتها في العاصمة وقنصليتها في حلب. وعلى المستوى الأمني، وُقّع مذكرة تفاهم للتعاون وتبادل الخبرات وإطلاق مركز عمليات مشترك في دمشق لمحاربة «داعش»، بينما فُتحت المعابر الحدودية، وأبرم بروتوكول لإنشاء لجنة تجارية مشتركة تستهدف بلوغ صادرات تتجاوز ملياري دولار نهاية العام، وتحويل حلب إلى محور لوجستي إقليمي.
كسر العزلة عن دمشق
يشرح المقال كيف دفعت تركيا نحو تحريك حملة دولية لرفع العقوبات عن سورية، وهي خطوة سريعة التقطها الرئيس الأمريكي ترامب، معلنًا إلغاء العقوبات في مايو الماضي بناءً على طلب من محمد بن سلمان وأردوغان معًا. وتزامن ذلك مع زيارة للرئيس الشرع إلى واشنطن، ومع اجتماعات مكثفة أجراها وزير الخارجية التركي هاكان فيدان مع وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو ومسؤولين آخرين، بهدف الدفع نحو إنهاء «قانون قيصر» وإعادة دمج سورية اقتصاديًا.
وفي هذا السياق، تبرز المفارقة التي يشير إليها الكاتب: تركيا التي قادت إسقاط النظام السوري قبل عام واحد فقط، أصبحت الآن عرّاب إعادة تأهيله سياسيًا واقتصاديًا، ما يعزز مخاوف إسرائيل من أن نفوذًا تركيًا متجذرًا قد يحل محل التهديد الإيراني السابق، لكن بمدى جغرافي وشرعية دولية أكبر.
تفكيك القوى الكردية
يتناول الكاتب أحد أكثر الملفات حساسية بالنسبة لتركيا: تفكيك وحدات الـSDF الكردية. ويوضح أن أنقرة تعمل جاهدًة لدمج هذه القوات داخل مؤسسات الدولة السورية، وهو ما تُرجم إلى اتفاق في 10 مارس الماضي بين الرئيس الشرع وقائد قوات الـSDF مظلوم عبدي، في استجابة لدعوة سابقة أطلقها زعيم الـPKK عبد الله أوجلان من محبسه للتحول نحو العمل السياسي.
ويقول المقال إن تركيا تعتبر البنية الحالية للقوات الكردية تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، وتسعى لإكمال عملية الدمج ونزع السلاح بالكامل قبل نهاية العام، بالتوازي مع محاولة إقناع واشنطن بوقف دعمها التقليدي للقوى الكردية المسلحة.
قلق إسرائيلي متفاقم
يرى الكاتب أن ما يحدث في سورية يفتح الباب أمام واقع استراتيجي جديد قد تجد فيه إسرائيل نفسها أمام نفوذ تركي راسخ، قادر على التأثير في قواعد الاشتباك، وفي حركة السلاح، وفي طبيعة الردع على حدود الجولان. وتخشى تل أبيب أن يؤدي التمركز التركي إلى تشكيل جبهة شمالية معقدة ومتعددة الطبقات، من أنقرة إلى دمشق، تسمح لتركيا بالتحكم في مسارات الصراع أو التهدئة.
ويضيف المقال أن إسرائيل تواجه مشكلة إضافية في ظل عدم قدرتها على مواجهة تركيا عسكريًا داخل سورية، نظرًا للحماية الأمريكية الواضحة لأنقرة، وتحولها إلى شريك سياسي في صياغة مستقبل سورية بعد الأسد.
مستقبل غير مطمئن
يخلص المقال إلى أن إسرائيل تقف أمام واقع لا يزال يتشكل، لكنه يميل إلى ترسيخ نفوذ تركي واسع داخل سورية، بدعم أمريكي وسعودي، وبقبول من النظام الجديد. وبالنظر إلى حجم هذا التغيير وطبيعته، تخشى تل أبيب أن تجد نفسها محاصرة بمواقع عسكرية تركية، وبنفوذ سياسي متجذر، وبجبهة شمالية لا تشبه التهديد الإيراني القديم بل تتجاوزه في القدرة على المناورة والشرعية الدولية.
ويرى الكاتب أن «الكابوس الإسرائيلي» مستمر في التحقق، مع إعادة رسم خرائط النفوذ في المشرق، على نحو قد يفرض على إسرائيل إعادة تعريف أولوياتها الأمنية والسياسية في مرحلة تعاد فيها صياغة التوازنات من جديد في سورية وما حولها.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق