>> أمريكا تنفض يدها عن صراعات الشرق الأوسط.. وتطالب المتخاصمين بالتعايش والسلام البارد
>> سعد الدين إبراهيم حمل رسالة البيت الأبيض للنظام المصري.. والرحيل ورقة الضغط على السيسي
>> خائف وأقل ذكاء وأكثر وحشية من مبارك ويسير على خطاه في القمع والعمالة لـ«واشنطن».. أوباما يصف السيسي
كتب: عبدالرحمن كمال - بوابة يناير:
«مبدأ أوباما».. بهذا العنوان وصفت دورية «The Atlantic» الحوار المطول الذي أجرته مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما، قبل أيام، وأثار ضجة كبرى في العالم أجمع.
ووفقاً لأدبيات السياسة الأمريكية، فإن استخدام لفظ «مبدأ» على آراء الرئيس الأمريكي لا تحدث مع أي رئيس، ولا تطلق على عواهنها، كما أنه تعنى أن ما قاله الرئيس في هذا «المبدأ» سيكون هو السياسة القادمة لأمريكا في السنوات المقبلة، فقد أدلى أوباما بحديث شامل فائق الأهمية في السياسة الخارجية، أسمته الصحيفة “مبدأ أوباما”، على غرار “مبدأ مونرو” و”مبدأ ترومان” و”مبدأ أيزنهاور”، الرؤساء الأمريكان يرحلون ولكن مبادئهم المعلنة بالسياسة الخارجية تبقى، إلا إذا انكسرت على أرض الواقع، كما تحطم مبدأ أيزنهاور في سوريا 1957.
المصالحة والتعايش رسالة أمريكا للمنطقة
الرئيس الأمريكي باراك أوباما في مقابلته المطولة مع مجلة “اتلانتيك” قال “ان الحروب والفوضى في الشرق الاوسط لن تنته حتى تتمكن السعودية وايران التعايش معا والتوصل الى سلام بارد”، واتهم اوباما دولا “جانحة” من حلفاء امريكا بمحاولة جر بلاده الى حروب طائفية طاحنة لا مصلحة لها فيها، واكد ان بلاده لن تنجر الى هذه الحروب، ولن تتدخل عسكريا في المنطقة التي لم تعد تصدر النفط فقط، وانما الارهاب ايضا، وقال ان بلاده ستنسحب منها وتركز على آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية حيث المستقبل.
أعلن أوباما إذن أن بلاده ستنفض يدها عن صراعات الشرق الأوسط، وستتجه صوب آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وطالب دول المنطقة (وبالأخص إيران والسعودية) بالتعايش والتوصل إلى سلام بارد.
يمكن القول ان حلفاء واشنطن القدامى في الشرق الاوسط وشمال افريقيا ربما يواجهون مرحلة من التجاهل، وربما التيتم بعد القرار الامريكي بعدم خوض حروب من اجل الدفاع عنهم، وتركهم وحدهم، وقد يجادل البعض بان اوباما، واضع هذه السياسة، سيختفي من المسرح السياسي بعد اقل من عام، وان الادارة الامريكية المقبلة قد تقلبها رأسا على عقب، وهذا الجدل ينطوي جزئيا على بعض الصحة، ولكن الرهان على الجمهوريين وفوزهم ليس مضموناً اولا، والادارات تستمع الى وصايا ونصائح ما قبلها ثانيا، وتعمل بها او معظمها، ولا نعتقد ان استراتيجية امريكا الخارجية الجديدة ستتغير، فلرئيس الامريكي ليس من وضع خطوطها العريضة، وانما “المؤسسة” الامريكية الحاكمة التي لا تتغير مع تغير الرؤساء.
مصر من مبدأ أوباما
وفقا للفظ «مبدأ» فإن أمريكا مستقبلا ستتخذ من المصالحة والتعايش منهجا للتعامل مع أزمات المنطقة، وإذا كانت قد دعت الدولتين المتخاصمتين إيران والسعودية إلى التصالح، فإن هذا يعني أن دولا مثل مصر، ستدخل بالتبعية في المنهج التصالحي.
إذا حاولنا استقراء حوار أوباما، وما قاله عن الرئيس السيسي، ضمن حديثه عن رؤساء وقادة العالم، سنجد ان الرئيس الأمريكي وصف السيسي بأنه لا يختلف عن المخلوع مبارك، بل وصفه بأنه أقل ذكاء وأكثر وحشية، كما نعت السيسي بـ«الجنرال الخائف» الذي يسير على خطى مبارك في القمع، والأخطر أنه وصف السيسي بالسير على نهج مبارك حتى في العمالة لأمريكا!

إذن، أوباما أو بالأحرى سياسة أمريكا مستقبلا عن مصر، ستراعي أن مصر تقبع تحت حكم ديكتاتوري قمعي، وإذا ربطنا ما قاله أوباما بالحملة التي تشنها دول أوروبا والولايات المتحدة بعد تزايد انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، سنخرج ينتيجة واحدة هي: أمريكا قررت ترك مصر ضمن خطتها العامة في المنطقة، إلا أنها ستحاول ترميم الأوضاع الموجودة عبر نهج تصالحي، تطلبه من الدول الفاعلة بالمنطقة (إيران والسعودية) وتفرضه على الدول التابعة لها وعلى رأسها مصر.
ربما ما يعطي مصر أهمية تجبر أمريكا على حل الصراع الدائر بين السلطة والمعارضة، هو الخوف من تحويل مصر إلى ليبيا أو سوريا جديدة، وتتحول الدولة إلى ملاذ جديد للتنظيمات الجهادية، وعلى رأسها تنظيم الدولة الإسلامية الذي يلاقي رواجا شعبيا بين كثير من أبناء التيار الإسلامي الأكثر تعرضا للقمع والظلم من نظام السيسي.
خطورة مثل هذا التطور تكمن في وجود مصر على حدود الأراضي المحتلة، ما قد يمثل خطرا على أمن العدو الصهيوني، وإذا كانت أمريكا ستنفض يدها عن المنقطة، فهذا لا يعني بالقطع أنها ستترك العدو الصهيوني بمفرده، أو أنها ستتخلى عن حماية امن الصهاينة وحماية المصالح الأمريكية بالمنطقة.
قد يقول البعض أن التنظيمات الجهادية لن تحاول أن تهاجم العدو الصهيوني، وسيتفرغوا فقط لمواجهة قوات الأمن المصري وبالأخص قوات الجيش المصري كما يحدث بشكل يومي قفي سيناء، وهم ربما يكونوا محقين في ذلك.. وهنا تكمن الخطورة.
كل التصريحات التي أدلى بها المسئولون الصهاينة والأمريكان تؤكد أن الجيش المصري هو أفضل من حمى أمن العدو الصهيوني والمصالح الأمريكية، وهو ما ذكرته صراحة دراسة لمركز البحث الأمريكي الأخطر «CSIC» في مارس 2013، أي قبل 3 أشهر من أحداث 30 يونيو.
ستحاول أمريكا أن ترأب الصدع الموجود في مصر، خوفا من تفكيك الجيش المصري، ومن ثم ضياع الحصن الأمين للعدو الصهيوني، وهي بالقطع لن تخاطر بمثل هذه النقطة، ولن تنتظر حدوث مثل هذه الكارثة، لاسيما أنها تحاول أن «تخلع» من المنطقة.
امريكا، باختصار شديد، تعبت من حلفائها العرب وحروبهم، وباتت تبحث عن مصالحها في اماكن اخرى “اقل صداعا”، مثل افريقيا وجنوب شرق آسيا، ولعل ادارة الظهر هذه تكون نقطة تحول رئيسية تصب في مصلحة شعوب المنطقة، من حيث الاعتماد على نفسها، وتطوير انظمة حكم رشيدة، وولادة نظام امني وسياسي واقتصادي عربي جديد يعود الى اولوياته الوطنية، ويعدّل بوصلته نحو الاعداء الحقيقيين.
سعد الدين إبراهيم.. رسول المصالحة
ذكرنا في تقارير سابقة أن الدكتور سعد الدين إبراهيم، رئيس مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، هو أخطر من يتحدث في مصر، لاسيما حين يتعلق الأمر بنظام الحكم.
في مطلع الشهر الجاري، دعا إبراهيم للتصالح بين جماعة الإخوان المسلمين والدولة مقابل شروط وهي خروج كافة المعتقلين من السجون وعلي رأسهم محمد مرسي، ومحمد بديع، وعودتهم للعمل العام مقابل تقديم إعتذار للشعب المصري علي ما بدر منه، ودعا الرئيس السيسي للإستفتاء علي هذه المصالحة، وطلب من مجلس البرلمان التوسط لعرض هذه المصالحة والموافقة عليها.
في حوار مع إحدى الصحف، كشف إبراهيم أنه التقى الإخوان في تركيا وعرض عليهم المبادرة، قائلا: «لقاءاتي بعدد من قيادات وأعضاء جماعة الإخوان فى تركيا، كان على هامش زيارتى لإلقاء محاضرة بإحدى الجامعات هناك، واستضافنى أيمن نور فى منزله على العشاء مرتين، التقيت فى إحداهما مع محمود حسين وقيادات الصفين الثانى والثالث بالإخوان، فضلاً عن منصف المرزوقى، رئيس تونس السابق.
وانقسمت الجماعة إلى مجموعتين، الأولى مع عواجيز الجماعة، وعلى رأسهم الأمين العام للجماعة محمود حسين، ونواب سابقون بمجلس النواب تابعون للجماعة، وهؤلاء كانوا أكثر قابلية للمصالحة مع النظام الحالى، فى إطار تفاهمات منها الإفراج عن السجناء والسماح لهم بممارسة العمل العام الشرعى كله.
كذلك التقيت بشباب الجماعة وهناك جزء منهم مع العواجيز، أما صقور الشباب فيريدون الانتقام من «المجلس العسكرى»، ويريدون إرجاع الدكتور محمد مرسى إلى رأس الحكم، وهذا الحد الأقصى لمطالبهم، فهم أكثر تشدداً فيما يتعلق بالمصالحة مع النظام الحالى، ورأسه الممثل فى الرئيس عبدالفتاح السيسى».
الرحيل.. الخيار الآخر للسيسي
ما أن أطلق سعد الدين إبراهيم مبادرته للمصالحة، حتى انهالت عليه اتهامات العمالة والخيانة وبيع الوطن، من قبل نخب السيسي وبرلمانه وإعلامه، وهو امر توقعه إبراهيم جيدا، لذلك كان معه ورقة لعب أخرى، وربما تكون هي الكارت الرابح الذي سيجبر الجميع على الانصياع.
سعد الدين إبراهيم وكأنه يعلم تماما الحرب التي ستواجهه، فقرر أن يقول للنظام أن الإدارة الأمريكية -التي يرتبط بها إبراهيم ارتباطا وثيقا سبق وأثبتناه- تريد إنهاء الأزمة في مصر عبر نهج التصالح كما ستحاول أن تفعل في المنطقة بأسرها.
وإذا رفض السيسي المصالحة، فإن البديل الآخر هو الرحيل، حيث انضم سعد الدين إبراهيم لمعسكر الداعين لاجراء انتخابات رئاسية مبكرة.
دعوات الانتخابات الرئاسية المبكرة المتزايدة والضغوط الغربية على السيسي في ملف حقوق الإنسان، وتصريحات جون كيري وزير خارجية أمريكا، وبيان البرلمان الأوروبي، والأهم «مبدأ أوباما».. كل ذلك وضع السيسي أمام خيارين لا ثالث لهما.. المصالحة.. أو الرحيل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق