أغلب النقاش الذي صادفته على وسائل التواصل الاجتماعي العربية حول الهجوم الإرهابي في موسكو ركز على مسألتين: علاقة أوكرانيا بما حصل وعلاقة الولايات المتحدة بالتحضر للهجوم.
اعتقد أنه من الضروري والمفيد جداً تحليل هجوم موسكو بشكل موضوعي فهذا التحليل يمكن أن يسلط الضوء على عدة نقاط مهمة. فيما يلي بعضها:
أولاً: حرص القيادة الروسية على إظهار دور لأوكرانيا فيما حصله – أقله عبر كونها الوجهة النهائية لهروب المنفذين – هو محاولة للفت النظر بعيداً عن السؤال الأكثر أهمية وهو حجم التهديد الإرهابي الإسلامي في داخل الاتحاد الروسي، وفي محيطه المباشر، للكرملين ومدى قدرة الأخير على التعامل معه.
فلم يطرح السؤال المهم حول كيفية تمكن المهاجمين من دخول روسيا وقطع أكثر من 3,000 كيلومتر (من طاجيكستان) وصولاً لقلب العاصمة موسكو علماً أن أياً من المهاجمين – بحسب ما يبدو – لا يتحدث الروسية. فكيف تمكن هؤلاء من قطع هذه المسافة، مع سلاحهم وذخيرتهم، بأمان وبدون عراقيل؟
في الصيف الماضي أظهرت قوات «فاغنر» أن الطريق لموسكو سالك من جهة الجنوب الغربي ويمكن لأي قوة مسلحة، بدون غطاء جوي، قطع مئات الكيلومترات خلال ساعات. فهل الطريق لموسكو من الشرق أو الجنوب الشرقي هو مفتوح بدون عوائق؟
ثانياً: بحسب ما يبدو، احتاجت القوات الخاصة الروسية لحوالي 45 دقيقة للوصول للمسرح الذي تعرض للهجوم. كل مقاطع الفيديو تظهر أن المهاجمين كانوا يتحركون بهدوء وبدون عجلة ويأخذون وقتهم في قنص أهدافهم وملاحقتهم في أرجاء المسرح قبل أن يشعلوا النار فيه، ويغادروا.
علماً أن عدد المهاجمين صغير جداً قياساً بحجم الهدف وحجم الخسائر التي حققوها. وظهر أيضاً أنه لم يحصل أي اشتباك في المسرح نفسه أو محيطه. لاحظوا الدور المحوري للقوات الخاصة الشيشانية في ملاحقة المهاجمين والقبض عليهم.
هذا يذكر بدور القوات الشيشانية في التحرك لصد هجوم مقاتلي «فاغنر». هذا يعني أن أمن موسكو لا يزال هشاً بعد قرابة 9 أشهر على هجوم قوات «فاغنر». فهل سيبقى الطريق لموسكو مفتوحاً لمرة ثالثة مستقبلاً؟
ثالثاً: هل المسلمون مع الكرملين أم ضده؟ وهل يمثل رمضان قاديروف فعلاً أغلب المسلمين في الاتحاد الروسي أم يمثل قلة متضائلة؟ العلاقة بين الكرملين والمسلمين في الاتحاد الروسي هي أحد أكثر الأسئلة إلحاحاً لمن سيجلس في الكرملين في السنوات المقبلة.
العرق الروسي في انكماش ومعدلات الزيادة السكانية الأسرع هي لدى الأقلية المسلمة. التناغم بين الكرملين وهذه الأقلية سيتراجع مع ضعف الكرملين الاقتصادي والسياسي والعسكري ومع تركيزه على الهوية السلافية-الأرثوذكسية وعلى الصراع مع الغرب الأوروبي.
رابعاً: هل الوضع الأمني في دول آسيا الوسطى الخمس – كازاخستان وطاجيكستان وقرغيزستان وتركمانستان وأوزبكستان – مستقر أم يمكن أن ينفجر في وجه موسكو؟
يجب التذكير هنا بأن روسيا عززت وجودها العسكري والأمني في طاجيكستان، في أواخر 2021، في أعقاب سيطرة طالبان على الحكم في أفغانستان. ولكن القوات الخاصة الروسية التي نشرت هناك سحب أغلبها في سبتمبر/أيلول 2022 وانتقلت للقتال في أوكرانيا.
الآن إلى أين ستتجه دول وسط آسيا المسلمة الخمس لتعويض الغياب الروسي؟ لتركيا؟ للصين؟ للولايات المتحدة؟ حرب أذربيجان وأرمينيا في أكتوبر/تشرين الأول 2020، وجولاتها التالية، أظهرت لهذه الدول تراجع قدرة روسيا السياسية والعسكرية على التدخل في خواصرها الرخوة. والهجوم الإرهابي في موسكو هو تذكير ثاني مهم لهذه الدول.
خامساً: الولايات المتحدة حذرت في 7 مارس/آذار من احتمال حصول هجوم إرهابي في موسكو. وبعيد الهجوم، أعلنت مصادر أميركية أنها كانت تمتلك معلومات حول تحضيرات تنظيم «ولاية خراسان» في أفغانستان لتنفيذ هجوم إرهابي في روسيا.
هذه هي المرة الثانية هذا العام التي تكشف فيها الولايات المتحدة أنها تمتلك معلومات مسبقة حول الخطط الإرهابية لهذا التنظيم. في شهر يناير/كانون الثاني، زعمت مصادر أميركية أنها حذرت إيران من وجود تحضيرات لهجوم إرهابي والذي ظهر لاحقاً أنه الهجوم على ضريح قاسم سليماني.
الرواية الأميركية الآن حول امتلاكها معلومات حول تحضيرات الهجوم في روسيا تدعم مصداقية سرديتها السابقة حول امتلاكها معلومات مسبقة حول الهجوم في إيران. ولكن ماذا يعني هذا؟
يعني أن الولايات المتحدة تمتلك داخل أفغانستان مصادر معلومات لا تمتلكها دول الجوار المباشر – أي إيران – أو غير المباشر – أي روسيا. هذه النقطة جوهرية وتفند التقديرات التي تزعم بأن الولايات المتحدة قد تحتاج للحوار حول الملف الأفغاني مع إيران أو روسيا – أو حتى باكستان أو الصين.
يجب أن اشير هنا إلى أن كشف الولايات المتحدة علناً علمها بتحضيرات هذا الهجوم الإرهابي يعني أنها لا تخشى خسارة أو انكشاف مصادر معلوماتها، وهذا يعني أنها لا تعتمد على مصادر بشرية داخل التنظيم.
فهل تمتلك مصدراً آخر – أو طريقةً أخرى – للحصول على المعلومات؟ وماذا يعني هذا التفصيل بالنسبة للأنظمة التي طالما راهنت على اختراقاتها البشرية للتنظيمات الإرهابية ستدفع الدول الغربية للتعاون معها أمنياً للحصول على هذه المعلومات الثمينة؟
هذا سؤال مهم لمن لا يزال يعيش في عصور التعذيب والوشاية فيما غيره يستخدم الذكاء الصناعي والأنظمة الذاتية القيادة وغيرها من التقنيات التي لا تنام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق