حصلت «الوطن» على صور ومستندات تؤكد السماح لمئات السائحين بدخول الهرم الأكبر، والتعبد به، وإشعال الشموع، وحتى خلع ملابسهم بداخله، بالمخالفة للوائح المنظمة لزيارة أحد أهم آثار العالم، والمفاجأة أن ذلك تم برعاية وزارة الآثار، حيث يرى الدكتور ممدوح الدماطى، وزير الآثار، أن الأمر لا يتعدى كونه «محاولة للاستشفاء باليوجا».
البداية كانت عبر بث إعلان على أحد المواقع السياحية العالمية لشركة تدعى «المسارات الأثرية»، الذى روج لرحلات شهرية للسائحين الأمريكان بصحبة علماء آثار مصريين، ويحوى الفيلم الإعلانى لقطات من رحلات سابقة تُقام بمعدل ثلاث رحلات شهرياً نظير 6 آلاف دولار للفرد، كما يؤكد تفردها بالدخول لهرم خوفو عبر مدخل خاص غير مسموح الدخول منه للهرم، مروراً بزيارة لمخالب أبوالهول، المغلقة عادة، ولا يقوم السائح برؤيتها إلا من مسافة بعيدة عبر شرفة، وكذلك زيارة مدينة العمال المغلقة بسبب عدم انتهاء أعمال الحفريات بها، مؤكداً أن هذا الموقف يتم بتصريح مميز منحته وزارة الآثار للشركة فى غير مواعيد العمل الرسمية، لافتين إلى أن حراس المنطقة الأثرية سيفتحون غرفتين مغلقتين أولاهما غرفة الملكة، والغرفة الأخرى تحت الأرض.
محررة «الوطن» دخلت للمنطقة الأثرية فى توقيت إحدى الرحلات للتأكد من صحة ما جاء بالإعلان، لكن لم يسمح بالدخول لعدم الحصول على تصريح بالزيارة من المجلس الأعلى للآثار، وهو التصريح الذى يمنح عقب تعهد الشركات السياحية بالالتزام باللوائح والقوانين المتمثلة فى عدم إقامة أى شعائر دينية أو طقوس، والالتزام بالحفاظ على الأثر، وعدم إشعال أى شموع، مع دفع 5 آلاف جنيه للمجموعة المكونة من 50 فرداً تزيد بزيادة أعدادها.
وعقب عدم السماح بالدخول مع الرحلة، توجهت محررة «الوطن» إلى أسطح إحدى البنايات المواجهة لـ«أبوالهول»، حيث بدأت الطقوس التعبدية لهم من دورات حول «أبوالهول» مع دورانهم حوله عقب ارتداء أزياء موحدة، ثم الوقوف لدقائق أمام التمثال مع رفع أيديهم، وانتهت الطقوس بجلوسهم بين مخلبى التمثال فى وضع «القرفصاء».
انتظرت المحررة حتى قدوم المواعيد الرسمية المسموح فيها بزيارة المنطقة الأثرية لتحصل على تذكرة رسمية للدخول، وأثناء دخولها، وعلى الرغم من وجود لافتة مكتوب عليها «ممنوع التصوير» ترك القائمون على المدخل الرئيسى للهرم الأكبر المصريين والأجانب بالدخول إليه بهواتفهم المحمولة ومعدات التصوير، لنتابع سير الرحلة لنصل لغرفة الملك شبه الفارغة إلا من تابوت جرانيتى يعتقد أتباع الماسونية أن النوم بداخله يعطى نوعاً من الطاقة لممارسة عبادتهم، ويعطى الفرد فرصة الاتصال بروحه فى العالم الآخر.
ومع دخول المحررة مع رحلة لطلبة مصريين، رصدنا ارتباك المشرف الأثرى الوحيد الموجود داخل «غرفة الملك»، لنرصد سائحتين تجلسان فى وضع التأمل «اليوجا»، لنفاجأ بعدها بطرد المشرف للموجودين بالغرفة بحجة أن وجود عدد كبير من الزوار يقلل من الأكسجين فى ظل تعطل أجهزة التهوية، وبعد دفع المحررة لـ«20 جنيهاً» فقط تمكنت من النوم داخل التابوت، والدوران حوله، وتصوير الغرفة كاملة، فيما اكتشفت المحررة أن كاميرات المراقبة الأربع المثبتة داخل وخارج الغرفة «معطلة بفعل فاعل»، ومع دخول سائح جديد طالبنا المشرف بالرحيل وعاود الكرَّة معه.
أحمد على، مرشد سياحى رافق عدداً من تلك الرحلات، يؤكد، لـ«الوطن»، أن التعبد داخل الأهرامات أحد طقوس الماسونية، مؤكداً أن من يعتقدون فيها يقومون بعملية «الاتصال الروحى» اعتقاداً منهم بأن أرواحهم كانت فى مركز الأرض تحت الأهرامات، مشيراً إلى أن طقوسهم تبدأ فور الوصول إلى الهرم عبر تشكيل حلقات حول أبوالهول مع تمسحهم بأقدامه لاعتقادهم بوجود ملفات قارة أطلنتس الضائعة أسفل أقدام أبوالهول بعد طوفان نوح، وهى تحتوى خلاصة المعرفة البشرية، حسب زعمهم.
أضاف «على» أن متبعى الماسونية يرتدون ملابس بيضاء فضفاضة ثم يرددون عبارات غامضة لفترات طويلة، ومع شروق الشمس يدخلون للهرم فى خطوات منظمة مرددين نفس العبارات، وفور دخولهم للهرم يبدأون فى إشعال الشموع حول التابوت وخلع جزء من الملابس لتحرير الروح والسماح بعملية الاتصال الروحى دون معوقات.
وخلال هذه الجلسة يتبادلون النوم داخل تابوت الملك خوفو على ظهورهم، ويضعون ذراعيهم على صدورهم، وهذه هى وضعية أوزوريس الشهير فى الأساطير الفرعونية، حسب قول «على».
فى سياق متصل، حصلت «الوطن» على مستندات تؤكد احتراف 3 شركات سياحية فى تفويج الوفود قبل مواعيد العمل الرسمية من السادسة إلى الثامنة صباحاً، ومع غروب الشمس، حيث كشف محضر حرره مفتشو آثار مصاحبون لإحدى الرحلات الخاصة، التى حصلت على إذن بزيارة خاصة، تفاصيل ما تقوم به تلك الجماعات، فطبقاً للمحضر الذى حمل رقم 2 أحوال شرطة السياحة والآثار والذى حول إلى قسم شرطة الأهرام تحت رقم 13613 إدارة الهرم لسنة 2014 قام «فريد فايد»، مندوب شركة أبوسمبل للسياحة، فى 26 من سبتمبر الماضى وسيدة أجنبية تقود المجموعة التى صدر تصريح بزيارة خاصة بمنع مفتشى الآثار من الدخول بصحبة الزيارة إلى داخل الهرم دون إبداء أسباب، وأمام إصرار المفتشين على الدخول التزاماً باللوائح فوجئ المفتشون بالمرشد السياحى يقول لهم: «مينفعش تدخلوا الهرم معاهم هما عايزين يخلعوا هدومهم ومكسوفين منكم».
لم ينتهِ الأمر عند هذا الحد فبعد أقل من شهر من تلك الواقعة كشفت زيارة مفاجئة للرقابة الإدارية عن قيام مجموعة سياحية بالتعبد والقيام بطقوس ماسونية داخل الهرم مستخدمين كاميرات ومواد قابلة للاشتعال بالمخالفة للوائح وتمت مصادرة كل ذلك ورفع تقرير لوزير الآثار للمطالبة بسحب تراخيص شركة السياحة المنظمة لتلك الرحلات وهو ما لم يتم حتى الآن ليس ذلك فقط فبحسب المستندات تم وضع نظام تأمين بالكاميرا عالية التقنية فى 2011 بمنطقة هضبة الهرم بتكلفة 30 مليون جنيه دفعتها وزارة الآثار مقدماً للشركة القائمة على تركيب النظام التأمينى وبعد عام واحد اكتشف المهندس طارق رضوان، مدير الإدارة الهندسية، أن الكاميرات تعانى من قصور مخالف أيضاً للحقيقة وذلك لعدم مطابقة الكاميرات للمواصفات بثبوت عدم قدرتها على الرؤية الليلية.
اللافت أن وزير الآثار وأمام اعتراض 9 من مفتشى الآثار على ما يحدث من ممارسات مخالفة داخل الهرم ورفعهم عدداً من المذكرات تطالب الوزير بوقفة حاسمة لوقف ما يحدث من مخالفات لم يتخذ أى خطوة عملية إلا بإصدار قرار بنقل المفتشين التسعة بدعوى وجود مخالفات عليهم بالرغم من أن السجل الوظيفى للمفتشين لم يحوِ أى مخالفات.
وحتى تكتمل الحلقة تجاهل «الدماطى» المذكرات التى تقدم بها المدير السابق لمنطقة الهرم الأثرية، عزت الجندى، التى تقدم بها للوزير ولرئيس المجلس الأعلى للآثار، الدكتور مصطفى الأمين، ديسمبر الماضى، مع تزايد الرحلات الخاصة فى غير مواعيد العمل الرسمية، التى طالبه فيها بمنع الزيارات الخاصة داخل الهرم الأكبر.
وقال «الجندى»، لـ«الوطن»: تقدمت بأكثر من شكوى لوقف المهازل التى تحدث بالهرم والتى تتم رغماً عنا، حيث إن الزيارات الخاصة للهرم تتم فى غير مواعيد العمل الرسمية وبتصريح من المجلس الأعلى للآثار يوقع عليه الأمين العام والوزير ولا سلطة لى كمدير للمنطقة بوقفها.
فيما قال يوسف خليفة، رئيس قطاع الآثار المصرية: «على جثتى أن تكون هناك ممارسات ماسونية بمنطقة الهرم، أما أن تأتى إلى سائحة ترغب بالتبرك بالهرم وتظن أن نومها فى التابوت سيتيح لها الحمل فما المانع؟!».
فيما كشف اللواء محمد الشيخة، رئيس قطاع المشروعات، أن كاميرات المراقبة، التى تكلفت 30 مليون جنيه، معطلة نتيجة لسرقة كابل رئيسى مغزًّ لها، مشيراً إلى أنه يجرى حالياً تركيب نظام جديد بقرض من الجانب الإسبانى.
فيما نفى وزير الآثار، الدكتور ممدوح الدماطى، تعطل الكاميرات، مؤكداً أنها تعمل بشكل جيد، وقال تعقيباً على السماح لجماعات ماسونية باتخاذ الهرم مقراً لإقامة طقوس تعبدية: «ما فيهاش حاجة»، مشيراً إلى أنه استشار مستشاريه فأكدوا له أن الأمر لا يخالف القانون ولا يتعدى كونه ممارسة اليوجا والتأمل الروحى، رافضاً التعقيب على ما رصدناه من وجود مخالفات تتعدى اليوجا، حيث يقومون بخلع ملابسهم وإقامة طقوس تخالف اللوائح والقوانين، مؤكداً أن من يقول ذلك لم يزر الهرم مؤخراً ويشهد أعمال التطوير به، مشيراً إلى أن المخالفات تتم خلسة ودون موافقة قانونية.
وحول تعيينه مدير منطقة الجيزة بالرغم من وجود مخالفات عليه، قال «الدماطى» إن مدير منطقة الجيزة ليس من القيادات ومنصبه إدارى بحت.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق