أحدث الموضوعات
recent

"رابعة الصعيد" و"زفتى العصر الحديث" | "دلجا".. قصة صمود أبهرت العالم وأجبرت الانقلابيين على السعى للمصالحة


<< القرية انتفضت للدفاع عن الشرعية وفض الاعتصامات بالقوة.. ومسيرة الحمير أحدث وسائل رفض الانقلاب
<< مسيحى أطلق النار على احدى المسيرات.. وخطباء المساجد طالبوا بحماية الكنائس
<< اهالى القرية: فلول نظام مبارك والاعلام سبب الفتنة.. ودعمنا للشرعية لن ينقطع
<< قيادى ناصرى بالقرية: مؤيدو مرسى ذبحوا مسيحى وعلى الجيش اقتحام القرية
<< و"الشعب" تكشف: قصة الذبح سببها حادثة ثأر بين عائلتين مسيحيتين من 40 عاما
<< مدير مدرسة دلجا الاعدادية: الشعب عرف حقيقة قنوات الاعلام ولم يعد يستمع
<< د.حسن كحيل: المصالحة قائمة على نبذ العنف وحماية النصارى والكنائس


"دلجا".. أو "جلده" كما ينطقها بعض اهلها.. هى احدى قرى مركز ديرمواس بمحافظة المنيا، تبعد عن المركز حوالى 20 كيلومتر غربا، ويبلغ تعداد سكانها أكثر من 150 الف نسمة، وهى أحد أشهر القرى التجارية واكبرها على مستوى الجمهورية على الاطلاق.
كانت قرية دلجا محورا هاما للحديث عبر شاشات وصفحات الجرائد المصرية والعالمية على حد السواء، وتباينت طرق تناول وسائل الاعلام لما يجرى على أرض القرية، بين تشهير وتشويه من قبل اعلام الانقلاب، وبين استفسار وتساؤل بين بعض وسائل الاعلام العربية والعالمية حول ما يجرى على أرض تلك القرية.. "الشعب" قررت أن تستقى معلوماتها عن القرية من قلب الحدث.. من داخل القرية نفسها، وتعرفت على ما حدث بالقرية على لسان اهلها.
فى البداية.. تلقى "الشعب" الضوء على القرية الكبيرة التى كادت ان تصبح مركزا مستقلا لولا بعدها النسبى غربا، وهى القرية المشهورة بكونها مركزا تجاريا كبيرا لا تتوقف فيه الحركة ليلا او نهارا، كما تشتهر ايضا باخلاصها وعشقها للدين وحرصها عليه، اذ لاتزال الكتاتيب موجودة فى القرية، وان كانت قد استبدلت بمدارس لتحفيظ القرآن الكريم، كما تنتشر فيها المساجد والزوايا بشكل مكثف، ومن المعروف عن أهلها تدينهم الوسطى دون مغالاة او تطرف، ورغم ان حقبة التسعينات كانت حقبة دموية فى الصعيد بما فى ذلك بعض القرى المجاورة لقرية دلجا، نتيجة للصراع وقتها بين وزارة الداخلية والجماعات الاسلامية قبل اعلانها ترك السلاح وقيامها بالمراجعات الفكرية، الا ان قرية دلجا كانت ارضا طيبة لجوهر الاسلام الوسطى، ولم تشهد طوال تلك الفترة اية مناوشات بين اى من سكان القرية ووزارة الداخلية.
وقدمت قرية دلجا رجال دين كثر معروف عنهم التقوى والورع فى ربوع المنطقة الممتدة من مركز ملوى مرورا بمحافظة المنيا بمركز ديرمواس وصولا الى مركزى ديروط والقوصية بمحافظة أسيوط، كما قدمت العديد من أساتذة الجامعات الأفاضل امثال الدكتور جمال ابو المكارم رئيس جامعة المنيا الاسبق، والدكتور عبدالوهاب كحيل مؤسس قسم الاعلام بجامعة المنيا، وغيرهم الكثير من اهل العلم والتقوى ممن لا يتسع المجال لذكرهم.
اذن هذه عينة من اهل دلجا التى اتهمها اعلام الانقلاب بالارهاب والتطرف مطالبين سيدهم وولى نعمتهم الانقلابى عبدالفتاح السيسى والقاتل صدقى صبحى والمجرم محمد ابراهيم بدك القرية دكا وقتل اهلها على غرار المجزرة التى ارتكبها فى رابعة العدوية والنهضة وغيرهما من الميادين!!
الازمة.. كيف بدأت؟
بعد اعلان عبدالفتاح السيسى انقلابه على رئيسه الشرعى المنتخب الدكتور محمد مرسى، انتفضت الملايين فى شوارع وقرى وميادين مصر للحفاظ عن مكتسب الثورة الوحيد وهو انتخاب اول رئيس مدنى فى تاريخ مصر قديما وحديثا، ورفضا للانقلاب العسكرى الذى لن يقدم لمصر سوى الخراب والدمار.. وكانت دلجا فى المقدمة من المنتفضين فى صعيد مصر.
ولم يكتف اهل دلجا بتنظيم المسيرات سواء فى القرية او مركز ديرمواس او محافظة المنيا فقط، بل أعلن اهلها الرباط فى رابعة العدوية ميدان العزة والكرامة والصمود، وتوجه بعض شباب القرية الى الميدان لاعلان موقف القرية وابنائها مما فعله السيسى وبعض الخونة من حوله امثال الطيب بابا الازهر وتواضروس بابا النصارى.
وفى يوم 14 أغسطس الماضى، كانت الفاجعة الكبرى الى أذهلت العالم اجمع، اذ قامت قوات المجرم محمد ابراهيم وباوامر من الانقلابيين الخائنين صدقى صبحى  وعبدالفتاح السيسى، بفض اعتصامى رابعة العدوية ونهضة مصر بالقوة، ما اسفر عن استشهاد اكثر من 4000 من المعتصمين السلميين، واصابة اكثر من 10 آلاف أخرين واعتقال أكثر من 10 الاف ايضا، لتخرج مصر كلها الى الشوارع بعد ان استفزها منظر الدماء وأيقنت حقيقة الانقلاب العسكرى وما يحمله لها من خراب وقتل ودمار.. وبالقطع كانت دلجا فى الطليعة مرة اخرى خاصو ان الانباء تواردت عن استشهاد ابنائها المرابطين فى الميدان.
وخرج اهالى القرية فى مسيرة مهيبة تنديدا بفض الاعتصام وقتل الاف من المصريين على ايدى قوات الانقلابيين، وتوجهت اعداد اخرى الى مركز ديرمواس للمشاركة فى مسيرة حاشدة بالمركز.. وهنا بدات الأزمة
فقد تعرضت مسيرة القرية الى اطلاق نار من قبل احد نصارى القرية ويدعى نادى، ما اسفر عن اصابة 3 أشخاص من المتظاهرين مات احدهم لاحقا بالمستشفى، كما تعرضت بعض متظاهرى القرية الى اطلاق الرصاص الحى من قبل قناصة الشرطة الذين اعتلوا مركز شرطة ديرمواس ومبنى مجلس المدينة، ما نتج عنه استشهاد بعضهم واصابة البعض الاخر.
وكانت تلك الحادثة القشة التى قمت ظهر البعير، اذ انها اشعلت ازمة لم يكن لها وجود، ونزعت فتيل قنبلة صراع القرية لم تعرفه من قبل، اذ ان اهل القرية  المعروف عنهم تدينهم ووسطيتهم، وجدوا انفسهم فجاة امام اعتداء الشرطة على شبابها فى رابعة وديرمواس وبين تعرض بعض النصارى لمسيراتهم السلمية، فأوغر ذلك قلوب الشباب المتحمس الذى كانت الدماء تغلى فى عروقه بعد ان رأى الدماء تراق فى رابعة والنهضة والاعلام لا يكل عن استباحة دماء كل من يتعاطف مع اهل رابعة والنهضة، فانطلق بعض الشباب الغاضب وحاصر مقر مركز شرطة ديرمواس ومبنى مجلس المدينة، فقام قناصة الشرطة باطلاق النار على الاهالى فما كان منهم الا ان بادلوهم الرصاص بالرصاص، فهرب مأمور القسم وضباطه وتركوا مركز الشرطة ليقوم الاهالى الحانقين باشعال النار فى المركز ومقر المحكمة الابتدائية ومبنى مجلس المدينة، فى حين قام بعض البلطجية باقتحام المركز ومجلس المدينة وسرقة محتوياتهم، وكذلك هاجموا محلات اغنياء النصارى بعد ان تكررت اعتداءاتهم على المسيرات السلمية مرة اخرى فى ديرمواس بعد دلجا.
وفى دلجا، قام بعض الحانقين من تصرف بعض النصارى المستفز باطلاق النار على المسيرات السلمية، بمحاصرة اولئك الذين اطلقوا النار عليهم، فى حين قام بعض البلطجية باحراق بعض الكنائس والاستراحات التابعة لها، وهو ما اعترف به راعى كنيسة مارى جرجس القس يوسف ايوب فى تصريح له مع احدى قنوات الانقلاب.
وفى اليوم التالى الذى تصادف انه كان يوم جمعة، دعا جميع الخطباء فى كافة مساجد دلجا، المسلمين الى عدم التعرض لأهل القرية من النصارى وطالبوهم بالدفاع عن كنائس القرية وممتلكات اهلها من النصارى، مؤكدين لهم حرمة التعدى على اهل الكتاب، ودعوا كل من سولت له نفسه بالتعدى على النصارى باعادة ما اخذه منهم، وكانت المفاجاة انه عقب الخروج من صلاة الجمعة وجد نصارى القرية ان مسلمى القرية قد بدأوا فى مساعدتهم فى استعادة ما فقد منهم.
الاعلام.. رأس الفتنة
ورغم هذا الموقف المشرف والبطولى، فؤجئ اهل القرية بالاعلام المصرى يشن عليهم حملة تشهير وتشويه لا مثيل لها، ورددوا اكاذيب لم يعرف عنها اهل القرية شيئا ولم يسمعوها الا فى تلك القنوات الانقلابية، وادعى بعض منافقى السيسى علمهم بالقرية واهلها ووصفهم بانهم مرتع الارهاب فى الصعيد وانبرى سحرة فرعون فى تحريض المجرمين صدقى صبحى وعبدالفتاح السيسى ومحمد ابراهيم لاقتحام القرية وقتل اهلها بحجة وصولهم استغاثات من نصارى القرية الذين ياعنون من الاضطهاد والحصار والقتل على ايدى مؤيدى الرئيس مرسى، رغم ان مسيرات القرية لم تتعرض مطلقا لمنازل النصارى، ورغم ان القرية معروف عنها خلوها من التحزب والانتماءات السياسية، وانما فقط حرصها على الثورة ومكتسبها الوحيد وهو وجود رئيس شرعى مدنى منتخب.
ولم يتوانى اعلاميو الفتنة عن تأليب مشاعر الجيش والشرطة ضد اهالى القرية فى مشهد تحريضى لا يمت للمهنية او الموضوعية او المصداقية بصلة لتتوالى سقطات الاعلام المصرى ورموزه الذين دافعوا من قبل عن المخلوع مبارك وهاجموا ثورة 25 يناير، وهاهم اليوم يدافعون عن السيسى ويهاجمون مؤيدى الشرعية.
الفلول: نحن هنا
لم يغب فلول نظام المخلوع مبارك والمنتفعين منه عن المشهد، بل كان لهم دور فى تأجيج الفتنة، تماما كما كان لهم دور كبير فى الانقلاب على الشرعية، ولم يقتصر الدور فقط على فلول الحزب الوطنى المنحل، بل أن احد قيادات الحزب الناصرى بالقرية، اتصل باحدى القنوات الاقليمية وقال انه من اهل القرية وان النصارى يتعرضون للابادة من قبل مؤيدى مرسى، وانه يطالب الجيش بالتدخل الفورى، وان مؤيدى الشرعية قاموا بذبح احد النصارى.
 وبتحرى "الشعب" عن حقيقة قوله اتضح ان حادثة ذبح احد النصارى حقيقية لكن رواية القطب الناصرى كانت مغلوطة وكلها ادعاء باطل، اذ ان القتيل النصرانى كان بين عائلته وعائلة اخرى نصرانية ثأر قديم يرجع لحوالى 40 سنة، اذ كان ابوه قد قتل احد المسيحيين من عائلة اخرى، فما كان من ابن القتيل الا انه انتهز فرصة الانفلات الامنى واخذ بثأر والده وقام بذبح ابن قاتل ابيه، ليتضح كذب وزيف ادعاء القيادى الناصرى الذى فشل فى انتخابات مجلس الشعب الأخيرة هو وكل قائمة الحزب الناصرى.
مسيرة بالحمير.. على هامش الزيارة
ورغم محاولات الاعلام المستميتة للنيل من سمعة القرية واثنائها عن الخروج فى مسيرات رافضة للانقلاب العسكرى، الا ان اهل القرية لم يكلوا ولم يملوا، بل انهم ابتكروا طرق اخرى للتعبير عن رفضهم للانقلاب، حيث نظم اهالى القرية مسيرة بالحمير تعبيرا عن رفضهم للانقلاب، وكانت المسيرة حديث وسائل الاعلام العربية والعالمية، نظرا لحداثة وطرافة الفكرة.
ومازال اهالى القرية ينظمون المسيرات الرافضة للانقلاب والمؤيدة للشرعية دون كلل او ملل، ولم تكن مسيرة الحمير وحدها فى مثار العجب من صمود اهل القرية، بل ان اهل القرية اعدوا منصة فى مدخل القرية الشرقى لتكون منبر المسيرات لالقاء الكلمات والخطب الحماسية كنوع من الترفيه والتسريه والهاب مشاعر المتظاهرين اثناء المسيرات، ليثبت اهل دلحا انهم يستحقون عن جدارة لقب "رابعة الصعيد" وجمهورية زفتى العصر الحديث.
بوادر مصالحة
امام هذا الصمود والاخلاص والوطنية، لم يجد الجيش مفرا من السعى الى مقابلة وفد من اهل القرية، للوقوف على حقيقة ما يحدث على ارضها بعد ان ادركوا ان اعلامهم قد خدعهم وروج للاكاذيب والفتن، فما كان من اهل القرية الا الترحيب، وشكلوا لجنة من حكماء ومشايخ ورجال الدين بالقرية.
وقال الدكتور حسن كحيل احد رعاة مبادرة المصالحة، فى تصريح خاص لـ"الشعب"، ان مشايخ القرية ورجال الدين بها تواصلوا مع اهل القرية من النصارى لتفعيل المصالحة بشكل حقيقى، وان العلاقة بين المسلمين والنصارى عادت لما كانت عليه من قبل، بعد ان تواصلوا مع كنائس القرية ورعاتها، غير ان الكنيسة الارثوذكسية كانت هى الوحيدة القلقة، وطالبوا بالحماية والامان، والتقينا الاهالى من نصارى القرية لطمأنتهم.
وأضاف كحيل أن رعاة المبادرة قد أصدروا بيانا اكدوا فيه على امرين هامين هما نبذ العنف من كافة الاطراف سواء من الجيش والشرطة او من الاهالى، والامر الثانى هو التعاون مع اهل القرية من النصارى وحماية ممتلكاتهم والحفاظ على كنائسهم، وهو ما سبق ودعا اليه الخطباء على المنابر عشية الاعتداءات على الكنائس وبيوت النصارى.
واكد كحيل ان البلدة الان هادئة ولا توجد بها اية مشاحنات من اى نوع، متهما الاعلام باثارة الفتنة، كما اتهم بعض البلطجية بالاعتداء على الكنائس والتجار النصارى مؤكدا انهم لا صلة لهم ولا لما فعلوه بالدين.
وقال زهرى ربيع مدير مدرسة دلجا الاعدادية للبنات، انه لم يكن هناك غبن ليكون هناك مصالحة، فالاهالى لم يجرموا ليكون هناك مصالحة، لكن البلطجية هم من قام بالاعتداءات والسرقات، ورغم ذلك فاهالى القرية نفوسهم سوية وعلى استعداد للمصالحة مع اى طرف، وكل ما يهمنا هو الامن والامان والاستقرار، مشيرا الى ان الاهالى يحترمون الجيش المصرى، وان الحياة لم تختلف كثيرا عما قبل الانقلاب وحظر التجول
وأوضح ربيع ان التعامل عادى جدا بين مسلمى ونصارى القرية، وان الاهالى يعيشون فى سلام فيما بينهم، والسرقات تطال المسلمين والنصارى، وتعرض المسلمين للسرقات اكثر من تعرض المسيحيين.
وأشار ربيع الى ان اهالى القرية يعيشون فى حالة ترقب بسبب ما يبثه الاعلام من سموم واشاعات حول القرية، ويبالغون فيما يحدث بالقرية، وكل كلامهم منافى تماما لما يحدث على ارض الواقع، وطالب الاعلام بتحرى الصدق وعدم اللعب بالنار والاعلام يخون كل من ضد الانقلاب وهو السبب الرئيسي لوقوف الناس ضد الانقلاب واتساع شريحة الرافضين للانقلاب، والشعب عرف كذب القنوات الفضائية المصرية ولم يعودوا يستمعوا اليهم بعد ان اتضح كذبهم ونفاقهم وتضليلهم.
وقال ابراهيم عبدالصبور الموجه بادارة ديرمواس التعليمية، القرية الان فى حجالة من الهدوء النسبى، خاصة بعد دعوة المصالحة التى يجرى الاعداد لها الان، وان اهالى دلجا الان يتعاملون فيما بينهم بنفس الطريقة التى كانت قبل الانقلاب، وعادت الامور بين المسلمين والنصارى لما كانت عليه فى السابق، مطالبا الاعلام بنقل الصورة بشكل حقيقى.
واوضح ابراهيم ان الحجة التى تتذرع بها قوات الجيش والشرطة من قبل لاقتحام القرية هى حجة واهية، وهى حماية المسيحيين الذين ارسلوا نداءات استغاثة الى الجيش لرفع الاضطهاد الواقع عليهم، نافيا ان تكون تلك الحجج صادقة وصريحة، وانها ان كانت حقيقية فهى من بعض الأطراف المسيحيين المعروفين بتعصبهم الشديد ضد الاسلام والمسلمين بالقرية والذين تحوم حولهم دوائر شبهات التواصل مع أطراف خارجية ومنظمات مثل أقباط المهجر فى امريكا.

زقاق النت

زقاق النت

ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.