أحدث الموضوعات
recent

الأزمة التركية: هل تكون القشة التى ستقصم ظهر أردوغان.. أم ضربة جديدة ‏تزيده قوة ؟!‏



<< هل يدفع أردوغان ثمن مهادنة أمريكا وإسرائيل على طريقة ما حدث مع  الإخوان فى مصر؟
<< هل تلعب جماعة فتح الله جولن فى تركيا نفس الدور القذر لحزب ياسر برهامى فى مصر؟
<< من هم جماعة جولن؟.. تاريخ من التناقضات قبل تولى أردوغان الحكم وبعده
<< ما هى أبرز انتقادات جماعة جولن على نظام أردوغان؟ وما ردود الحكومة عليها؟
<< قضية الفساد.. أخطر أزمة فى تاريخ أردوغان السياسى تضع حكومته على المحك
<< حقيقة التدخل الغربي للنيل من حكومة أردوغان لرفضها فرض عقوبات اقتصادية ‏على طهران
<< اللعب علي المتناقضات وفتح قنوات تواصل مع الأصدقاء والخصوم في ‏الوقت ذاته.. فرض في النهاية خيارات صعبة وهامشا ضيقا للحركة أمام ‏تركيا


حالة من التوتر والقلق تسود تركيا وحزب العدالة والتنمية وكافة المتابعين لهما، بل لا نبالغ ان قلنا ان القلق الآن فى الدول الإسلامية –على مستوى الشعوب- هو نفسه القلق السائر فى صدور حكام دول الربيع العربى الشرعيين (مصر – تونس) وكلاهما لا يقل قلقا عن أعضاء حزب العدالة والتنمية فى تركيا.
مرجع القلق هو الخوف من عودة سياسة الانقلابات العسكرية التى نسيتها تركيا على يد أردوغان، والتى عادت إلى المنطقة عبر البوابة المصرية بعد انقلاب السيسى على رئيسه المنتخب د.محمد مرسى، وان كان اردوغان قد تمكن من إضعاف نفوذ العسكر ومحاكمة الانقلابيين منهم، والاجهاز على الدولة العميقة، وهو الهدف الذى جمع أردوغان وحزبه مع كل من القوى الليبرالية التركية وجماعة فتح الله جولن ذات النفوذ الواسع.
غير أن هذا التحالف لم يستمر اكثر من السنوات التى مكنته من القضاء على العدو المشترك، إذ سرعان ما ظهرت الخلافات التى كانت مؤجلة لحين الانتهاء من الطرف الأقوى فى تركيا – الجيش – وكان انشقاق بعض الليبراليين وانضمامهم إلى صفوف المعارضين لحكومة اردوغان، بعد اتهامها بـ"التلكؤ" في إنجاز الإصلاحات المطلوبة، ومساعي الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، اول بوادر انهاء التحالف الثلاثى.
خلاف الجماعة والحزب
جماعة جولن هى الاخرى سلكت نفس طريق القوى الليبرالية،رغم ان الجماعة يربطها حلف غير معلن مع اردوغان، حصلت من خلاله على الكثير من الامتيازات، من نواب ووزراء وحرية عمل وانتشار في مقابل تصويت أعضاء الجماعة للحزب.
وفي حين يرى بعض المراقبين أن حزب العدالة والتنمية يتقصد مواجهة الجماعة وإضعافها إثر شعوره بأنه لم يعد محتاجا لأصواتها ولا مضطرا للخضوع لضغوطها بعد 11عاما من الحكم، يرى آخرون أن ملف خلافة أردوغان في رئاسة الحزب والحكومة وتنافس تيار الجماعة مع تيار الفكر الوطني (ميللي جوروش) -الذي أنشأه رئيس الوزراء الراحل أربكان داخل العدالة والتنمية- هو الذي فجّر الخلافات المختفية تحت السطح.
في حين ترى مجموعة ثالثة أن الجماعة هي التي استعجلت هذه المواجهة من خلال مواقفها التي أغضبت أردوغان والحزب في عدة ملفات، اعتبر بعضها بمثابة تحضير لانقلاب على الحكومة ورئيسها، فما هي هذه الملفات التي أدت إلى الخلاف ونتج منها نهاية شهر العسل بين الحليفين.
ازمة رئيس الاستخبارات
 وكانت بداية الانشقاق وظهور الأزمة عندما استدعى المدعي العام التركي صدر الدين صاريقايا، في فبراير 2012، رئيس الاستخبارات هاكان فيدان -كاتم أسرار أردوغان- للإدلاء بأقواله بصفته مشتبها به في قضية اللقاءات مع قادة حزب العمال الكردستاني، ورأى أردوغان أن هذه الخطوة تستهدفه مباشرة، فقامت الحكومة بتمرير قانون من البرلمان يشترط موافقة رئيس الوزراء قبل استدعاء رجال الاستخبارات. بل وأجرى أردوغان تغييرا للعشرات من أفراد الجماعة في قيادات أجهزة الدولة ‏المختلفة. ‏
فتحت هذه الأزمة الباب على مصراعيه لصراع علنى بين اردوغان وحزبه وحكومته من جانب، وجولن وجماعته التى تمتلك وسائل إعلام عديدة من القنوات والصحف والمجلات بالإضافة إلى وكالة أنباء، فبدأت الجماعة فى شن هجوم عنيف على أردوغان واصفة اياه بـ"الديكتاتور".
ازمة ميدان تقسيم
فبعد ازمة فيدان، كانت أحداث حديقة "جزي" في ميدان "تقسيم" القشة التي قصمت ظهر العلاقة المتوترة بين الحزب الحاكم وظهيره الشعبي القوي.
فرغم عدم مشاركة الجماعة بأفرادها في الاحتجاجات التي اكتست ثوب العنف سريعا، إلا أن وسائل الإعلام المرتبطة بها حاولت النيل من أردوغان واتهامه بالتسلط والدكتاتورية وسوء إدارة الأزمة، في مقابل تلميع نائبه في الحزب والحكومة بولند أرينتش الذي يشاع أنه على صلة طيبة جدا بها.
لاحقا وبعد انتهاء الاحتجاجات وهدوء الشارع، فجّر الإعلامي المخضرم والمقرب من الحكومة عبدالرحمن ديليباق قنبلة إعلامية حين أعلن امتلاكه تسجيلات تؤكد اتفاق الجماعة مع حزبي المعارضة الرئيسين حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية على إثارة أعمال شغب للنيل من شعبية الحزب الحاكم، ثم التحالف انتخابيا لإسقاطه في الانتخابات البلدية القادمة.
الذي يخفي الكثير من القضايا العالقة بين الطرفين، في جو من انعدام الثقة بين الطرفين، يبدو أنه ما زال مستمرا في التفاقم يوما إثر الآخر.
وفى الايام الأخيرة شهدت الأزمة شكلا اكثر حدية، على خلفية  إعلان الحكومة قبل أسابيع خطتها لإغلاق مراكز الدروس الخاصة، وارتفع مستوى التوتر بين الحكومة والجماعة وتفاقمت الأزمة، واندلعت حرب إعلامية غير مسبوقة، لكون الجماعة تملك ما يقرب من ربع هذه المعاهد التي تدر عليها أموالا طائلة ‏وتعتبر مجال استقطابها الأكبر لفئة الشباب، فتعاملت مع الأمر بحساسية، ‏وأعلنت تحديها للقرار الحكومي ورفعت رايات الرفض والعصيان.‏
لكن المتابع للشأن التركي يدرك بوضوح أن قضية المعاهد الدراسية ليست سوى ‏قمة جبل الجليد الطافية على السطح.
ازمة جولن وقضية الفساد
 الا ان أغلب المعارضين لأردوغان داخل تركيا وخارجها أرجعوا الازمة إلى اعتقال شخصيات بتهم غسيل اموال وفساد، منهم أبناء وزراء فى الحكومة التركية واعضاء فى الحزب الحاكم ورجال اعمال مقريبين من اردوغان!.
وهنا يجدر الفصل بين أزمةالصراع بين اردوغان وحزبه وحكومته مع جولن وجماعته واعلامه، وبين الأزمة التى ضربت بعض المحسوبين على نظام أردوغان
الصراع بين اردوغان وجولن
ان الأزمة الأخيرة بين حكومة اردوغان وجماعة جولن قد تبدو في الوهلة الأولى متعلقة بمصير ‏مراكز الدروس الخاصة، التي تقوم بتهيئة الطلاب للاختبارات العامة لقبول ‏الجامعات، إلا أنها أعمق من ذلك بكثير، ولها أبعاد أخرى تتعلق بالآراء ‏السياسية والخلفيات الفكرية ودور الجماعات وعلاقاتها مع الأحزاب.‏
وبعد عملية بحث متواصلة عن جماعة جولن، يتضح لنا أن جماعة فتح الله جولن هي إحدى الجماعات النورسية التي تتبع مدرسة العالم الشهير بديع الزمان سعيد النورسي، ويطلق عليها هذا الاسم نسبة إلى زعيمها، وتتمتع بنفوذ واسع داخل تركيا وخارجها، وتشتهر بأنشطتها التعليمية والثقافية ومدارسها المنتشرة في جميع أنحاء العالم. وتسمى أيضا "حركة جولن" أو "حركة الخدمة" كما تحب الجماعة أن تطلق على نفسها.
غير أن أهم ما يثير الانتباه اثناء البحث حول فتح الله جولن وجماعته فى تركيا، هو ان زعيم الحركة مقيم فى ولاية بنسلفانيا بالولايات المتحدة الامريكية، وهذا يضع علامات استفهام كثيرة حول سر اختياره الولايات المتحدة محلا للاقامة، رغم عدم كونه غير مرغوب فيه فى تركيا!!
بين جولن تركيا وبرهامى مصر
موقف جولن وجماعته –واعتقد ان الايام كفيلة باثبات صحة ذلك او غيره – يوازى نفس الدور السيء الذى لعبه حزب النور السلفى فى الازمة الاخيرة التى ادت الى الانقلاب على الرئيس الشرعى المنتخب، تمثل الدور فى لعب المحلل للانقلاب منذ الوهلة الاولى ونجح حزب النور السلفى المعروف بعلاقة قياداته بداء من برهامى ومخيون والشحات وبكار لأجهزة الأمن منذ ايام مبارك، نجح فى خداع نسبة كبيرة من المصريين المحبين للاسلام بالفطرة وساهم فى ذلك تأييد نسبة كبيرة من "مشايخ الفضائيات" للحزب، لكن الايام أثبت انه لم يكن سوى خدعة كبيرة والتفاف على الثورة بل والشريعة التى طالما تغنى برهامى صنم الحزب الأكبر بالدفاع عنها.
انتقادات جولن لحكومة اردوغان
جماعة جولن هى الاخرى تاريخها يشهد لها بالسير على خطى حزب برهامى، هذا التاريخ تبينه الانتقادات التى تاخذها جماعة جولن على حكومة أردوغان ونذكر منها:
1 - الاتجاه نحو الشرق الاوسط وتراجع مساعى الانضمام للاتحاد الاوروبى
2 - خلق المشاكل مع إسرائيل وهو ما يبعد تركيا عن المعسكر الغربي ويقربها من إيران وروسيا والشرق الأوسط، ويجب على الحكومة التركية الابتعاد عن إثارة المشاكل مع تل أبيب في الوقت الراهن، لأنها ليست في صالح تركيا ولا داعي لها.
3 - أردوغان الذي انشق عن تيار أربكان وأعلن تخليه عن "شعاراته الفارغة" قائلا، إنه "خلع ذلك القميص"، كأنه لبس مجددا القميص نفسه وابتعد عن الواقعية في السياسة الخارجية، وتبنى أسلوب المغامرة في سوريا ومصر، ما أدَّى إلى التخبط وخسارة تركيا حلفاءها.
4 - موقف حكومة أردوغان من إيران يتسم بالعاطفية وحسن الظن المبالغ فيه، وليس المطلوب من الحكومة معاداة إيران، ولكنه يجب الحذر من سياسة طهران الطائفية وأهدافها التوسعية، وهناك كثير من الموالين لإيران ومدرسة الخميني الفكرية في حزب العدالة والتنمية وحول أردوغان، ما يلقي بظلاله على توجهات الحكومة.
5 - حكومة أردوغان تستهدف الجماعة وتحاول التضييق عليها، من خلال إبعاد المنتمين إليها عن المناصب الهامة، وإغلاق مراكز الدروس الخاصة التي تعد من أبرز أنشطة الجماعة التعليمية والاقتصادية.
(وكأننا نستمع الى يونس مخيون وهو يتحدث مع الرئيس مرسى فى الاجتماع الشهير الذى قال فيه انه معه كشف بـ"اخونة الدولة")
.. وردود على الانتقادات
كل ما سبق من اتهامات مردود عليها من قبل حكومة أردوغان بأدلة واقعية حدثت بالفعل منها:
1 - جماعة جولن تريد المشاركة في الحكم دون أن تتحمل مسؤوليتها السياسية، ولا يمكن للحكومة تسليم الحكم الذي منحه لها الشعب التركي عبر صناديق الاقتراع أو جزء منه، إلى جماعة لم تخض الانتخابات، لأنه يعتبر وصاية على الإرادة الشعبية.
ومن غير المقبول في النظام الديمقراطي أن تكون هناك دولة داخل الدولة، وإن كانت الجماعة تسعى إلى حكم البلاد، فعليها تأسيس حزب سياسي لتخوض به الانتخابات، وتطلب من الشعب أن يمكنها من تشكيل الحكومة وحدها، أو المشاركة فيها.
2 -  الجماعة عاشت أفضل أيامها خلال السنوات العشر الأخيرة في عهد حكومات حزب العدالة والتنمية، وكانت القوى العلمانية تسعى لتصنيف جماعة جولن كمنظمة إرهابية، ولكن حكومة أردوغان حالت دون ذلك بتغيير قانون مكافحة الإرهاب. وبالتالي، اتهام الحكومة بالتضييق على الجماعة لا أصل له، بل أردوغان نفسه تدخل لمنع إغلاق مدارس الجماعة في روسيا، محذرا بوتين من أن خطوة من هذا القبيل قد تفسد العلاقات التجارية بين البلدين.
3 - قرار إغلاق مراكز التعليم الخاصة لا يستهدف الجماعة، بل هو جزء من برنامج متكامل يرمي إلى إصلاح نظام التعليم الحالي، الذي يحمل الطلاب أعباء إضافية ويثقل كاهل الأسر.  وكان فتح الله جولن قد اقترح على الانقلابيين أيام التدخل العسكري في 1997 أن يسلم إليهم مدارس الجماعة ومراكزها، فلماذا الجماعة الآن تدافع عنها بشراسة وكأنها مسألة حياة أو موت؟
4 - منهج الجماعة عدم الخروج على "ولي الأمر" و"السلطة"، وعندما عارض الأستاذ فتح الله جولن انطلاق أسطول الحرية لكسر حصار غزة، قال: "كان عليهم أن ينسِّقوا أولا مع السلطة"، في إشارة إلى الحكومة الإسرائيلية.
واعتبر جولن قرارات مجلس الأمن القومي في 28 فبراير 1997، اجتهادا للمجلس "إن أصاب فيه فله أجران وإن أخطأ فله أجر"، فلماذا الآن اختار منهج الخروج على الحكومة؟
5 - اتهام الحكومة بمحاباة إيران لا أساس له، والتباين في موقفي البلدين من الأزمة السورية خير دليل على ذلك، ولكن في المقابل هناك علامات استفهام كثيرة حول علاقة الجماعة مع الولايات المتحدة، فلماذا يقيم زعيم الجماعة فتح الله جولن في ولاية بنسلفانيا الأميركية ولا يعود إلى أرض الوطن؟
أزمة الفساد
يمكن  اعتبار هذه الأزمة هى الأخطر فى تاريخ أردوغان السياسى، فهى تضع حكومته على المحك، وهو الذي بنى حملاته الانتخابية الناجحة ( 2002، 2007 و2011) على "الشفافية ‏ومحاربة الفساد".، ودائما يفخر بقضائه على السرقة فى تركيا.
ولعل أخطر ما فى القضية هو التوقيت، حيث جاءت في وقت سيء بالنسبة لأردوغان الذي أطلق للتو حملة حزبه لانتخابات البلديات (مارس 2014) والتي، على الرغم من كونها مجرد انتخابات على مستوى صغير، إلا أنها تعطيه دفعة للانتخابات الرئاسية التي تقام في يونيو لأول مرة بالاقتراع العام.
وتضم قائمة المقبوض عليهم أكثر من 50 شخصا منهم عدد من رجال الأعمال الأتراك العاملين في مجال ‏الإسكان، وهو الرئة الاقتصادية الجديدة في تركيا منذ نحو 10 سنوات.‏
وتوجه الاتهامات فى القضية بصفة خاصة إلى شركة "توكي"، المتهمة بأنها "نقطة مرور أموال تم الحصول عليها عن طريق الاحتيال". و"توكي" هي شركة حكومية عملاقة تعمل في مجال الإسكان وتعتبر سندا قويا لسياسة بناء المشاريع الضخمة التي يفتخر بها أردوغان.
لكن القضية أخذت منحى سياسيا عندما طالت أسماء لأعضاء من حزب ‏العدالة والتنمية وأبناء ثلاث وزراء. ورغم ان أردوغان لازال يتمتع بشعبية واسعة إلا أن القضية قد يكون لها صدى سلبى على اردوغان وحزبه، بل وقد تكون القشة التى ستقم ظهر العدالة والتنمية اذا اساء التصرف فى معركته -على غير العادة-.
وعلى قدر الفعل وأثره يأتى رد الفعل، حيث ردت الحكومة التركية بعزل مديري الأمن الخمسة الذين أعدوا العملية الأمنية، في أقسام مكافحة الفساد المالي والجريمة المنظمة.
وعاقبت الحكومة هؤلاء لحجبهم العملية عنها وعن وزير الداخلية، فعيّنتهم في وظائف ومدن مختلفة، وسحبت ملف القضية من المدعي العام زكريا أوز الذي أعدّها، وسلّمته إلى المحقق طوران شولاكادي الذي عيّن فوراً محقّقَين إضافيين لمشاركته في المهمة بسبب حساسية القضية وكثرة المتهمين.
واتهم اردوغان بعض السفراء في تركيا بالضلوع في "أعمال استفزازية"، وقال أردوغان لأنصاره في إقليم سامسون على البحر الأسود "في هذه الأيام الأخيرة وبطريقة غريبة تورط سفراء في بعض الأعمال الاستفزازية. أقول لهم من هنا قوموا بعملكم وإذا ابتعدتم عن نطاق وظيفتكم فقد يدخلكم ذلك في نطاق سلطاننا القضائي. لن نكون مضطرين للإبقاء عليكم في بلادنا."
كما أدان أردوغان "الضربة القذرة" الموجهة ضد حكومته متهما "قوى ظلامية تهدد الأمة " بالكيد له. وفسرت الصحافة أن أردوغان يعني "بالقوى الظلامية" جماعة جولن.
فيما تحدثت وسائل إعلام مقربة من الحكومة عن تدخل غربي للنيل من حكومة أردوغان، لرفضها فرض عقوبات اقتصادية على طهران، علماً أن قسماً من اتهامات الفساد يطاول تهريب ذهب وغسل أموال إيرانية، في مقابل استيراد أنقرة نفطاً إيرانياً خارج إطار العقوبات الغربية ومن دون استخدام الدولار والحسابات المصرفية، إذ تُستخدم سبائك ذهب في الدفع، من خلال وسطاء أوقفوا، بينهم نجلا وزيري الداخلية والاقتصاد.
تداعيات الصراعات
بتحليل بسيط لما سبق يتأكد لنا أنه:
1 – فيما يخص الصراع بين اردوغان وجماعة جولن، فان فتح الله جولن وجماعته فى تركيا يلعبون نفس الدور القذر الذى لعبه برهامى وحزبه فى مصر، فبرهامى وحزبه تكفلا بدور المحلل للانقلاب، وسارع قيادات الحزب بالسفر الى امريكا لتقديم فروض الولاء والطاعة وتقديم انفسهم بديلا عن الاخوان، غير انهم لم يدركوا ان الامريكان لن يجدوا فى مصر بديلا مناسبا يضمن لهم مصالحهم وحماية امن العدو الصهيونى كما يضمنها لهم جنرالات الجيش. وهاهو جولن المقيم فى امريكا يسير على نفس الخطى رغم انه سبق وأيد حكومات ما قبل أردوغان فيما أقدمت عليه كما شرحنا انفا، بل انه أنّب اردوغان لأنه لم ينسق مع الحكومة الصهيونية قبل حادث أسطول الحرية لكسر حصار غزة!
2 - يبقى السؤال الأبرز الذي يفرض نفسه على المشهد التركي هو مدى تأثير هذا الخلاف على الاستحقاقات الانتخابية القادمة في تركيا التي ستبدأ في الثلاثين من مارس 2014 بالانتخابات البلدية فالرئاسية ثم النيابية في 2015، وقدرة العدالة والتنمية على الاستمرار في الفوز فيها وتشكيل حكومة بمفرده كما في المحطات الثلاث السابقة.
تُقدَّر الأصوات التي تتحكم فيها جماعة جولن ما بين اثنين وخمسة بالمائة، ولكنه ليس من المؤكد أن يلتزم جميع أعضائها بقرار عدم تأييد حزب العدالة والتنمية. فأكبر مشكلة تواجه جماعة جولن فى هذا الصدد عدم وجود منافس يمكن أن تتحالف معه. ولذا فقد تتجه إلى تأييد حزب الشعب الجمهوري أو الأحزاب الأخرى في الدوائر الانتخابية المختلفة حسب أسماء المرشحين، بدلا من تأييد حزب واحد في جميع أنحاء تركيا. إلا أن الجماعة نفسها هي أيضا لن تنجو من التداعيات السلبية لهذا التصعيد، لأن جماعة جولن التي طالما رفعت شعار "التسامح"، لأول مرة تخوض معركة بهذه الشراسة وهذه اللهجة، ضد حكومة منتخبة حازت على ما يقارب 50%  من أصوات الناخبين.
ولذلك، قد يبدو السيناريو الأكثر قربا للواقع ألا يؤدى الصراع الحالي للانفصام نهائيا، بل أن يكون الصراع الدائر ما هو الا معركة لعض الأصابع هدفها الضغط وكسب النقاط على طاولة تحديد المرشحين على مشارف الاستحقاقات الانتخابية القادمة، وتسوية الخلاف القائم على قاعدة "الربح للجميع"، خاصة أن التغيرات التي تمر بها المنطقة لا تترك لأحد رفاهية المخاطرة باستقرار تركيا السياسي في هذه المرحلة الحساسة.
3 - ان اردوغان وحزبه يدفعان ثمن نفس الغلطة الشنيعة التى وقع فيها مرسى وجماعته. فاردوغان يدفع الان ثمن مهادنة امريكا واسرائيل كما تدفع جماعة الاخوان -‏والشعب المصرى- ثمن الموائمات مع امريكا والتعهد بحفظ امن اسرائيل (بعدم الغاء ‏كامب ديفيد ).
فأردوغان لم يطرح فكرة الاستقلال وضرورة الجهاد ضد الحلف الصهيونى الامريكى مثلما فعل معلمه مهندس الحركة الاسلامية فى تركيا الراحل نجم الدين اربكان الذي جاء إلى السلطة في عام 1996 كأول رئيس وزراء للبلاد يحمل قناعات إسلامية، والذى اختار إيران كأول محطة في زياراته الخارجية وهو ما شكّل إهانة كبيرة للنخبة المؤيدة للغرب في بلاده. وبينما كان في طهران في يوليو عام 1996، أنجز أربكان صفقة بقيمة 23 مليار دولار لتوصيل الغاز الطبيعي من إيران لمدة تزيد عن 25 عامًا. متحديا سياسة الحظر والحصار الاقتصادى الغربى المفروض على طهران، وقام أيضًا مع إيران بتسهيل إنشاء ما يُسمى مجموعة الثماني النامية (D-8) والتي ضمت أيضًا ماليزيا وإندونيسيا ومصر وبنغلاديش وباكستان ونيجيريا.
ان اربكان كان يجاهر بالعداء لأمريكا وإسرائيل، بل أنه هاجم العدو الصهيونى وامريكا اثر الحرب على غزة فى 2008 قائلا: "اذا كانت امريكا تحب اسرائيل حقا فلتسلمها احدي ولاياتها" و اعلن ذلك في خطاب القاه امام اجتماع جماهيري حاشد في انقرة دعما لأهالي غزة. و أكد اربكان أن المسلمين الفلسطينيين كانوا ولايزالون دعاة السلام والمحبة مشيرا الي زرع الامبريالية العنصرية بذور الكيان الصهيوني اللقيط في فلسطين المقدسة لممارسة مختلف انواع الظلم ضدهم .
و أشار رئيس الوزراء التركي السابق في جانب آخر من خطابه الي احتلال امريكا افغانستان والعراق وأكد أن الهدف الرئيس من خطة الشرق الاوسط الكبير هو في الحقيقة القضاء علي تركيا .
وكانت المفاجئة عندما كشف أربكان عن إعداد جهات لتقارير ملفقة عن الواقع التركي فى فترة توليه رئاسة الحكومة، واعترف العديد من الشخصيات العسكرية والإعلامية والقضائية التي لعبت دوراً مهماً في الحملة التي استهدفت حكومة أربكان الائتلافية مع شريكته تانسو تشيلر بالدور الأمريكي في هذه الحملة بشكل مباشر أو غير مباشر للاطاحة بها.
وأشار المقربون من أربكان إلى أهمية التوقيت الزمني للحملة المذكورة التي جاءت بعد زيارة رئيس الأركان آنذاك حسين كارادايي إلى “إسرائيل” في 25 فبراير1997 كما لم تخف واشنطن عدم ارتياحها من قمة الدول الثماني الإسلامية التي دعا إليها أربكان بعد أن وقع على اتفاقية مهمة للغاز مع طهران على الرغم من الحصار الاقتصادي الذي كان مفروضاً على إيران.
ما سبق يؤكد ان معلم اردوغان اتخذ منذ البدء موقفا معاديا لأمريكا واسرائيل، وهو ما لم يفعله اردوغان منذ توليه الحكم فى 2002، وهو ما ارجعه البعض لمنطق المناورة حتى لا يتكرر معه ما حدث مع معلمه، لكن وبعد سلسلة من الانجازات الاقتصادية فى تركيا، انتظر الكثيرون من اردوغان ان يكشف عن نظرته لأمريكا واسرائيل بشكل يماثل موقف أستاذه، غير انه لم يفعل سوى مهاجمة بيريز فى منتدى دافوس وارسال اسطول الحرية الى غزة لكسر الحصار، وهى وان كانت مواقف جيدة الا انها رمزية جدا فى اطار الحرب بين الحلف الصهيونى الامريكى وبين المنطقة.
وكان موقف اردوغان الأخير من الأحداث فى سوريا كاشفا، فقد اتخذ اردوغان نفس الموقف الخليجى الامريكى مما يحدث فى سوريا، لا سيما بعد ان تحولت الثورة الشعبية الى حرب وقتال اهلى بفضل عسكرتها والتمويل المشبوه الذى قدمته قطر  والسعودية، بايعاز من امريكا التى لم تستطع اعادة السيناريو العراقى مجددا بسبب الافلاس الاقتصادى، كما لم يتمكن حلف الناتو من تكرار السيناريو الليبيى نظرا لدعم سوريا والصين لنظام بشار الاسد. وهذا لا يعنى بالقطع تأييد نظام الاسد الذى ارتكب مجازر أفدح من مجازر العسكر فى مصر، لكن الأزمة السورية معقدة بشكل يصعب فيه اتخاذ موقف جذرى عدائى للنظام أو للمعارضة الوطنية (والحديث عن الأزمة السورية يطول شرحه وهو ما سنبينه قريبا)
4 - بالنظر إلى مجمل التطورات التى حدثت فى المنطقة فى الفترة الأخيرة لاسيما الأزمة السورية التى تتخذ تركيا منها موقفا معاديا لنظام بشار الأسد وهو نفس الموقف السعودى الخليجى، فيما تتخذ موقفا مؤيدا لنظام الرئيس المصرى الشرعى محمد مرسى وهو موقفا معاديا للسعودية ودويلات الخليج باستثناء قطر، بالاضافة الى ما يحدث فى تركيا منذ تظاهرات ميدان تقسيم، ثم الصراع مع جماعة جولن المقيم فى امريكا، كل ذلك يؤكد أن سياسة "الأحلاف المفتوحة" التي تبنتها تركيا خلال فترة ما قبل الثورات والاحتجاجات العربية لم يعد لها محل من الإعراب خلال الفترة الحالية التي تمر فيها المنطقة بمتغيرات جذرية غير مسبوقة، إذ إن اللعب علي المتناقضات وفتح قنوات تواصل مع الأصدقاء والخصوم في الوقت ذاته، فرض في النهاية خيارات صعبة وهامشا ضيقا للحركة أمام تركيا، للدرجة التي يمكن القول معها إن طموحات تركيا في لعب دور إقليمي رئيسي في الشرق الأوسط باتت تواجه اختبارات صعبة.

عبدالرحمن كمال
yonis_614@yahoo.com

زقاق النت

زقاق النت

ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.