ساسة بوست:
تخطى حجم وميزانية الشركات متعددة الجنسيات الكبيرة في حالات كثيرة حجم وميزانية الدول القومية.
هذا ما تخبرنا عنه التقارير والإحصاءات العالمية، 44% من إجمالي الشركات المتعددة الجنسيات تمتلكها الولايات المتحدة، أكثر من 30% يمتلكها الاتحاد الأوروبي. اليوم أصدر المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، تقريرًا حول الشركات متعددة الجنسيات في مصر. نعرض هنا أهم ما تحتاج أن تعرفه عن الموضوع من خلال ما جاء في التقرير في 8 أسئلة.
لقراءة تقرير المركز المصري، كاملًا: من هنا
1ـ في البداية ما هي الشركات متعددة الجنسيات؟
الشركات متعددة الجنسيات هي شركات كُبرى حول العالم، تعمل في كافة المجالات، لا تتقيَّد بحدود دولة معينة ولا بقانون هذه الدولة في أغلب الحالات. يمتلكها كبار رجالات الاقتصاد وتعمل في دول حول العالم. عادة يكون لهذه الشركات دولة أُمّ انبثقت منها وتكُون لها عدة دول مُضيفة. تورطت الكثير من هذه الشركات في انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان، ليس هذا فحسب بل تورطت كذلك في عدة قضايا لإسقاط حكومات غير موافقة أو معادية لها، كما حدث في العديد من دول أمريكا اللاتينية.
للاطلاع على نماذج من تورط هذه الشركات في إسقاط الحكومات المنافسة وغير الخاضعة لها، يمكنك قراءة كتاب الخبير الاقتصادي جون بركنز: الاغتيال الاقتصادي للأمم.
يمكنك كذلك الاطلاع على بعض هذه التجارب بشكل مختصر من خلال قراءة هذا التقرير: الشركات عابرة القوميات تسقط الأنظمة الوطنية!
بالجملة بعض هذه الشركات يمتلكها ـ أو يساهم فيهاـ بعض رجالات السياسة في بعض الدول الكُبرى حول العالم، كالولايات المتحدة مثلًا. فعلى سبيل المثال كان جورج بوش الأبّ يمتلك شركة زابتا للبترول والشركة المتحدة للفاكهة. كان اعتراض رئيس بنما الأسبق الجنرال عمر توريخوس على سياسات الشركتين سببًا في اغتياله من قبل CIA حسب الخبير الاقتصادي جون بركنز عندما كان جورج بوش الأبّ نائبًا للرئيس الأمريكي. لم يتوقف الأمر عند هذا الحدّ، فقد تمَّ غزو بنما عندما أصبح جورج بوش الأبَّ رئيسًا للولايات المتحدة بحجة تورط رئيسها الجديد نوروييغا في قضايا تهريب مخدرات!
جورج بوش الأبّ
ربما هذه الوقائع السابقة الذكر تعطيك خلفية عن مدى قوة هذه الشركات الكُبرى التي تعمل حول العالم، وتدخل في علاقات قوية جدًا مع بعض رجالات السياسة المتنفذين في حكومات كُبرى حول العالم. لا يمكن بالطبع الحديث عن مثل هذا النفوذ في دولة كمصر، فظروف أمريكا اللاتينية مخالفة لظروف المنطقة بأسرها، ولكن تم ذكر الحادثة السابقة لتعريف القارئ بهذه الشركات.
2ـ ما هو وضع هذه الشركات في مصر؟ وما هو الإطار القانوني للاستثمار في مصر؟
في مصر لا يُفَرِّق النظام القائم ـ نظام ما قبل الثورة، وكذلك ما بعد الثورة حيث لم يكن هناك الكثير من الاختلافاتـ بين الاستثمار المحلي والاستثمار الأجنبي، فمصر تتعامل مع المستثمرين الأجانب كما تُعامل المستثمرين المصريين. يسمح للمستثمر الأجنبي أن يؤسس شركة تمويل للعمل في أي نشاط تجاري دون قيود ودون الحاجة لمشاركة رأس مال مصري الملكية، كما هو جاري في الكثير من الدول حول العالم. لا توجد كذلك أية قيود على ملكية الشركات للعقارات أو للأراضي، ما عدا بالطبع سيناء وبعض المناطق الحدودية الشائكة الأخرى.
كمثال على ذلك: هناك قانون الضريبة على الدخل، الدستور المصري يُعفي شركات استصلاح واستزراع الأراضي الزراعية الأجنبية من تلك الضريبة لمدة عشر سنوات اعتبارًا من تاريخ بدء مزاولة النشاط أو بدء الإنتاج، ليست هذه الشركات فحسب، بل حتى شركات إنتاج الدواجن وتربية النحل وحظائر تربية المواشي وتسمينها وشركات مصايد ومزارع الأسماك أيضًا. يعتبر هذا مثالًا واحدًا فقط، وهناك العديد من الأمثلة.
سمحت هذه القوانين للدولة بترضية المستثمرين في قضايا الفساد واختلاس المال العام، مما أتاح نقض أحكام قضائية ضد عقود خصخصة فاسدة، ووفر الإفلات من العقاب للمستثمرين أمام المحاكم الاقتصادية والإدارية والجنائية. يساعد ذلك ليس فقط على مزيد من الحماية للفساد المنَظَّم، بل على إخفائه وجعله غير قابل للكشف. * من تقرير المركز المصري
تقتضي طبيعة الاستثمار الأجنبي أن تشترط الدولة على المستثمر أن يقوم بإعادة استثمار جانب من أرباحه في البلد ليعود عليها بالنفع وهو ما لا يحدث في مصر، بل إن ما يحدث نقيضه تمامًا، حيث يتيح النظام القانوني في مصر للمستثمر الأجنبي أن يُحوِّل جميع أرباحه إلى خارج البلاد، المفارقة أنَّ هذه الأرباح تكون غالبًا أرباح صافية دون دفع ضرائب حتى وهو ما يجيزه القانون المنظم للاستثمار الأجنبي في مصر.
نظام الامتيازات للمستثمر الأجنبي في مصر يتم إعطاؤه لكل المستثمرين دون تفرقة. بطبيعة الحال تفرق الدول بين مستثمر أجنبي في مجال الطاقة أو التصنيع، وبين مستثمر أجنبي في مجال التغذية واللحوم أو الخدمات المالية وغيرها من الأنشطة العادية، ولكن في مصر يتم إعطاء الامتيازات للجميع، بالتالي يجنح المستثمر الأجنبي للاستثمارات التي لا تكلفه كثيرًا، وبهذا يكون المستفيد الوحيد من عملية الاستثمار هو المستثمر الأجنبي، وليست مصر. أحد أهم المفارقات الأخرى أنَّ النظام القانوني لمصر لا يشترط على الشركات متعددة الجنسيات أن تقوم بنقل مهاراتها إلى العمالة المصرية، على عكس ما يحصل في الصين مثلًا، حيث تشترط الحكومة على الشركات متعددة الجنسيات نقل مهاراتها للعمال الصينيين. على العكس من ذلك فإن النظام القانوني المصري يتساهل مع هذه الشركات في مواجهة العمال المصريين!!
3ـ ألم تحدث أي محاولات لتعديل هذا الإطار القانوني الظالم لمصر؟
حدثت بالفعل محاولات لتعديل القانون المنظم لعملية الاستثمار الأجنبي في مصر، حدثت محاولات التعديل بعد ثورة 25 يناير 2011 أكثر من مرة، كذلك تعكف الدولة حاليًا على تعديله قبل مؤتمر مارس القادم المزمع تدشينه يوم 19 مارس القادم. كذلك فقد تمَّت بعض التعديلات الإيجابية “الصغيرة” على نظام الضرائب. منها توحيد الضريبة على الشركات لتصبح 25% على أرباحها، لكنَّ المفارقة التي حدثت أن الضريبة ظلت بمعدل 40% على البنك المركزي المصري، وشركة قناة السويس، والهيئة العامة للبترول.
الضريبة على قناة السويس 40% بينما 25% على المستثمر الاجنبي
هذه التعديلات الإيجابية واجهتها تعديلات أخرى سلبية جدًا، حيث تم تعديل الإطار الاستثماري لتوفير المزيد من الحصانة للمستثمرين الأجانب بحرمان المصريين من الحق في التقاضي للصالح العام والحق في الدفاع عن الأموال والأصول العامة.
حسب التقرير قامت الحكومات بعد الثورة بتسهيل عملية الفساد وليس بتحجيمها، فقد قامت بتعديل التشريعات القائمة بطريقة تسهِّل الفساد، بل وتتجاوز أحكام القضاء المصري. على سبيل المثال قامت تعديلات بنقل مسؤولية التصالح مع المستثمرين من القضاء إلى الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة. هذا التعديل يُحَرِّم بالطبع على محاكم الجنايات المصرية من ولايتها على قضايا الفساد والسرقة واختلاس الأموال العامة، التي يتورط فيها كل من يحمل لقب “مستثمر” حسب التقرير. وقد أدى ذلك بدوره إلى فرض الإفلات من العقاب على الفساد المنهجي واسع النطاق في مصر. ويستمر في تكلفة مصر مليارات الدولارات سنويًّا.
للتعرف أكثر على مؤتمر مارس الاقتصادي، اقرأ: مؤتمر مارس الاقتصادي: هل تعلن مصر إفلاسها؟
4ـ ما هي معاهدات الاستثمار الثنائية التي وقَّعت عليها مصر؟ كم عددها؟ ومن المستفيد من ورائها؟
معاهدات الاستثمار الثنائية هي تلك الاتفاقيات التي تتم بين دولتين لتنظيم الاستثمار بين البلدين، تفرض الاتفاقيات بنودًا وشروطًا لضبط الاستثمار بين البلدين. خلال العقود القليلة الماضية تزايدت مشاركة الدول العربية بشكل عام في هذه المعاهدات الثنائية للاستثمار بهدف اجتذاب الاستثمار الأجنبي المباشر. تحتلّ مصر المرتبة الأولى بين الدول العربية والخامسة عالميًّا في هذه المعاهدات بمجمل 100 معاهدة!! تكون هذه المعاهدات عادًة بالنسبة للمستثمرين الأجانب كمظلة قانونية لحمايتهم غير المشروطة داخل البلاد، تتمّ هذه المعاهدات دون أي ربط بين شروط الحماية للمستثمر وأي مسؤولية من جانبه لتنمية البلاد أو غير ذلك. بالتالي تكون هذه المعاهدات في المقام الأول لمنفعة المستثمر الأجنبي وحده.
لا تتوقف المنفعة عند هذا الحد، فحين التوقيع على هذه الاتفاقية الثنائية بين مصر وأية دولة أخرى تصبح هذه الحماية من حق أي مستثمر يأتي في المستقبل من نفس الدولة. ولكنك ستتعجب أكثر عندما تعلم أن أي شركة لم توقع دولتها اتفاقًا ثنائيًّا للاستثمار مع مصر تستطيع بقليل من “الاحتيال” أن تأخذ هذه الحماية، كيف إذن؟
فقط تقوم بشراء أسهم في شركة بأحد الدولة الموقعة على المعاهدة الثنائية، أو عن طريق فتح صندوق بريد!! بهذا تُصبغ عليه حماية الحكومة المصرية كاملةً مثله مثل أي مستثمر آخر وقَّعت بلاده معاهدة استثمار ثنائية. لن يتوقف تعجُّبَك عند هذا الحدّ، فالشركات المتعددة الجنسية تستطيع تخطِّي أحكام القضاء المصري وأن تلجأ لآليات فض النزاعات بين المستثمر والدولة والتي تحكم بناءً على شروط معاهدات الاستثمار الثنائية، المجحفة بطبيعة الحال. بالطبع أن تكون مستثمرًا أجنبيًّا أفضل من أن تكون مستثمرًا مصريًّا في مصر!!
5ـ وهل هناك أمثلة على ذلك؟
بالطبع هناك أمثلة كثيرة، ذكرها التقرير. نذكر منها هنا رجل الأعمال المصري سياج قاضي مصر عبر التحكيم الدولي بناءً على امتلاكه جنسية إيطالية! تلقى سياج من الحكومة المصرية أكثر من 400 مليون جنيه مصري. حسب رئيس هيئة قضايا الدولة، تبلغ القيمة الإجمالية للتعويضات التي يطلبها المستثمرون الذين يقاضون مصر في قضايا دولية حوالي 100 مليار جنيه مصري. وتحتلّ مصر المرتبة الثالثة عالميًّا ضمن أكثر الدول تعرضًا للمقاضاة من جانب المستثمرين الأجانب.
بلغ عدد القضايا المعروفة – لأنَّ الحكومة لا تعلن عن الرقم الحقيقي- المرفوعة ضد مصر بموجب معاهدات الاستثمار الثنائية عبر المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار 25 قضية، منها 13 قضية رفعت بعد ثورة يناير 2011. وتواجه مصر مطالبات مالية من المستثمرين الأجانب تتخطي 20 مليار دولار سنويًّا. وحسب الأمم المتحدة فـ 68% من الدول التي تعاني من عواقب التحكيم الدولي هي من الدول النامية. بالطبع مصر دولة نامية!
يمكنك الاطلاع على نماذج أخرى لمقاضاة مصر أمام القضاء الدولي من قبل الشركات متعددة الجنسيات في تقرير المركز المصري.
6ـ هل من الممكن أن تذكر مثالًا واضحًا على تهرُّب هذه الشركات من الضرائب؟
بالطبع، هل سمعت عن الملاذات الضريبية الآمنة؟ إنها نوع آخر من التهرب من الضرائب بشكل “قانوني” بعض الشيء. بعض الدول تحتضن الشركات وأصحاب رؤوس الأموال الكبرى ولا تطلب ضرائب كبيرة، هذه الملاذات الضريبية تكون سرية وغير مسموح لأيٍ من مسؤولي البنوك في تلك الدول أن يبوحوا بأسرار حول الحسابات السرية ولا كم تبلغ. بالجملة تمثل هذه الملاذات الضريبية ملاذات الطغاة من الدول النامية والذين يكونون متهمين في قضايا فساد وتربح غير قانوني. وتشير بعض التقارير إلى أن نحو عشرين بالمئة من هذه الملاذات تقع تحت حكم التاج البريطاني، ما يجعل المملكة المتحدة في صدارة الدول التي توفر هذا النوع من الأنظمة الضريبية في العالم هل عرفت إذن ما هي هذه الملاذات الضريبية؟ الآن سنحكي قصة إحدى الشركات المتعددة الجنسيات، وكيف تهربت من الضرائب من خلال الملاذات الضريبية الآمنة.
شركة “القلعة البيضاء” الهولندية هي شركة قابضة استثمارية مقرها هولندا. بدأت عملها كصندوق استثمار خاص يقوم بشراء الشركات ويعيد هيكلتها لبيعها من جديد. حقق مستثمرو الشركة عائدات هائلة في أول ستَّة أعوام من عمل الشركة، فقد حققوا 2.2 مليار دولار حتى عام 2010 من شركات عاملة في قطاعات التعدين والتغذية بمصر والسودان وكينيا وإثيوبيا وجنوب السودان.
جزيرة فيرجن البريطانية
الشركة القابضة سجَّلت شركاتها في دول مُشتهرة بهذه الملاذات الضريبية، فقد سجلت الشركة 38 شركة من شركاتها بجزيرة فرجن البريطانية، بالطبع بريطانيا لديها اتفاقية استثمار ثنائية مع مصر، بالتالي الشركة الهولندية وبما أنها سجَّلت شركاتها في ملاذ ضريبي تابع لبريطانيا تتمتع بمميزات الشركات البريطانية. كانت ضرائب الشركة في مصر مليار و316 مليون و750 ألف جنيه مصري فقط. لكنَّ الشركة ولأنها مسجلة في ملاذ ضريبي تابع للتاج البريطاني دفعت فقط مليونين و270 ألف جنيه مصري!! أي أنها دفعت ما نسبته 0.2% فقط من إجمالي الضرائب المستحقة عليها؟
خسائر مصر الناتجة عن التدفقات المالية غير المشروعة والتهرب الضريبي تبلغ سنويًّا 68 مليار جنيه مصري. ويذكر التقرير أن أحد أكبر المستفيدين الرئيسيين من الشركات المسجلة في ملاذات ضريبية هو رجل الأعمال المصري حسين سالم.
7ـ ذكرت أن هذه الشركات متورطة في انتهاكات عديدة، هل من الممكن أن تذكر نماذج من تلك الانتهاكات؟
بالطبع، يذكر تقرير المركز المصري عدة حالات لانتهاكات الشركات متعددة الجنسيات لحقوق عمالها من المصريين تتمثل مشاكل العمال في: غياب عقود عمل، وانتشار الأعمال الخطرة، وعدم وجود رعاية صحية جيدة، ليس هذا فقط بل رصد التقرير بعض الانتهاكات القانونية كذلك، نذكر هنا ثلاثة نماذج:
1ـ شركة لافارج الفرنسية للأسمنت والإنشاء: كانت الشركة مملوكة لشركة أوراسكوم للإنشاء واندمجت عام 2007 في مجموعة لافارج الدولية. عُمَّال الشركة يشكون من انتهاك حقوقهم بشكل مستمرّ. المالك السابق للشركة نصيف ساويرس كان قد صرَّح بأن عُمَّال الشركة يستحقون 250 مليون جنيه مصري (44 مليون دولار) جراء عملية الدمج، لكنَّ العمال أكدوا أنهم لم يحصلوا على مليم واحد! في عام 2009 وبعد دمجها بسنتين فقط قامت الشركة بالتخلي عن العمال المرضى والمصابين دون سابق إنذار، بالإضافة إلى فصل العمَّال الذين ينشطون للمطالبة بحقوقهم. خمسة من العمال تم الضغط عليهم لمغادرة الشركة لأنهم ينشطون في المطالبة بحقوقهم، عندما لم يوافقوا تمَّ اتهامهم بالسرقة لإجبارهم على ترك الشركة.
تتحكم الشركات متعددة الجنسيات في 80% من صناعات الأسمنت في مصر.
نصيف ساويرس
انتهاك آخر قامت به الشركة يتمثل في عدم حصول العمال على نسبة 10% من عائدات الشركة، وهي النسبة المنصوص عليها لهم قانونًا، حصل العمال فقط على 2.5% من إجمالي عائدات الشركة.
2ـ شركة كارجيل: في مارس 2012 قام عمال الشركة الوطنية للزيوت النباتية التابعة لكارجيل بتأسيس اتحادهم العُمَّالي، نالوا نتائج مرضية مبدئيًّا، لكن الاتحاد انتهى تمامًا في أغسطس 2013 عندما أتت إدارة جديدة واعتبرت الاتفاق مع الإدارة السابقة باطلًا، وطبقت سياسات جديدة مجحفة للعمال دون أيَّة تعويضات. تبع ذلك عدة حالات تحرش بالموظفين للضغط عليهم وتهديدهم الدائم بتسريحهم من الشركة.
أدَّت كل هذه الأحداث بالعُمَّال للاعتصام وجاء رد الإدارة عنيفًا: إحالة 84 عاملًا من إجمالي 122 عاملًا بالشركة إلى عطلة ممتدة. استمر الاعتصام، فتم الاستعانة ببلطجية ومعهم كلاب لإزالة اعتصام العمال بالقوة، استمر العمال في اعتصامهم في ساحة انتظار السيارات بالشركة، لكن كارجيل أصدرت خطابات تسريح للعمال من كارجيل. مَثَّل هذا الموقف انتهاكًا واضحًا للقانون المصري.
3ـ تدمير قرية فارس القريبة من أسون: تمنع الكثير من دول العالم تكنولوجيا التصديع الهيدروليكي لأنها تتسبب في تلوث موارد مائية، لأنَّ هذه التكنولوجيا تعتمد على مواد كيماوية سامة ومسرطنة تتسرب إلى المياه الجوفية وتؤثر على التغير المناخي. شركتي “دانة غاز” الإماراتية وشركة “أباتشي” قد بدأتا عمليات التصديع الهيدروليكي في مياه النيل مباشرة. أدى هذا لتدمير قرية فارس القريبة من أسوان، والتي يبلغ عدد سكانها 25 ألف نسمة بسبب سيل من المياه الملوثة بعد قيام شركة دانة غاز بعملية التصديع. انهار سبعون منزلًا وأتلفت أفدنة من أشجار المانجو التي تعتبر المحصول الرئيسي للقرية. قامت الشركة بصرف تعويضات للمواطنين من أهل القرية، ولكن كم كان هذا التعويض؟ تراوحت التعويضات بين مائة جنيه ومائتين فقط!!
8ـ هل تستفيد مصر من فتح بابها للـ “مستثمر” الأجنبي والشركات متعددة الجنسيات؟
“لقد سمحت مصر عمليًّا لجذب الاستثمار الأجنبي أن يصبح غاية في حد ذاته، بدلًا من كونه هدفًا لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد”.
تستفيد الدول من تجارب الاستثمار الأجنبي دون شكّ، ولكن بشروط غير مجحفة لها. وهو ما ليس متحققًا لمصر وحكوماتها المتتالية منذ عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، وحتى حكومات ما بعد ثورة يناير 2011. على سبيل المثال تشترط بعض الدول كالصين على الشركات متعددة الجنسيات نقل الخبرة والكفاءة لعمَّالها، وتخضعها كذلك للقضاء، فلا تكون المنازعات عبر القضاء الدولي في أغلب الأحيان. وتفرض عليها ضرائب على أرباحها، كما تفرض عليها كذلك استثمار جزء من أرباحها داخل أراضيها لتكون الصين استفادت كما استفاد المستثمر الأجنبي.
تشير تجربة مصر مع الشركات المتعددة الجنسيات خلال العقود السابقة إلى تجربة سيئة جدًا على عدة مستويات. ويكفي للتدليل على عدم استفادة مصر أن نذكر أنَّها أدَّت إلى تفكيك الصناعات المصرية. عدد كبير جدًا من الشركات المصرية تم بيعها إلى شركات متعددة الجنسية. هذه الشركات العالمية تعهدت بزيادة القدرة الإنتاجية للشركات المصرية المُباعة وتوسيع نشاطاتها والحفاظ على الأرض والأصول في نفس النشاط والحفاظ على العمالة، ولكنَّ النتيجة كانت مخيبة للآمال فقد انخفض إنتاج هذه المؤسسات انخفاضًا هائلًا، بيعت أراضيها وأصولها كذلك على غير ما هو متفق عليه، وسُرّح عدد كبير من العاملين، وصف التقرير تسريح العمال بالـ “ممنهج” خاصة أن عددًا كبيرًا من المسرحين تم تسريحهم بإحالتهم على المعاش المبكر.
أبرز هذه الشركات المصرية المباعة، شركات: (عُمر أفندي، المراجل البخارية، النيل لحلج القطن، طنطا للكتان، غزل شبين، أسمنت أسيوط). وباستعراض ما آلت إليه هذه الشركات نستطيع أن نجيب على السؤال السابق: غرقت عمر أفندي في الديون، المراجل البخارية فككت هيكلها الإنتاجي وغيرت نشاطها بالكامل من إنتاج المراجل العملاقة التي تولد البخار لتشغيل محطات الطاقة إلى شركة تتعامل في الاستثمارات العقارية!! أما شركة بسكو مصر فقد تم بيعها رغم أنها ناجحة، فقد كانت تدر دخلًا سنويًّا يزيد على 60 مليون جنيه مصري.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق