أحدث الموضوعات
recent

التنوير.. أم العبث بالنصوص والحقائق؟


 


" إن العلم الوحيد، الذي نقر به، هو علم التاريخ . "


حتى أبرز هنا وان بشكل مكثف، بعض أهم النقاط ( وليس كلها )، التي أوردها الأخ " محمد الزاوي "، في مقالاته البالغة الأهمية " العابثون بالتراث " ( وفيها مناقشة لصرعات الموضة في المتاجرة بالنصوص الدينية باسم تنوير ما )، ويجب أن أذكر بما يذكر به الأخ الزاوي وكل التقدميون الرصينون هنا، أن الافكار ليست بذاتها صحيحة، بل هي صحيحة او خاطئة حسب شرطها التاريخي. 


ثم نبتدأ بالمقالة الأولى، والتي خصصت حول " الباحث " في مجال " الاصلاح الديني "، " سعيد ناشيد "، يلخص الأخ الزاوي مشروعه في عدة نقاط، نورد هنا بعضها ( بالاضافة لعرض من كتابه قواعد التدين العاقل ) :


1 - أولا، قوله بأن الأدوار الإيديلوجية ( وهي أدوار علائقية بالضرورة، هذا على الأقل ما وضحه مارسيا إلياس والذي نظر للدين بما هو أساسا أمكنة اجتماعية/أزمنة اجتماعية ) أن هاته الأدوار تتنافى حسبه والأدوار الانطولوجية للدين، وفي هذا اهمال متعمد للأدوار التاريخية التي لعبها الدين في " المجتمعات العريقة التدين " مثل المغرب ( لنتذكر دور الزوايا الصوفية الحاسم في مقارعة الامبرياليتين الفرنسية والاسبانية هنا على سبيل المثال لا الحصر ).


2 - إشاحته النظر عن صلات الوصل بين الحداثة الغربية والتراث العربي الاسلامي ( والذي يعد القرآن الكريم بمثابة المصدر الأساسي له )، فإن كانت صلة الوصل هاته قائمة في زمن الحداثة الغربية نفسها، فكيف لا تكون قائمة في زمن الحداثة العربية الاسلامية، أو في زمن الحداثة المغربية بالأولى؟


3 - معارضته " التداوي " بالقرآن وحكمته بالنسبة للشعوب العربية، الى " التداوي " بأقتباسات فلاسفة وأقوالهم. 


4 - قوله ان السياسة يجب ان تنبني على الخطاب العقلاني، لا على اساس الخطاب الديني، لأن الأخير يوظف من قبل زعامات وتنظيمات وأطراف سياسية لتبرير مصالحها، ويتناسى هذا القول كم من مصلحة يمكن تبريرها بألف قول " عقلاني " و " علمي " و " انسانوي " ( لنتذكر ان الاستعمار نفسه هو نتاج خطاب عقلاني معين يزعم نقل الحضارة التقنية والعلمية لمجموعة من الشعوب " المتخلفة او البدائية "، كما ان العولمة اليوم لا تتوقف عن ابتزاز شعوب وحكومات دول العالم الثالث او التدخل في شؤونها - عسكريا حتى - باسم نشر قيم العقلانية السياسية او الديمقراطية الحديثة او حقوق الانسان " الكونية " )، ( قد نضيف هنا لقول الاخ الزاوي ما تثبته الدراسات السيميائية metanarration , عن المقدمات اللاعقلانية للخطاب العقلاني نفسه، وان ما نصفه ب"الوهم" له منطق اشتغاله الذاتي ايضا ( بحوث السيكولوجية العادية ).


5 - قوله بتعددية الخطاب الديني : وهو هدم للعقيدة الجامعة ( بما هي جامعة للقيم الاخلاقية والروحية والجمالية ..الخ )، في عصر هو عصر " آلهة الرأسمالية المتوحشة "، والتي تنتعش وتحيى بالسيولة والتفكك والهدم والحروب والفتن...الخ


6 - القول بعدم وجود أسس دينية : ( وهو قول في منتهى العدمية المعرفية )، وهو استهداف للثابت المشترك والجماعي ( في وقت نحن في أشد الحاجة في ربط وشائج وصلات مشتركة مع الوجود الاجتماعي الذي ننتمي له، ما دمنا ربطنا مصيره التاريخي بمصيرنا )، وهذا القول يصدر كذلك عن تصور لعقيدة الفرد خارج ( تاريخه الخاص )، وترجيح لكفة الوجود على حساب التاريخ، فعوض أن يعي الفرد شرطه التاريخي بما هو " الاستعمار الجديد "  ليرتبط بالغيب على مقاس هذا الوعي ( وهذا أقصر الطرق نجاعة في رأيينا لأية تقدمية واعية في العالم العربي )، يطالبه ناشيد، ب"السكر الدائم في وجوده الأنطولوجي "  .


7 - قوله انه منع الاختلاط في صلاة المسجد، مظهر من مظاهر الانحطاط : من المعلوم ان الصلاة ( وكافة الطقوس الدينية ) هي نوع من التحوير الإيجابي والتسامي الممكن لطاقة الغريزة في الانسان، ان الصلاة بالأساس ترفع عن الشهوة، لكن ناشيد يريد ( بدعوى انوارية او تقدمية مزعومة ) ان يحولها إلى فضاء لتحقيق تلك النزوات نفسها، فعوض فهم كون الصلاة ( ولا حرج اخلاقي في هذا ) هي انقطاع عن الشهوة الجنسية بما تستوجبه من مكابدة شخصية، يريد سعيد ناشيد ان يحولها الى طقس من طقوس العودة للغابوية الأصيلة في الإنسان. 


النقاط المشار إليه، اعلاه، هي نزر من نقاط متعددة اخرى تطرق اليها الاخ محمد الزاوي في نقاشه، والتي عوض ان تتم مناقشتها، بغاية الدفع بالخطاب التنويري الحقيقي في مساره الصحيح ( من منظور التاريخ لا منظور التجريد، لأن ما قد يكون صحيحا في سياق تاريخي قد يكون خاطئا في سياق تاريخي )، عوض ان تتم مناقشتها بهدوء تم الاعراض عنها لتصفية حسابات سياسية مع الجريدة الناشرة، وهذا العويل، " عويل الحداثويين "، يحتاج وقفة سيكولوجية فيما بعد.


يتبع...


عبدالرازق بابا



زقاق النت

زقاق النت

ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.