الموقف المصري
- خلال الفترة اللي فاتت ومع بداية الحرب الروسية على أوكرانيا بدأ يحصل ارتفاع في أسعار كثير من السلع الغذائية في السوق، وغيرها من المنتجات زي العربيات والأجهزة الإلكترونية وغيرها.
- أسباب الارتفاعات دي متنوعة ومختلفة، وفي منها له مبرر منطقي، وفيه منها استغلال للظرف اللي حصل، لكن كلها بلا استثناء تقريبا بتأثيرات من الخارج.
- مع ارتفاعات الأسعار شوفنا كتير من الإعلاميين بيطالبوا الناس بأنها تصبر، وأنها تتقشف وأنها "تأكل بيض عادي مش أورجانيك"، وكتير من الكلام اللي مش بيراعي أنه إحنا شعب في 30% تقريبا منه تحت خطر الفقر وعلى الأقل 30% كمان يدوبك فوق خط الفقر بالعافية.
- إزاي ممكن نشوف أزمة ارتفاع الأسعار الحالية؟ وهل ممكن ترتفع تاني؟ إيه طرق التعامل معاها بشكل جيد بعيدا عن خطاب التقشف والصبر اللي بتطرحه الحكومة والإعلاميين؟ في البوست دا هنحاول بموضوعية نجاوب على كل الأسئلة دي
ليه بيحصل زيادة في الأسعار دلوقتي؟
- السلع الغذائية زي القمح مثلا مرتبطة بشكل أساسي بالحرب، روسيا وأوكرانيا منتجين كبار للقمح بالتالي أسعار القمح العالمية ارتفعت، وإحنا بنعتمد على 80 % من وارداتنا من القمح من الدولتين فطبيعي حالة الإضطراب اللي في السوق دي تنتج عندنا ارتفاع في الأسعار.
- ممكن نقول أها بشكل كبير لسه الشحنات دي بأسعارها القديمة وعندنا احتياطي في هيئة السلع حوالي 4 شهور دلوقتي، وممكن بعد توريد القمح المحلي يكون 8 شهور، لكن ده بيخلي المنتجين في القطاع الخاص يسعروا القمح بأسعار دلوقتي.
- ده بيتسمى تكلفة إحلال السلع، يعني ببساطة لو أنا مستورد اشتريت طن القمح قبل الحرب على 300 دولار، وببيعه بهامش ربح مثلا 20% بعد تكلفة النقل والشحن، فهفكر إزاي هوفر فلوس الطن الجاي في سعر 400 دولار تقريبا، وده بيخلي كل المنتجين تقريبا بيميلوا لأنهم يسعروا السلع بسعر دلوقتي.
- تحكم المنتجين في القطاع الخاص في الموضوع ده جاي بعد سنوات من تقليل هيئة السلع التموينية لاستيرادها للقمح، وتدريجيا بقى القطاع الخاص اللي بيسيطر على السوق، وخاصة الاستيراد. وبالتالي هو اللي متحكم في الأسعار.
- سلع تانية مثلا زي الذرة ارتفع سعرها وده نتيجة مباشرة للحرب، وبالتالي بترتفع أسعار البروتين الحيواني المعتمد على الذرة كعلف زي الفراخ واللحوم الحمراء والبيض، لكن نسبة الارتفاعات كانت كبيرة جدا، وفي أحيان كثيرة مرتبطة بنفس الفكرة بتاعة تكلفة إحلال السلع، لكنها برضة غير مبررة، وفيها كثير من التسعير المبالغ فيه من قبل التجار.
- السلع الإلكترونية والسيارات فيها أزمة موجودة بالفعل من قبل الحرب بسبب أزمات الرقائق الإلكترونية اللي بتخش في كثير من الصناعات دي، لكن ده لا ينفي أنه كثير من الحاجات فيها أسعار مبالغ فيها وخاصة في العربيات مثلا.
- عندنا بشكل عام ارتفاع مستمر في أسعار البترول وزيادة في تكاليف الشحن البحري بقالها أكثر من سنة مستمرة تقريبا.
- بالتالي مع الحرب وكل العوامل دي بنلاقي ارتفاع لمعدلات التضخم في العالم، في أمريكا وصل معدل التضخم لـ7.5% وهو معدل التضخم الأعلى من أربعين سنة وكل الاقتصادات في العالم تقريبا بتشهد معدلات تضخم.
- الأزمة دي من الممكن أنها تستمر، يعني مش معنى انتهاء الحرب أنه معدلات التضخم هتتراجع عندنا لمستويات الـ6-8%، لأنه ما زال في مشكلات مستمرة زي أزمات سلاسل التوريد وارتفاع أسعار الشحن البحري.
- بحسب تصريح رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، معدل التضخم الحالي في مصر نسبة 35% منه تعتبر تضخم مستورد، وتقديرنا أنه ممكن النسبة تكون أكبر من كده كمان بعد زيادات الأسعار الأخيرة.
- منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) توقعت في تقرير حديث أنه لو القدرة الشرائية للجنيه انخفضت بنسبة الثلث، يعني معدل تضخم 33% مثلا، فده هيعني أنه تقريبا 10% من المصريين هيكونوا غير قادرين على توفير غذاء صحي.
- ده بالإضافة إنه مصر بحسب تقديرات الفاو أساسا فيها 85% من السكان مش قادرين يوفروا طعام صحي بمعنى أنه يحتوي على العناصر الغذائية المختلفة في توزيع متوازن للسعرات الحرارية.
الحكومة هتعمل ايه يعني؟
- كل اللي فات ده يخلينا نسأل السؤال المهم وهو إيه دور الحكومة في الأوقات اللي زي دي. ممكن ناس تشوف أنه ده ظرف دولي يعني إيه المشكلة في الموضوع، ما كل دول العالم عندها تضخم.
- الحقيقة ده تبرير أو شماعة مش بتشوف أكثر من تحت رجليها في التفكير الاقتصادي، وده لأنه ببساطة اعتمادية الاقتصاد على استيراد السلع الغذائية المهمة بالنسبة لعموم سكان مصر هي اللي عملت كده، ودي مشكلة تانية أكثر تركيبا والحكومة مدانة في جزء كبير منها.
- يعني لو إنتاجنا والاكتفاء الذاتي من القمح والذرة والأعلاف الأخرى كويس مكناش هنشوف معدلات التضخم المرتفعة بكل السلع المرتبطة بيها.
- لو عندنا آليات رقابة فعالة على السوق من وزارة التموين وبقيت مؤسسات الدولة كنا هنمنع رفع أسعار السلع بالشكل ده في الوقت الصغير ده.
- لو عندنا آليات مناسبة لمكافحة الاحتكارات اللي بتحصل من بعض رجال الأعمال والشركات الكبيرة في السوق، خاصة في سوق السلع الاستراتيجية زي القمح والذرة والبيض والفراخ واللي هي أسواق فيها احتكارات كبيرة ومعروفة للكل في مصر، مش بنقول سر هنا.
- لو معندناش مشكلات في النمط الزراعي بتاعنا اللي فيه مزارع كبيرة بتزرع فواكة للتصدير زي البرتقال والفراولة وخضروات زي البصل والبطاطس، في حين أنه نسب الاكتفاء الذاتي من المحاصيل المهمة لينا قليلة، القمح تقريبا 45% - لـ50% مش بنزيد عن كده، الزيوت 30%. والفول 30% و57% للحوم الحمراء.
- بالمناسبة مثلا نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح دي دائما حاجة مبهمة والحكومة بتقول أرقام غريبة في أوقات كثيرة يعني مثلا في بيان أخير لمجلس الوزراء بيقول أنه نسبة الاكتفاء الذاتي حوالي 65%، وده فعلا رقم كبير لكن لما تبص في التفاصيل تلاقيهم قايلين أنه ده مخزون السنة دي اللي منه واردات يعني من قبل الأزمة بالإضافة لإنتاج السنة الجديدة، يعني حسبة مش بتطلع أرقام دقيقة.
- وحتى السلع اللي عندنا فيها اكتفاء ذاتي زي الدجاج والبيض وغيره بنلاقي تأثير الأسعار موجود فيها بسبب اعتماد السلع دي في الإنتاج على مدخلات مستوردة، زي اعتماد إنتاج الدواجن على الذرة الصفراء كعلف، وزي اعتماد المكرونة اللي المفروض إنتاجها كلي محلي يعني على أسعار القمح.
- بالتالي إحنا عندنا مشكلات كثيرة في السوق، وخاصة في سوق السلع الزراعية ، بتتجدد وبتظهر كل موسم، ودي مشكلة أعمق من التضخم المستورد دلوقتي من الأسعار العالمية وبتتطلب تدخل الدولة والحكومة في حل المشكلات دي.
- لازم نحل مثلا مشكلات التوريد في القطاع الزراعي، واللي لأسباب كثيرة فيها كوارث مش مشاكل، مثلا الفاقد في القمح في مصر بسبب الحصاد مثلا حوالي 10-15% من المحصول، كمان الوسطاء والتجار في كتير من المحاصيل سلسلة طويلة أوي، بالتالي السلعة على ما توصل للمستهلك النهائي بيتحط عليها ضعف سعرها اللي التاجر اشترى بيه من الفلاح.
- جزء مهم من الحفاظ على معدلات تضخم منخفضة هو إصلاح سلاسل التوريد دي، عن طريق تفعيل التعاونيات الإنتاجية والاستهلاكية مثلا وتقصير طول سلسلة التوريد دي، وبالتالي تقدر تتحكم بشكل أفضل في الأسعار.
- ارتفاع فواتير الاستيراد والأسعار في دول زي دولنا مش حاجة عابرة وبتخلص، لأنه بيؤدي إلى مزيد من الفقر واللامساواة الاجتماعية وتفاقم عجز الموازين التجارية.
نشوف إيه من كل ده؟
- ارتفاع الأسعار مش ظاهرة مفاجئة في مصر، ومينفعش نقول ده ارتفاع سعر عالمي هنعمل إيه يعني مش مشكلة الدولة ومش مشكلة الحكومة.
- وده لأنه ببساطة شديدة الأسعار كانت بترتفع في مصر في الفترة اللي فاتت ومن بعد التعويم تحديدا، معدلات التضخم في مصر مكنتش 3% مثلا زي الدول المتقدمة ولا حاجة، بالعكس في المتوسط وفي أخر 30-40 سنة في مصر متوسط معدلات التضخم 10% سنويا، وتاريخيا يعني أسعار الخضروات والفاكهة والعيش بترفع عادي، والعيش السياحي رفع من بعد التعويم بالمناسبة قبل كده، والبيض كان بيحصل فيه ارتفاعات وانخفاضات والدواجن وكل السلع تقريبا.
- التعامل مع المشكلة على أنها مفاجئة بينفي مسئولية الحكومة كليا، وبيلقي العبء على المواطن، وعشان كده بنشوف الإعلاميين زي عمرو أديب وأحمد موسى ولميس وغيرهم بيقولوا للناس متشتروش الحاجات دي وقللوا الاستهلاك.
- طبعا هنا لازم نقول إن استحالة يكون التضخم تأثيره على مواطن ألماني مثلا نفس تأثيره على المواطن المصري عشان الكلام عن الظروف العالمية والغلاء اللي في كل حتة، أو حتى في مصر نفسها استحالة تأثير التضخم على المذيع المليونير عمرو أديب نفس تأثيره على موظف بسيط.
- الحقيقة الخطاب ده وبعيدا حتى إنه طالع من إعلاميين مرتب كل واحد فيهم قد ايه، لكنه كلام خاطئ اقتصاديا. يعني لو نفس الإعلاميين بيقولوا أنه ده ناتج عن ارتفاع الأسعار العالمية للسلع فده يبقى تضخم من جانب العرض بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج والشحن وأسعار الطاقة وبالتالي مفيش منطق أنك تقول الناس لا تستهلكوا.
- وده ببساطة لأنه الطلب الاستهلاكي ده مهم للاقتصاد، الناس المفترض أنها تستهلك وتطلب سلع عشان الاقتصاد يشتغل، وإلا هنفضل في حالة الكساد اللي في البلد.
- الارتفاعات الموسمية في الأسعار ليها علاجات كثير، منها رقابة الدولة على السوق، ومنها حل مشكلات الاقتصاد نفسه اللي بتنتج الارتفاعات دي، ومنها إصلاح هيكلي للاقتصاد يرفع مستويات الإنتاجية في القطاعات المهمة زي الصناعة والزراعة.
- مشكلة ضبط الأسعار لازم يتم حلها بشكل يكون متناسب مع القدرة المالية للأفراد اللي هي محدودة إلى حد كبير.
- الحكومة بالفعل بدأنا نسمع عن تدخلات لضبط أسعار الرغيف السياحي وغيره، وهنا هنشوف المؤيدين بيكلمونا عن حلاوة الحكومة رغم إنهم من شوية كانوا بيقولوا هي الحكومة ممكن تعمل إيه.
- في حلول كثيرة موجودة في كتب الاقتصاد واتطبقت في أكثر من مثال للدول النامية مش جديدة يعني، السياسات العامة الاقتصادية مرتبطة بالتضخم، والتضخم ده مش حاجة السبب فيها المواطن المصري.
- الأولى بالحكومة أنها تدور ورا المشكلات الحقيقية في الاقتصاد واللي بتخلي الأسعار ترتفع مش كل ما يحصل ارتفاع في الأسعار نلاقي الرئيس بيقول "الحاجة اللي تغلي متشتروهاش" ده مش حل ودي مش طريقة لإدارة اقتصاد دولة كبيرة زي مصر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق