فرانز كافكا |
ذا ناشيونال – التقرير
لقد كان عامًا رائعًا في عالم الأدب. أثار النشر المفاجئ لرواية هاربر لي الجديدة “Go Set A Watchman” أو “اذهب أقم الحارس”، نقاشًا حادًا حول أخلاقيات نشر أعمال كانت مجهولة أو منسية في السابق.
خارج حدود أمريكا، ثمة شخصية أدبية سامقة باتت محور جدل عالمي يثير تساؤلات قديمة حول الهوية الثقافية لبلد صغير في الشرق الأوسط.
ملكية المخطوطات غير المنشورة والروايات التي كتبها فرانز كافكا الكاتب التشيكي اليهودي الذي يُعدّ أحد أعظم الكتّاب باللغة الألمانية في القرن العشرين، تثير غضب إسرائيل ضد ألمانيا.
ترك كافكا، الأديب المعذّب، مكتبه مليئًا بالمخطوطات غير المنشورة لصديقه المقرب ماكس برود، وهو مفكر بارز من براغ. وأعطى تعليمات صريحة بإحراق كل شيء بعد وفاته. تجاهل برود هذه الرغبات، وفي عام 1939 هرّب ممتلكات كافكا من براغ في حقيبة إلى فلسطين.
مع مساعدة من سلمان شوكن الناشر الألماني المولد من صحيفة هآرتس الليبرالية الإسرائيلية، نشر برود أعمال كافكا، بما في ذلك رواية “المحاكمة” ورواية “القلعة” وقصص قصيرة متنوعة.
ولأسباب غير واضحة، لم ينشر برود كل مخطوطات كافكا التي بحوزته كما أنه لم يسلمها للسيد شوكن. وكانت هذه الأعمال المتبقية هي التي أثارت جدلًا حادًا بين ألمانيا وإسرائيل حول من يملك إرث كافكا.
عندما توفي برود في عام 1968، حصلت سكرتيرته وحبيبته الإسرائيلية استير هوف، على باقي مخطوطات كافكا. ولكن، العدد الكامل من المخطوطات التي حصلت عليها من برود لا يزال غير واضح، ولكن يُقال إنها تضمنت مجموعة من النصوص غير المنشورة، والقصص القصيرة والمراسلات بين برود وكافكا وكتّاب بارزين في ذلك الوقت، منهم الكاتب النمساوي الكبير ستيفان تسفايغ، والذي كانت أعماله مصدر إلهام لإنتاج فيلم فندق جراند بودابست.
لقد كان وجود هذه المخطوطات غير معروف لأي شخص خارج أسرة هوف حتى عام 2007. وتم وضع المحتويات في صناديق الأمانات في تل أبيب وزيوريخ، وبعضها ظل في شقة هوف في تل أبيب. وفي عام 2007، ماتت هوف وتركت إرثها لبناتها، اللاتي أعلنّ أنهن يرغبن في بيع الأرشيف الكامل في ألمانيا.
وغني عن القول إنّ احتمال وجود مواد غير مقروءة وغير منشورة لكافكا هزّ العالم الأدبي، ولا سيما علماء اللغة الألمانية، الذين يرون أعمال كافكا كدعامة للغة الألمانية الحديثة.
في عام 1988، باعت استير هوف المخطوطة الأصلية لرواية “المحاكمة” إلى أرشيف الأدب الألماني في مارباخ من خلال تاجر مخطوطات سويسري، الذي اشترى رواية كافكا مقابل مليون جنيه إسترليني في دار سوثبي للمزادات في لندن.
في هذه المرحلة، لم يُذكر شيء عن المخطوطات غير المنشورة لكافكا. شراء رواية “المحاكمة” أوضح نوايا ألمانيا بشأن مجموعة أعمال كافكا والحفاظ على البقايا المادية لتراثه. في نظر الألمان، ينتمي إرث كافكا إلى ألمانيا وذلك بفضل مساهمته الضخمة في اللغة والثقافة الألمانية.
ومن ناحية أخرى، كان لبرود مشاعر أخرى بشأن المكان الذي تنتمي إليه أعمال كافكا. وكصهيوني متحمس، حاول برود عبثًا إقناع كافكا للانضمام إليه في الانتداب البريطاني على فلسطين، لكنّه رفض بشكل قاطع إمكانية أن يتم نقل ممتلكات كافكا الأدبية إلى أرشيف في ألمانيا. وكان قتل شقيقات كافكا الثلاث على أيدي النازيين قد أشعل الوضع. ومع ذلك، لم يُعط برود أي سلطة للقيام بدور الوصي على ممتلكات كافكا. في الواقع، أصدر تعليماته لحرق جميع المخطوطات.
عندما أعلنت أيف هوف، ابنة استير هوف، في عام 2007 أنها ستبيع الأعمال غير المنشورة إلى الألمان، تدخلت إسرائيل. بعد محاكمة طويلة انتهت الشهر الماضي، قضت محكمة إسرائيلية أن أعمال كافكا يجب نقلها إلى المكتبة الوطنية الإسرائيلية، وأنه يجب عدم إخراجها من البلاد. باسترجاع حجج برود، قال القاضي كوبي فاردي إنّه كيهودي، فإنّ أعمال كافكا تنتمي إلى إسرائيل؛ لأنها كانت ثروة ثقافية للشعب اليهودي.
ويستمر الكشف عن هذه الملحمة الاستثنائية. في عام 2007، تم اقتحام شقة أسرة هوف في تل أبيب على يد أشخاص مجهولين. وهذا الشهر، ضبطت الشرطة الألمانية مجموعة نفيسة من رسائل برود المهربة خارج إسرائيل. وتلتزم الشرطة الصمت حول مصدر الوثائق، ولكن هناك احتمال بأنّه تمت سرقتها في حادث اقتحام شقة هوف.
وبصرف النظر عن المكيدة واحتمالية وجود مخطوطات غير منشورة لكافكا، يبقى السؤال الذي تثيره هذه المعركة أحد الأسئلة العميقة في هذه القضية.
من الذي يملك أعمال فرانز كافكا؟ بالنسبة لإسرائيل، التي تصف نفسها باسم “الدولة اليهودية”، فإنّ أعمال كافكا تنتمي إلى إسرائيل. ولكن، ربما كان للكاتب أفكار مختلفة.
في حياته، غازل كافكا الفكرة الصهيونية لكنه رفض في نهاية المطاف احتمال انتقاله إلى فلسطين، ولم يشترك في صفوف تعلم العبرية الأساسية في براغ، ولكن يُقال إنّه تخلى لما أصابه اليأس. هوية كافكا متجذرة في أوروبا، وبالرغم من أنه قد يكون شعر بأنه كان على هامش المجتمع الأوروبي بسبب دينه؛ إلّا أنّه لم ينضم قط إلى المشروع الصهيوني في فلسطين، على الرغم من محاولات الإقناع المكثفة من زملائه المثقفين.
ولعل أفضل سؤال هو: لماذا تشعر إسرائيل بالحاجة إلى السيطرة والهيمنة على تراث اليهود غير الإسرائيليين؟ حقيقة أن الحركة الصهيونية كانت ولا زالت غير قادرة على إجبار غالبية يهود العالم للمشاركة في المحاولات الاستعمارية في بناء دولة في فلسطين، هي مصدر إحباط كبير في تل أبيب.
لذلك؛ تشعر إسرائيل بأنّها مضطرة للقتال على إرث كتّاب مثل كافكا في محاولة للمطالبة بملكية أعمالهم على حساب سمعتهم. وتزعم إسرائيل أنها الممثل الوحيد الدائم لليهود في كل مكان. وتبقى هذه الملكية الخاطئة من الثقافة اليهودية في قلب الحركة الصهيونية حتى تشعر في النهاية بالرضا التام عن نفسها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق