ترجمة: المثقف الجديد:
إننا نشهد تراجعاً للديانة المسيحية في الولايات المتحدة الأمريكية ,حيث يمكننا أن نرى وبوضوح كيف انخفض عدد الأمريكيين الذين يعتبرون أنفسهم مسيحيين ويحضرون الصلوات في الكنيسة, وكيف أن الناخبين الإنجيليين أصبحوا يشكلون العدد الأقل من بين الناخبين. إن جيل الألفية هذه ينأون بأنفسهم بعيداً عن المؤسسات الدينية سواء كانوا جماعات أو أفراد. لذا نرى أن أخطر وأشد النكسات التي تواجهها الديانة المسيحية هذه الأيام تتمثل في التراجع في عالم القيم. كما نرى كيف أن الثقافة الأمريكية قد تحولت بعيداً عن التوجه المسيحي الأرثدوكسي فيما يتعلق بالشذوذ الجنسي وممارسة الجنس خارج إطار الزواج ومنع الحمل وإنجاب الأطفال خارج إطار الزواج والطلاق وقضايا اجتماعية أخرى عديدة.
إن العديد من المسيحيين هذه الأيام يشعرون بالغربة عن الثقافة السائدة في مجتمعهم, كما أنهم يخشون بأنه سرعان ما سيتم نبذهم اجتماعياً وبالتالي ممارسة التفرقة العنصرية ضدهم ,وذلك بسبب تمسكهم بالتعاليم الدينية فيما يتعلق بزواج المثليين، كما ويخشون بأن تقوم كلياتهم بإلغاء شهاداتهم وأن تفقد مؤسساتهم الدينية الإعفاء الضريبي ,وأن يتم الاعتداء على حريتهم الدينية ليواجهوا مزيداً من التضييق.
لقد كان وقع قرار المحكمة فيما يتعلق بزواج المثليين يشبه الشيء الذي وصل إلى أقصى ذروته ليكون بمقدوره أن يوجه ضربته للبيئة المجتمعية الحالية المحاصرة. وأما رود دريهر مؤلف الكتاب المشهور والذي هو بعنوان" كيف يمكن لدانتي أن ينقذ حياتك" كتب مقالاً في صحيفة التايم قال فيه أنه قد حان الوقت للمسيحيين بأن يتراجعوا إستراتيجياُ , ويبقوا في مجتمعاتهم الخاصة والتي يستطيعون فيها أن يحافظوا على ما أسماه" نور الإيمان الذي يضئ عتمة الليل المحيط بهم" وأضاف يقول:" يجب علينا أن نتقبل حقيقة بأننا نعيش في دولة تمر ثقافياً في مرحلة ما بعد المسيحية, فمعايير وقواعد السلوك المسيحية التي عشنا في كنفها سنوات طويلة لم تعد موجودة الآن".
لقد لاحظنا أن معظم المعلقين المسيحيين اختاروا إستراتيجية أخرى ألا وهي إستراتيجية القتال. فالعديد ممن شاركوا في ندوة عقدتها مجلة First Thing حول القرار الذي أصدرته المحكمة لزواج المثليين الأسبوع الماضي طالبوا بالحكم في قرار الإجهاض المتعلق بالزواج. لقد ذكر روبيرت بيتر جورج الباحث في الجانب النظري والاجتماعي المحافظ والأكثر شهرةً وبراعة في البلاد بأنه ,وتماماً مثلما رفض لينكولن وبإصرار قرار دريد سكوت لذا وبحسب قوله فإنه:" يتوجب علينا أن نرفض ونقاوم ما يحدث من اغتصاب وتعد فاضح على القضاء". قرار دريد سكوت هو قرار ينص على أنه لا يجب اعتبار الأمريكان ذوي الأصول الأفريقية سواء كانوا عبيدا أو أحرارا مواطنين أمريكيين.
يبدو أن هؤلاء المحافظين يخوضون ومنذ عقود طويلة حرباً ثقافيةً يقاتلون فيها على قضايا نشأت عن الثورة الجنسية. كما أن معظم المعلقين المحافظين الذين قرأت لهم في الأيام القليلة الماضية كانوا قد قرروا مواصلة القتال. لا علاقة لي بالناس الذين كنت قد تحدثت عنهم فيما يتعلق بمعظم تلك القضايا الاجتماعية المثارة في المجتمع ,ولكني آمل أن يعتبروني صديقاً لهم ويحتفون بي.
ومن هذا المنطلق أود أن أطلب منهم النظر في التغير الحاصل في هذا المسار, وأن يأخذوا في اعتبارهم إنهاء الحرب الثقافية التي نعيشها وهي الحرب الموجهة نحو الثورة الجنسية, وأن يقرروا إنهاء حرباً ثقافية أدت إلى عزل الغالبية العظمى ممن ينتمون إلى ثلاثة أجيال عن الدين أو المعتقد, وأن يضعوا جانبا كل جهد من شأنه أن يؤدي إلى كارثة فيما يتعلق بالتواصل بين البشر وأن يقللوا من الإيمان ذي الفكر الخصب والمعقد والحسن في مقابل الهاجس العام المتعلق بالجنس, وأن يعملوا على إنهاء حرب ثقافيةً ربما يكونون الخاسرين فيها على الأقل على المدى القريب.
كما يبدو من الأفضل أن يأخذوا بعين الاعتبار حرباً ثقافيةً مختلفة, حرباً تكون ذات طابع وسطي في الدين وقوية أكثر بشهادتها المقنعة. إننا نعيش في مجتمع يعاني من كونه مجتمعا بلا هوية محددة إضافة إلى تدفق التطرف إليه, حيث نشهد بنية اجتماعية تعيش حالة من التوتر والإنهاك والتزامات تعاني الكثير. فمجتمعنا يوجد فيه الملايين من الأطفال الذين يعيشون في حالة من التوتر.
كما أن العديد من المجتمعات قد خسرت رأس مالها الاجتماعي, هذا بالإضافة إلى العديد من الشباب الذين يكبرون في بيئة متحررة جنسياً و بيئة اجتماعية بربرية بسبب عدم وجود معايير مشتركة. إن العديد من البالغين يشعرون بالحاجة لأن يكون لحياتهم معنى, فهم يعيشون حياة تفتقر للروح. إن باستطاعة المحافظين الاجتماعيين أن يساعدوا في إعادة نسج المجتمع من جديد, كونهم يساهمون في خلق الإيمان الذي يعزز الحب الخالي من مشاعر الأنانية, كما باستطاعتهم أن يكونوا مثالاً للالتزام, وأن يكونوا مسلحين بالفكر الذي يمكنهم من تمييز الحق من الباطل و التفريق بين ما يرفع من شان الإنسان وما يحط من قدره.
أنهم يقومون شخصياً بتقديم المساعدة المالية للفقراء ورعاية الأيتام. إن الوجه الظاهري للمحافظة الاجتماعية سيتمثل في أولئك الناس الذين يذهبون إلى المناطق التي يوجد فيها المحرومون , ويقومون بتشكيل منظمات تساعد في رعاية الأسر المستقلة. أولئك هم الذين يبنون مؤسسات المجتمع في المناطق التي يعيشون فيها حتى وإن كانوا قلة . أولئك هم الذين باستطاعتهم أن يساعدونا لمعرفة كيف يمكن للبطالة الاقتصادية والفقر الروحي تعزيز بعضهما البعض. وهم الذين يتناقشون معنا حول الغلو في الحياة اليومية.
إن هذه الحرب الثقافية هي حرب الفيلسوف ألبرت شفايتزر و الناشطة الاجتماعية دوروثي دي أكثر من كونها حرب القس المسيحي الأصولي جيري فالويل والمبشر المسيحي فرانكلن جراهام. كما أنها الحرب التي تمتلك جيشاً يسمى جيش الخلاص أكثر من كونها تحمل شكل الأغلبية الثقافية. إنها تأخذ الشكل العام و بصورة هادفة أكثر من كونها تأخذ الشكل الخاص الذي يتبناه المحافظون الاجتماعيون.
إنني لا أتوقع أن يغير المحافظون الاجتماعيون وجهة نظرهم حيال الجنس وبالطبع فإن القتال حول مفهوم الزواج يمكن أن يُنظر له على أنه تلك الجهود المبذولة لإعادة نسج المجتمع من جديد. ولكن أرى أنه لا يمكن التراجع عن الثورة الجنسية في الوقت القريب. إن النضال الأقرب إلى كونه عملياً يتمثل في إصلاح مجتمع بات متشتتاً وقاسياً ولا رحمة فيه. إن المحافظين الاجتماعيين مجهزون, وباستطاعتهم أن يصلحوا هذا النسيج الممزق ,وأن يكونوا هم الرسل الذين ينشرون المحبة والكرامة ويكونون مثالاً للالتزام والتعاون والرحمة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق