ما هو سبب انهيار البورصة الصينية؟


فوكس  – التقرير
هوت البورصة الصينية خلال الشهر الماضي، وأصيبت الحكومة بالهلع جراء ذلك؛ لتتخذ خلال الأسبوع الماضي عدة تدابير استثنائية في محاولة لوقف تراجع السوق والتقليل من آثار هذا التراجع، فيما انخفض مؤشر شنغهاي 5.9 %؛ ليصل إجمالي الخسائر في السوق إلى 32% في أقل من شهر.
سواء كان الانهيار هذا مجرد تصحيح للأوضاع بعد عام من المكاسب الكبيرة، أو أنه أول علامات وجود مشاكل أعمق في الاقتصاد الصيني، فمكاسب الأسهم الصينية التي ارتفعت العام الماضي لم تعكس مكاسب اقتصادية؛ وهو ما خلق جوًا من عدم الاستقرار وشعور المستثمرين بالخطر؛ خوفًا من الخسائر الضخمة التي قد يمنون بها مع انخفاض السوق.
كان الاستثمار بالأموال المقترضة يخضع لقيود شديدة في الصين؛ إلا أن السلطات قد خففت منها تدريجيًا ومن اللوائح المنظمة لها منذ 2010. حتى في خلال الفترة تلك، وجد الشعب الصيني سبلًا مبتكرة للتهرب من هذه اللوائح، حتى انخفاض الأسهم في البورصة في الشهر الماضي كان بعد جهود بذلتها السلطات الصينية لكبح جماح هذا النوع من الاستثمارات المضاربة؛ إلا أن الحكومة قد تراجعت الأسبوع الماضي عن مساراها وبدأت في تعزيز أسعار الأسهم مرة خرى.
المأزق الصيني الحالي يشبه الوضع في الولايات المتحدة عام 2007 عندما انتشرت الاستثمارات المالية السيئة والمحفوفة بالمخاطر، وهو ما خلق انتشارًا لخطر الانهيار، والذي توسع من البورصة إلى الإقتصاد الصيني الذي لا يعدو كبيرًا كالأسواق المالية في الدول المتقدمة.
المستثمرون استخدموا الأموال المقترضة لرفع أسعار الأسهم
انخفض شنغهاي المركب بنسبة 5.9% يوم الثلاثاء ليصل إلى 3.507؛ لينخفض بنسبة 32% عما حققه في يونيو؛ حيث وصل لـ5.166. ورغم ذلك؛ فإن مؤشر شنغهاي المركب يظل 70% أعلى من مستواه قبل عام.عندما بدأ الازدهار الأخير لسوق الأسهم في الصين.
وتختلف الطفرة في سوق الأوراق المالية في الصين عن تلك التي سبقتها، التي استمرت ما بين عام 2005-2007، وتزامنت مع النمو السريع للاقتصاد الصيني. وعندما تباطأ الاقتصاد الصيني عام 2008، انخفض سوق الأسهم معها. فليس من المستغرب أن ترى الأسهم ترتفع في الظروف الاقتصادية الجيدة وتهبط في الركود الاقتصادي، ولكن الأمر مغاير في الطفرة الأخيرة؛ حيث ارتفعت سوق الأسهم منذ منتصف 2014 رغم بطء النمو الاقتصادي.
ويرجع ذلك إلى أن كثيرًا من الناس بدؤوا بشراء الأسهم بأموال مقترضة، تلك الممارسة المعروفة بـ”التداول بالهامش”، وهو الأمر الذي كانت تنظمه الحكومة الصنية بدقة؛ إلا أن السلطات قد خففت من القيود المنظمة تدريجيًا على مدى الخمس سنوات الماضية في الوقت الذي وجد فيه الناس طرقًا غير مسبوقة للتهرب من القيود والمتطلبات؛ وهو ما جعل الرهانات أكثر خطورة مما تسمح به القواعد الرسمية.
فأغُرقت سوق الأسهم الصينية ما بين يونيو 2014 إلى يونيو 2015 بالأموال المقترضة؛ وهو ما ساعد على رفع أسعار الأسهم بزيادة 150% خلال تلك الفترة.
ولتتسبب أيضًا في تضخم المقدار الرسمي للتداول بالهامش في سوق الأسهم الصينية من 403 مليارات يوان إلى 202 تريليون يوان، وهذا الرقم لا يؤخذ في الاعتبار إذا تم حساب مبالغ الاستثمارات الطائلة التي يتم التعامل فيها من الأبواب الخلفية.
لماذا الصين اليوم تشبه أمريكا في عام 2008
عُرفت ممارسة الاستثمارات بالأموال المقترضة، وكانت أكبر مسببات الأزمة المالية لعام 2008 بالولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال: قامت البنوك الكبيرة بوضع رهانات عالية الاستدانة على رهون عقارية محفوفة بالمخاطر استنادًا على توقعات عقارية مفعمة بالتفاؤل، وعندما بدأت أسعار العقارات في الانخفاض خسرت البنوك أموالها بشكل أسرع؛ وهو ما وضع رؤوس أموالها الخاصة على المحك.
وهو ما قام به الأفراد في الصين بالدخول في استثمارات عالية الاستدانة، رغم ما أشار إليه يان ليانغ -الخبير الإقتصادي في جامعة ويلاميث- وهو أن الأصول التي تحيطها المخاطر في الصين للأفراد وليست للمؤسسات المالية.
البنوك الصينية تقدم منتجات لإدارة الثورات (WMPs) والتي تعد بتأمين حساب التوفير لكن مع عوائد أعلى، وبعض WMPs تعمل مثل صناديق أسواق المال الأمريكية التي تقدم عوائد أعلى بشكل طفيف من خلال الاستثمار في الأصول الآمنة مثل سندات الشركات والحكومة ذات الجودة العالية؛ لكن في حالات أخرى تستثمر البنوك الأموال بطرق أكثر خطورة.
في الولايات المتحدة تأثرت المؤسسات المالية الكبيرة من الاستثمارات المحفوفة بالمخاطر لتتعثر ويتطلب الأمر خطة إنقاذ. لكن الأمر في الصين يخص الأفراد، الذين سترهقهم معظم التكاليف إذا خسروا الرهانات. قد يكون ذلك خبرًا سارًا للاقتصاد ككل؛ لأنه يعني أن المؤسسات المالية أقل عرضة للتدمير، لكن ملايين أبناء الشعب الصيني من الطبقة المتوسطة الذين سيفقدون مدخراتهم هو ما قد يمثل خطرًا سياسيًا على الحزب الحاكم في الصين.
الجهات الصينية التنظيمية حاولت كبح جماح الاستثمارات بأسهم الاستدانة
نبه الارتفاع الكبير في أسعار الأسهم السلطات الصينية في وقت مبكر من العام الجاري، واتخذت بالفعل خطوات لكبح جماح التداول بالهامش وغيرها من أشكال الاستثمار بالاستدانة. ففي أبريل، بدأت الهيئات التنظيمية تضييق الخناق على استخدام WMPs لتمويل الاستثمارات في سوق الأسهم، وشمل ذلك فرض حظر استخدام الوسطاء أداة مالية تسمى “مظلة الثقة” لمساعدتها العملاء على التهرب من قيود التداول بالهامش.
وجاءت أصعب الإجراءات التي اتخذتها الحكومة في 12 يونيو، عندما أعلن المنظمون الصينيون حدًا جديدًا للمبلغ المالي الذي يستخدمه الوسطاء في أسهم إقراض الهامش، وحظر المتاجرة بنظام الهامش غير المشروع من خلال آليات مثل مظلة الثقة؛ ومنذ تلك اللحظة بدأت الأسهم الصينية في التهاوي.
الحكومة الآن مذعورة وتحاول وقف تراجع أسعار الأسهم
تلك الجهود التي تحاول إبطاء طفرة سوق الأسهم في الصين يبدو أنها تعمل بشكل جيد بالنسبة لما يراه المسؤولون الصينيون. فقد انخفضت أسعار الأسهم الآن وتحاول الحكومة إعادتها.
في يوم الخميس الماضي، أعلن منظمو الأوراق المالية الصينيون أنهم سيخفضون مرة أخرى المبلغ المطلوب لفتح حساب الهامش التجاري (كان هذا الحد تم تخفيضه قبل عامين؛ إلا أنه رفع في يناير)، بينما قامت 21 شركة سمسرة صينية كبرى بنشر إعلان منسق؛ حيث تعهدوا بشراء أسهم صينية بقيمة 120 مليار دولار للمساعدة في تحقيق الاستقرار في السوق، كما تعهد الوسطاء بالحفاظ على شراء الأسهم، كما ألغت 28 شركة يملكها القطاع الخاص خططًا لعقد الاكتتابات العامة الأولية وكل تلك التحركات بناءً على طلب من الحكومة الصينية.
وأعلن البنك المركزي الصيني أنه سيضخ سيولة في شركة مملوكة للدولة وتمول التداول بالهامش، كما أذن لشركات التأمين بشراء المزيد من الأسهم وعرض المزيد من القروض لمساعدة الناس على شراء الأسهم.
إلا أن السوق تجاهل هذه التدخلات ليخسر مؤشر شنغهاي المركب بنسبة 1.3% يوم الثلاثاء وبنسبة 5.9% إضافية يوم الأربعاء.
لماذا فقد الأفراد صوابهم بعد انهيار البورصة؟
في الظروف العادية، خسارة سوق الأوراق المالية لا تعتبر كارثة كبيرة، ستكون الاستثمارات محفوفة بالمخاطر لكن السوق سيظل في طريقه حتى يتعافى ويعود لمستواه قبل عام. لكن هناك بضعة أسباب للحكومة الصينية تجعلها قلقة حول انخفاض الأسعار في الآونة الأخيرة.
أحدها: مدى انتشار المتاجرة بنظام الهامش في الصين. فقد قصرت الحكومة التعامل به قبل سنوات على الأثرياء، لكن هذا الربيع فتح 20 مليون شخص حسابات في سوق الأسهم من أجل القفز على عربة المقامرة في سوق الأوراق المالية عن طريق التداول بالهامش واستثمارات الاستدانة.
فالاقتراض يضخم المكاسب حين يرتفع السوق. لكن، بمجرد أن يبدأ سوق الأسهم في الانخفاض تتضخم الخسائر أيضًا. وفي كثير من الحالات يدخل المواطنون الصينيون العاديون في استثمارات محفوفة بالمخاطر باستخدام مدخراتهم، ويلجؤون في بعض الأحيان لرهن منازلهم. هؤلاء المستثمرون المبتدئون قد يصابون بالغضب من فقدان مدخراتهم؛ فانهيار السوق بخلاف ما حدث في 2008 قد يخلق رد فعل شعبي واسع ضد السلطات في البلاد التي لا تمارس الديمقراطية، كما أن الحكومة ما زالت حساسة تجاه الرأي العام؛ فتلك الاضطرابات الاجتماعية قد تؤدي لثورة أو انقلاب.

   

زقاق النت

زقاق النت

مواضيع ذات صلة:

ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.