>> السيناريوهات المنتظرة: الإطاحة بالسيسي.. صراع الجيش والثورة.. إغلاق الميادين
>> خدعة 11 فبراير والعنف الأمني وبث الفتنة بين الثوار.. تحديات ينبغي تجنبها
>> لهذه الأسباب.. يبدو سيناريو التخلص من السيسي هو الأقرب للتحقق
كتب: عبدالرحمن كمال - نون بوست:
حالة من الترقب والتأهب والانتظار في كافة أنحاء مصر لما سيحدث في يوم 25 أبريل المقبل، وهو الموعد الذي حددته قوى وتيارات وحركات وشباب مستقل للخروج مجددا لرفض تفريط عبدالفتاح السيسي في جزيرتي تيران وصنافير لصالح الكفيل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز.
ويعتبر 25 أبريل هو الموجة الثانية لجمعة الأرض 15 أبريل الماضي، التي شهدت إقبالا جماهيريا كبيرا وصادما لنظام السيسي، في إطار التصعيد الشعبي ضد تنازل السيسي عن أراض مصر بالإضافة إلى حالة الفشل الذريع لنظامه على مختلف الأصعدة سياسيا واقتصاديا وامنيا وحقوقيا.
وفي ظل حالة الاهتمام البالغ من قبل جميع الأطراف لما قد تؤول إليه الأحداث في 25 أبريل المقبل، بين من يراه امتدادا جديدا لثورة يناير قد يؤدي إلى الإطاحة بالرئيس عبدالفتاح السيسي، وأطراف أخرى ترى أن اليوم سيكون امتدادا لمعركة الثورة الأصلية بالقضاء على الثورة المضادة المتمثلة في المؤسسة العسكرية التي تسيطر على البلاد منذ 1952، وسط تحذيرات من الانخداع مرة أخرى بتمثيلية 11 فبراير 2011، وأطراف ثالثة أقل تفاؤلا ترى أن المؤسسة العسكرية لن تتخلى عن مكتسبتاتها وثروات مصر التي تحولت إلى جيوب قادة الجيش عبر حزمة من القوانين التي مكنت الجيش من مصر واقتصادها، بفضل رجلها السيسي.
في هذا التقرير سنحاول وضع مجموعة من السيناريوهات المتوقعة لما قد يحدث في 25 أبريل، وكذلك مجموعة من التحديات التي قد تقف حجر عثرة في طريق عودة الثورة إلى مسارها الطبيعي مرة أخرى
سيناريوهات محتملة
السيناريو الأول: الإطاحة بالسيسي
وهو أقوى السيناريوهات المطروحة حتى الان، والذي يلاقي صدى كبير وسط معسكر الثورة، كما يسبب هاجسا مرعبا لكافة أركان نظام السيسي وبالأخص أذرعه الإعلامية.
يعتمد السيناريو بشكل أساسي على الخروج الشعبي بشكل مكثف يتخطى الخروج في 15 أبريل الماضي، مدفوعا بحالة السخط الشعبي المتزايد بسبب مجموعة من الأسباب التي ربما لم تتجمع في مصر منذ فترة كبيرة، وكانت كفيلة بإذابة جليد الخلاف بين التيارات السياسية ولو لفترات صغيرة، بالإضافة إلى حالة التواصل الكبير بين شباب الثورة وحزب الكنبة او الأغلبية الصامتة، وهم تلك الكتلة الحرجة التي كانت تكتفي فقط بمشاهدة ما يحدث في مصر دون محاولة التدخل أو التعبير عن رأيها في سير الأحداث.
ما يعزز هذا السيناريو مجموعة كبيرة من الأحداث المتفرقة والمرتبطة ببعضها البعض في آن واحد، يمكن اختصار هذه الأحداث فيما يلي:
1- تفريط السيسي وتنازله عن أرض مصر لصالح كفيله السعودي، بالإضافة إلى إصراره على تحدي إرادة الشعب ومحاولته الفاشلةفي لي الحقائق من اجل تبرير هذه الجريمة.
2- الاقتصاد المنهار المتمثل في عدة مظاهر على رأسها الارتفاع الجنوني في أسعار السلع والخدمات، وحالة الموات التي أصابت الجنيه أمام الدولار الذي يتوقع ان يصل إلى 15 جنيها في السوق الموازية ما يلقي بظلاله على مستوى المعيشة في مصر التي تستورد اكثر من 90 % من احتياجاتها الأساسية.
3- حالة السعار التي استشرت في وزارة الداخلية التي صارت انتهاكاتها اليومية ضد المواطنين بمثابة عرف معتمد، وما زاد الطين بلة دفاع السيسي المستميت عن هذه الانتهاكات وإصراره على وصفها بأنها مجرد حالات فردية!!
4- الحصار الغربي المشدد على السيسي على خلفية فضيحة قتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني على يد قوات الأمن، والمتمثل في الحرب التي تشنها إيطاليا ضد نظام السيسي وهو ما اتضح بشكل جلي في بيان البرلمان الأوروبي، ومطالبة بريطانيا ومن بعدها أمريكا بتحقيقات شافية في الحادث.
5- الصراع الطاحن بين أجهزة الدولة السيادية، ولاسيما بين المخابرات العامة والمخابرات الحربية، خاصة ان الأخيرة تمثل يد السيسي الباطشة والآمر الناهي بين أجهزة مصر الأمنية منذ اندلاع ثورة يناير، وكانت آخر صور هذ ا الصراع ما نقلته وكالة رويترز عن مصادر بجهاز المخابرات العامة بأن ريجيني قتل في مقر تابع للأمن الوطني بالقاهرة، ما يكذب بشكل قاطع رواية نظام السيسي عن الحادث، وما يتبع ذلك من حصار متزايد على السيسي.
6- حتى الآن، لم تعلق المؤسسة العسكرية على تفريط السيسي في الجزيرتين المصريتين، وهو ما يراه البعض علامة على رفض المؤسسة العسكرية للصفقة برمتها، وأنها تراهن على الخروج الشعبي في 25 أبريل المقبل، لتحديد ردة فعلها: هل ستكتفي بإلغاء الصفقة أم سيجبرها الضغط الشعبي على التخلي عن ابنها البار عبدالفتاح السيسي؟
7- غياب السيسي عن الندوة التثقيفية التي تنظمها القوات المسلحة والتي كان موعدها يوم الخميس، ما أثار العديد من التساؤلات عند المواطنين ، أولاً لأن السيسي كان حريصاً علي الحضور في كافة الندوات السابقة التي كانت تنظمها القوات المسلحة، وكانت كلمته خلال الندوة دائما ما يتحدث فيها عن الشأن العام والازمات التي تواجه المجتمع .. بل ان الاخبار التي انتشرت بالأمس كانت تؤكد حضور السيسي والقاءه لكلمة حول الشأن العام؟!
إذن، يمكن القول أن هذا السيناريو يرجح بشكل كبير أن يتم الإطاحة بالسيسي على طريقة التخلي عن المخلوع مبارك، على طريقة 11 فبراير مرة أخرى، لاسيما إذا عجل الجيش بالتخلص من السيسي دون إراقة أو سفك دماء الشعب، وهو الأمر الذي إذا حدث، يدفعنا إلى السيناريو الثاني الأكثر عنفا.
السيناريو الثاني: الجيش في مواجهة الثورة
يعتمد هذا السيناريو بشكل كبير على محاولة الجيش الدفاع عن ابنه البار الذي مكن المؤسسة العسكرية من مقدرات وثروات البلاد، بشكل يفوق في دمويته ما حدث في الأيام الـ 18 في يناير وفبراير 2011.
حظوظ هذا السيناريو يصعب التكهن بها، بالنظر إلى الشواهد التي أوردناها في السيناريو الأول، إلا أن ما نعرفه جيدا عن المؤسسة العسكرية أنها لن تضحي بكل ما اكتستبه بعد ثورة يناير وانها لن تقبل بأي حال من الأحوال التنازل والعودة إلى الخلف والخروج من المشهد السياسي، وهنا تكمن الخطورة.
أخطر ما في هذا السيناريو أنه سيضع الجيش المصري في مواجهة صريحة واضحة مع الشعب المصري، الذي بدأت ثقته في الجيش تتزعزع على مر العامين الأخيرين، وهو ما زاد بعد كارثة تنازل السيسي ذي الخلفية العسكرية عن أرض مصر، وهو ما يرسخ في أذهان المصريين أن الدافع الوحيد لتقدير الجيش(وهو الدفاع عن الأرض) لم يعد موجودا وبالتالي فلا معنى لقدسية أو احترام المؤسسة العسكرية، طالما أنها لم تتحرك للقيام بواجبها المنوط بها.
لكن سكوت المؤسسة العسكرية حتى الآن يضفي مزيدا من الغموض والصعوبة على التكهن بما تنتويه في 25 أبريل، فصمت قادة المؤسسة العسكرية حتى الآن قد يراه البعض رفضا لقرار السيسي، فيما يرده البعض الآخر إلى موافقة الجيش على التنازل عن الأرض المصرية.. ولكل من الفريقين حجته وأسبابه.
خطورة هذا السيناريو كما نوهنا تعود إلى أنه يعني بالضرورة دخول الجيش في خط العداء الواضح للشعب والثورة، عبر الاستماتة في الدفاع عن السيسي ورفض التنازل عن جريمة بيع الجزيرتين، وهو الخطوة التي ربما كان من الممكن أن تحدث في 11 فبراير 2011، إذا تمسك الثوار وقتها بضرورة خروج كافة أركان مبارك (وعلى رأسهم المجلس العسكري) من المشهد، لولا خدعة «الجيش حمى الثورة والجيش والشعب ايد واحدة» بالإضافة إلى انعدام وعي الجماهير وانعدام ضمير الذين تصدروا المشهد الثوري منذ فبراير 2011.
ما يقلل من حظوظ الانخراط في هذا السيناريو الخطير هو الدعوات التي أطلقها كتاب على صلة وثيقة بأجهزة الدولة السيادية، وعلى رأسهم بالقطع عماد أديب الذي حذر من انقسام الجيش على خلفية جريمة بيع الجزيرتين، وهي ربما تكون صيحة تحذير من داخل الجيش أكثر من كونها مقال.
الحديث عن هذا السيناريو ربما يطول في ظل حالة الغموض التي تكتنف موقف الجيش من جريمة بيع الجزيرتين، وكما قال الفيلسوف اليوناني سقراط : «تكلم حتى أراك» فإن تحديد موقف الجيش من 25 أبريل أمر بالغ الصعوبة طالما أن قادته لم يفصحوا بعد عن موقفهم من بيع أرض مصر، وبالتالي يصعب من تحديد أي من السيناريوهين السابقين هو الأكثر قابلية للحدوث.
السيناريو الثالث: إغلاق شوارع وميادين مصر في وجه الثوار
يعتمد هذا السيناريو على الخبر الذي نشرته «جريدة الشروق» التي يرأس تحريرها الكاتب الصحفي عماد الدين حسين وثيق الصلة بجهاز المخابرات الحربية والرئيس السيسي نفسه.
اللافت للأمر أن جريدة الشروق حذفت الخبر الذي نشرته بعد ساعات من نشره، بالتزامن مع إصدار مؤسسة الرئاسة بيانا ينفي صحة الخبر.
ونشرت جريدة الشروق عن مصادر مطلعه، قولهم إن السيسي، أعرب عن غضبه من السماح بتمديد المظاهرات في البلاد، يوم الجمعة الماضية، كما أعرب عن رفضه لتظاهرات الإثنين المُقبل، التي دعت لها القوى السياسية احتجاجًا على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية.
وأشارت «الشروق» إلى أن الأيام الماضية شهدت سلسلة لقاءات السيسي وكبار معاونيه وبخاصة مسئولي الملف الأمني لبحث تداعيات المظاهرات، التي شهدتها القاهرة وعددا من المحافظات يوم الجمعة الماضية تحت شعار «جمعة الأرض هي العرض» للتنديد باتفاق ترسيم الحدود مع السعودية.
وقالت مصادر مطلعة: إن الرئيس أعرب عن غضبه من السماح بتمدد المظاهرات يوم الجمعة، وأكد لمساعديه أنه لن يقبل بتكرار مشهد الجمعة الماضي مرة أخرى يوم الاثنين ٢٥ أبريل في ظل دعوات متزايدة في أوساط الشباب وقطاعات سياسية متنوعة للتظاهر احتجاجا على ترسيم الحدود.
ورفضت المصادر التي تحدثت لـ«الشروق» القول ما إذا ما كان الرئيس قد ذهب إلى حد اتهام بعض من قياداته بالتقصير إلا أنها قالت: إن هناك حديثا متزايدا في أوساط رسمية وغير رسمية عن التعامل الأمني «اللين» مع المتظاهرين في «جمعة الأرض».
وبحسب أحد مصادر «الشروق» الأمنية فإن الأمر في أحيان كثيرة كان قرار القيادات الموجودة على الأرض، والتي قررت عدم الاشتباك مع المتظاهرين خشية تكرار سيناريو «شيماء الصباغ» في إشارة إلى مقتل ناشطة أثناء مظاهرة سلمية في ميدان التحرير في 24 يناير قبل الماضي، وإدانة أحد أفراد الشرطة بالقتل الخطأ.
غير أن هذا السيناريو يستحيل تحقيقه، حتى لو أراد السيسي والجيش ذلك، فمن أهم مكتسبات جمعة الأرض أنها كسرت حاجز الخوف الذي زرعه السيسي ببطشه وقمعه في نفوس المصريين، ولن تنجح طريقة تفكير السيسي التي تعود إلى الخمسينات مع شباب استطاع أن يبتكر صورا شتى للتعبير عن رأيه يصعب على عقلية السيسي مجرد تخيلها.
تحديات متوقعة
التحدي الأول: خدعة 11 فبراير 2011
هناك مجموعة من التحديات التي تنتظر الثورة قبيل 25 أبريل، وخلالها وبعدها، على رأس هذه التحديات السيناريو الأول الذي يرجح بشكل كبير أن يتم الإطاحة بالسيسي على طريقة التخلي عن المخلوع مبارك، في محاولة جديدة من المؤسسة العسكرية للالتفاف على الثورة، والتضحية بالسيسي الذي صار «كارت محروق» مع تحضير بديل جديد مرض للثوار وغير مثير لقلق الجيش، أو ربما مجلس رئاسي مدني عسكري.
قد يكون الإطاحة بالسيسي نصر سريع للثورة في حالة حدوثه، لكنه قد يكون أيضا بداية انتكاسة جديدة لها، في حالة رفض الجيش الخروج من المشهد، وإصراره على التخلص من السيسي ليحل محله أحد أتباع المؤسسة العسكرية، سواء عن طريق أحد أبنائها الحاليين (وزير الدفاع صدقي صبحي مثالا) أو السابقين (سامي عنان او مراد موافي وفق تحليلات قديمة) أو عبر إجبار الثورة على مجلس رئاسي مدني عسكري، أو عبر رئيس مدني لا يجرؤ على التغريد خارج السرب العسكري، ويكون مجرد واجهة فقط لاستمرار حكم الجيش.
ما يؤكد أن هذا التحدي هو أول ما يقف في طريق تمكين الثورة، أن قطاع كبير من الثوار مشكلته الرئيسة مع السيسي، رغم اقتناعه التام أنه لا يمثل إلا المؤسسة التي خرج منها، والتي تفكر بنفس طريقته، وربما يعود ذلك إلى حالة القمع الأمني الشرس الذي وقع في عهد السيسي، بشكل غير مسبوق في تاريخ مصر الحديث، لكن ما لا يجب إغفاله أن أيادي السيسي الباطشة هي التي قمعت، وعلى رأسها أجهزته الأمنية جميعها.
التحدي الثاني: العنف الأمني
من المتوقع أن تواجه أجهزة السيسي الأمنية التظاهرات هذه المرة بشكل مغاير تماما لما حدث في جمعة الأرض، وربما ما يؤكد صحة هذا التصور خبر جريدة الشروق الي نفته الرئاسة وحذفته الجريدة من على موقعها.
قد يؤدي العنف الأمني إلى إطالة أمد السيسي لأيام في الحكم، لكنه إذا حصل سيكتب شهادة وفاة السيسي في منصب الرئاسة، بل وسيكتب شهادة وفاة لكل من سيتورط في إهدار دم المصريين مهما كانت خلفيته، سواء شرطية أو قوات مسلحة، وهو ما قد يحول دون تورط الجيش في القتل، إذا كان بقياداته بعض من عقل وخوف على البلاد.
التحدي الثالث: بث الفتنة والفرقة بين الثوار
ربما تكثر في الأيام المقبلة سموم بث الفتن ومحاولات التفرقة بين الثوار، كمحاولة أخيرة لضرب حالة الإجماع الشعبي على الخروج في 25 أبريل، عن طريق استحضار أخطاء الماضي التي وقعت فيها فصائل الثورة المختلفة، بشكل قد يسفر عنه انقسام في صفوف الثوار، وهو ما تلعب عليه الثورة المضادة منذ استفتاء 19 مارس المشئوم.
ما يقلل من مخاطر هذا التحدي هو حالة الوفاق الوطني التي لم تحدث منذ أكثر من 4 أعوام، على قضية غير سياسية على الإطلاق، ما كسر حاجز ثنائية الصراع التي فرضتها الثورة المضادة بعد 30 يونيو 2013، والمتمثلة في حصر صراع الثورة والثورة المضادة في صراع الإخوان والعسكر.
كانت جمعة الأرض دليل مؤكد على نجاح الشباب في تخطي هذه الثنائية القاتلة، مدفوعا في ذلك بالخروج الجماهيري الكبير الرافض للتنازل عن أرض مصر، وهو ما كان سببا رئيسا في عجز أجهزة السيسي الأمنية عن التصدي لجموع المتظاهرين، على نفس طريقة عجز الداخلية عن التصدي لتظاهرات أهالي الدرب الأحمر إثر مقتل نجلهم على يد أمين شرطة قبل شهرين.
لكن سكوت المؤسسة العسكرية حتى الآن يضفي مزيدا من الغموض والصعوبة على التكهن بما تنتويه في 25 أبريل، فصمت قادة المؤسسة العسكرية حتى الآن قد يراه البعض رفضا لقرار السيسي، فيما يرده البعض الآخر إلى موافقة الجيش على التنازل عن الأرض المصرية.. ولكل من الفريقين حجته وأسبابه.
خطورة هذا السيناريو كما نوهنا تعود إلى أنه يعني بالضرورة دخول الجيش في خط العداء الواضح للشعب والثورة، عبر الاستماتة في الدفاع عن السيسي ورفض التنازل عن جريمة بيع الجزيرتين، وهو الخطوة التي ربما كان من الممكن أن تحدث في 11 فبراير 2011، إذا تمسك الثوار وقتها بضرورة خروج كافة أركان مبارك (وعلى رأسهم المجلس العسكري) من المشهد، لولا خدعة «الجيش حمى الثورة والجيش والشعب ايد واحدة» بالإضافة إلى انعدام وعي الجماهير وانعدام ضمير الذين تصدروا المشهد الثوري منذ فبراير 2011.
ما يقلل من حظوظ الانخراط في هذا السيناريو الخطير هو الدعوات التي أطلقها كتاب على صلة وثيقة بأجهزة الدولة السيادية، وعلى رأسهم بالقطع عماد أديب الذي حذر من انقسام الجيش على خلفية جريمة بيع الجزيرتين، وهي ربما تكون صيحة تحذير من داخل الجيش أكثر من كونها مقال.
الحديث عن هذا السيناريو ربما يطول في ظل حالة الغموض التي تكتنف موقف الجيش من جريمة بيع الجزيرتين، وكما قال الفيلسوف اليوناني سقراط : «تكلم حتى أراك» فإن تحديد موقف الجيش من 25 أبريل أمر بالغ الصعوبة طالما أن قادته لم يفصحوا بعد عن موقفهم من بيع أرض مصر، وبالتالي يصعب من تحديد أي من السيناريوهين السابقين هو الأكثر قابلية للحدوث.
السيناريو الثالث: إغلاق شوارع وميادين مصر في وجه الثوار
يعتمد هذا السيناريو على الخبر الذي نشرته «جريدة الشروق» التي يرأس تحريرها الكاتب الصحفي عماد الدين حسين وثيق الصلة بجهاز المخابرات الحربية والرئيس السيسي نفسه.
اللافت للأمر أن جريدة الشروق حذفت الخبر الذي نشرته بعد ساعات من نشره، بالتزامن مع إصدار مؤسسة الرئاسة بيانا ينفي صحة الخبر.
ونشرت جريدة الشروق عن مصادر مطلعه، قولهم إن السيسي، أعرب عن غضبه من السماح بتمديد المظاهرات في البلاد، يوم الجمعة الماضية، كما أعرب عن رفضه لتظاهرات الإثنين المُقبل، التي دعت لها القوى السياسية احتجاجًا على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية.
وأشارت «الشروق» إلى أن الأيام الماضية شهدت سلسلة لقاءات السيسي وكبار معاونيه وبخاصة مسئولي الملف الأمني لبحث تداعيات المظاهرات، التي شهدتها القاهرة وعددا من المحافظات يوم الجمعة الماضية تحت شعار «جمعة الأرض هي العرض» للتنديد باتفاق ترسيم الحدود مع السعودية.
وقالت مصادر مطلعة: إن الرئيس أعرب عن غضبه من السماح بتمدد المظاهرات يوم الجمعة، وأكد لمساعديه أنه لن يقبل بتكرار مشهد الجمعة الماضي مرة أخرى يوم الاثنين ٢٥ أبريل في ظل دعوات متزايدة في أوساط الشباب وقطاعات سياسية متنوعة للتظاهر احتجاجا على ترسيم الحدود.
ورفضت المصادر التي تحدثت لـ«الشروق» القول ما إذا ما كان الرئيس قد ذهب إلى حد اتهام بعض من قياداته بالتقصير إلا أنها قالت: إن هناك حديثا متزايدا في أوساط رسمية وغير رسمية عن التعامل الأمني «اللين» مع المتظاهرين في «جمعة الأرض».
وبحسب أحد مصادر «الشروق» الأمنية فإن الأمر في أحيان كثيرة كان قرار القيادات الموجودة على الأرض، والتي قررت عدم الاشتباك مع المتظاهرين خشية تكرار سيناريو «شيماء الصباغ» في إشارة إلى مقتل ناشطة أثناء مظاهرة سلمية في ميدان التحرير في 24 يناير قبل الماضي، وإدانة أحد أفراد الشرطة بالقتل الخطأ.
غير أن هذا السيناريو يستحيل تحقيقه، حتى لو أراد السيسي والجيش ذلك، فمن أهم مكتسبات جمعة الأرض أنها كسرت حاجز الخوف الذي زرعه السيسي ببطشه وقمعه في نفوس المصريين، ولن تنجح طريقة تفكير السيسي التي تعود إلى الخمسينات مع شباب استطاع أن يبتكر صورا شتى للتعبير عن رأيه يصعب على عقلية السيسي مجرد تخيلها.
تحديات متوقعة
التحدي الأول: خدعة 11 فبراير 2011
هناك مجموعة من التحديات التي تنتظر الثورة قبيل 25 أبريل، وخلالها وبعدها، على رأس هذه التحديات السيناريو الأول الذي يرجح بشكل كبير أن يتم الإطاحة بالسيسي على طريقة التخلي عن المخلوع مبارك، في محاولة جديدة من المؤسسة العسكرية للالتفاف على الثورة، والتضحية بالسيسي الذي صار «كارت محروق» مع تحضير بديل جديد مرض للثوار وغير مثير لقلق الجيش، أو ربما مجلس رئاسي مدني عسكري.
قد يكون الإطاحة بالسيسي نصر سريع للثورة في حالة حدوثه، لكنه قد يكون أيضا بداية انتكاسة جديدة لها، في حالة رفض الجيش الخروج من المشهد، وإصراره على التخلص من السيسي ليحل محله أحد أتباع المؤسسة العسكرية، سواء عن طريق أحد أبنائها الحاليين (وزير الدفاع صدقي صبحي مثالا) أو السابقين (سامي عنان او مراد موافي وفق تحليلات قديمة) أو عبر إجبار الثورة على مجلس رئاسي مدني عسكري، أو عبر رئيس مدني لا يجرؤ على التغريد خارج السرب العسكري، ويكون مجرد واجهة فقط لاستمرار حكم الجيش.
ما يؤكد أن هذا التحدي هو أول ما يقف في طريق تمكين الثورة، أن قطاع كبير من الثوار مشكلته الرئيسة مع السيسي، رغم اقتناعه التام أنه لا يمثل إلا المؤسسة التي خرج منها، والتي تفكر بنفس طريقته، وربما يعود ذلك إلى حالة القمع الأمني الشرس الذي وقع في عهد السيسي، بشكل غير مسبوق في تاريخ مصر الحديث، لكن ما لا يجب إغفاله أن أيادي السيسي الباطشة هي التي قمعت، وعلى رأسها أجهزته الأمنية جميعها.
التحدي الثاني: العنف الأمني
من المتوقع أن تواجه أجهزة السيسي الأمنية التظاهرات هذه المرة بشكل مغاير تماما لما حدث في جمعة الأرض، وربما ما يؤكد صحة هذا التصور خبر جريدة الشروق الي نفته الرئاسة وحذفته الجريدة من على موقعها.
قد يؤدي العنف الأمني إلى إطالة أمد السيسي لأيام في الحكم، لكنه إذا حصل سيكتب شهادة وفاة السيسي في منصب الرئاسة، بل وسيكتب شهادة وفاة لكل من سيتورط في إهدار دم المصريين مهما كانت خلفيته، سواء شرطية أو قوات مسلحة، وهو ما قد يحول دون تورط الجيش في القتل، إذا كان بقياداته بعض من عقل وخوف على البلاد.
التحدي الثالث: بث الفتنة والفرقة بين الثوار
ربما تكثر في الأيام المقبلة سموم بث الفتن ومحاولات التفرقة بين الثوار، كمحاولة أخيرة لضرب حالة الإجماع الشعبي على الخروج في 25 أبريل، عن طريق استحضار أخطاء الماضي التي وقعت فيها فصائل الثورة المختلفة، بشكل قد يسفر عنه انقسام في صفوف الثوار، وهو ما تلعب عليه الثورة المضادة منذ استفتاء 19 مارس المشئوم.
ما يقلل من مخاطر هذا التحدي هو حالة الوفاق الوطني التي لم تحدث منذ أكثر من 4 أعوام، على قضية غير سياسية على الإطلاق، ما كسر حاجز ثنائية الصراع التي فرضتها الثورة المضادة بعد 30 يونيو 2013، والمتمثلة في حصر صراع الثورة والثورة المضادة في صراع الإخوان والعسكر.
كانت جمعة الأرض دليل مؤكد على نجاح الشباب في تخطي هذه الثنائية القاتلة، مدفوعا في ذلك بالخروج الجماهيري الكبير الرافض للتنازل عن أرض مصر، وهو ما كان سببا رئيسا في عجز أجهزة السيسي الأمنية عن التصدي لجموع المتظاهرين، على نفس طريقة عجز الداخلية عن التصدي لتظاهرات أهالي الدرب الأحمر إثر مقتل نجلهم على يد أمين شرطة قبل شهرين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق