أحدث الموضوعات
recent

ننشر تقرير «مدى مصر» المحذوف| مصر تميل لقبول مشروط لأي نزوح فلسطيني تفرضه إسرائيل


مدى مصر - 14 أكتوبر 2023

أوشكت مصر على قبول اتفاق يسمح بعبور الأجانب ومزدوجي الجنسية عبر معبر رفح البري بعدما اشترطت السماح بإدخال مساعدات إنسانية إلى القطاع الذي يعيش أعنف هجوم إسرائيلي منذ عقود، واستعداد لغزوه بريًا، بعد أيام من الضغوط، وخلافات حول مختلف التفاصيل، بحسب مصادر مطلعة.

وعلى الرغم من التقدم الذي حققته المفاوضات في ما يتعلق بعبور الأجانب في انتظار الإعلان عن استكماله، تظل مسألة السماح لأعداد كبيرة من الفلسطينيين للانتقال إلى سيناء في حال أجبرهم العنف الإسرائيلي غير المسبوق والحصار الشامل الذي فرضته على القطاع، تحمل الكثير من الحساسية السياسية والثقل التاريخي. وحتى الآن، يظل الموقف الرسمي المصري رافضًا بشكل قاطع لسيناريو نزوح فلسطيني جماعي رغم الضغوط الشديدة التي تواصلها الدول الغربية عليها.

لكن مقاومة الضغوط المتواصلة ليست بهذه السهولة. تحدث «مدى مصر» على مدار الأسبوع الماضي إلى 21 مصدرًا مطلعًا، شملت مصادر حكومية وأمنية ودبلوماسية مصرية مقربة من دوائر صنع القرار في مصر، وآخرين دبلوماسيين أجانب يعملون في القاهرة وعواصم غربية وباحثين مقربين من أجهزة سيادية، وشهود عيان عند معبر رفح، لشرح موقف هذه المفاوضات وفهم هذه الضغوط، وتبعات كل هذا على الأرض.

أشارت تسعة من المصادر إلى أن مختلف الأطراف الدولية ناقشت مع مصر حوافز مختلفة لها مقابل قبول أي حركة نزوح فلسطيني تتوقعها مختلف الأطراف باتجاه سيناء. وبحسب ستة منهم، هناك ميل داخل دوائر صناعة القرار السياسي في مصر إلى الموافقة.

وفي ما يتعلق بخروج الأجانب، وبحسب مصدر حكومي رفيع، يُفترض أن تبدأ عملية إجلاء الأمريكيين أولًا (بمعدل خمسة آلاف يوميًا)، ثم مزدوجي الجنسية من حملة جواز السفر الأمريكي (بمعدل ألفين إلى ثلاثة آلاف يوميًا) وبقية الرعايا الغربيين. ويقدر عدد الرعايا الأميركيين في غزة بأكثر من 50 ألف شخص من بينهم موظفين يعملون في منظمات إغاثية وإنسانية وحقوقية ووكالات حكومية وأممية.

توقيت التنفيذ

وحول توقيت تنفيذ ذلك الاتفاق بخصوص خروج الأجانب، نقل عدد من وكالات الأنباء أخبار عن بدء عملية الإجلاء اليوم، وذلك بعد موافقة إسرائيل على عدم استهداف مسارات خروجهم عبر معبر رفح من غزة إلى مصر، والذي ينتظر إعادة فتحه بعدما عطلته سلسلة قصف إسرائيلية قبل يومين، وانتهى الجانب المصري من نصب كتل خرسانية به اليوم، للتحكم في الحركة به حال التوصل إلى توافق.

لكن هذا الإجلاء تعطل بعدما أصرت مصر، بحسب اثنين من المصادر أحدها أمني والآخر حكومي، على أن يكون السماح بعبور الأجانب لا بد أن يقابله سماح مقابل بدخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع.

حاولت الولايات المتحدة الضغط في هذا الشأن، وألمحت أمس إلى أنها تدرس خيار إجلاء الأجانب عبر البحر. لكن مصر أصرت على موقفها، والذي تعتبر أنه ضروري للمساعدة في تخفيف حدة أي نزوح محتمل، بحسب أحد المصادر الأمنية. ولهذا، لا يزال العشرات من الأمريكيين والفلسطينيين حاملي الجنسية الأمريكية عالقين في الصالة الفلسطينية من المعبر، بعدما وصلوها عقب تلقيهم رسائل من السفارة الأمريكية بترتيب إجلائهم إلى مصر عبر معبر رفح، بحسب مصدر مسؤول على الجانب الفلسطيني من المعبر.

أمام هذا الإصرار، يبدو أن إسرائيل والولايات المتحدة اضطرتا للموافقة. وبحسب المصادر وعدد من التقارير الإعلامية، ينتظر الإعلان عن اتفاق يشمل إجلاء الأجانب والسماح بدخول المساعدات إلى غزة في وقت لاحق اليوم.

الاتفاق المبدئي بخصوص خروج الأجانب الذي توصلت إليه مصر مع الولايات المتحدة وإسرائيل، التي أرسلت وفدًا من «الموساد» إلى القاهرة أمس، وبمشاركة قطرية، يمثل خطوة أولى في نقاش أوسع يتواصل سرًا وعلنًا في حال أجبرت الحرب الإسرائيلية جموع من فلسطيني القطاع على النزوح إلى مصر.

إسرائيل تطالب سكان غزة بالنزوح

الموقف الإسرائيلي لا ضبابية حوله. صباح أمس، ألقت طائرات جيش الاحتلال الإسرائيلي منشورات تحذير في أرجاء شمالي قطاع غزة تطلب منهم المغادرة إلى جنوب القطاع. وقالت الأمم المتحدة في الساعات الأولى من يوم أمس، إن الجيش الإسرائيلي أبلغها أن على كافة سكان شمال القطاع مغادرته إلى الجنوب خلال 24 ساعة، وتقدر الأمم المتحدة أعداد من تشملهم المهلة بأكثر من مليون شخص. من جانبها، قررت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) نقل عملياتها إلى جنوب القطاع، بحسب مصدر أممي لـ«مدى مصر».

تحاول إسرائيل نقل هذه الضغوط إلى مصر، فقد طالب الجنرال الإسرائيلي، أمير أفيفي، الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بالتحدث إلى الرئيس المصري من أجل فتح الحدود والسماح للمدنيين الفلسطينيين بدخول سيناء، وذلك في مقابلة على تليفزيون «بي بي سي» أمس.

هرولت مختلف الأطراف للتعامل مع المعطى الذي فرضته إسرائيل أمرًا واقعًا لا يمكن لأي منهم زحزحته، فتحاول أمريكا والاتحاد الأوروبي الضغط على مصر من أجل قبوله، وتساهم دول عربية مختلفة فيه، بحسب أربعة من المصادر الحكومية والأمنية.

ولا تزال التفاصيل خاضعة لمفاوضات شاقة لم تنته حتى الآن، لأن مقاومة مصر لهذه الضغوط يرجع لعدد من العوامل، حسب المصادر.

أسباب الرفض المصري

العامل الأكبر عامل أمني. تختلف الآراء داخل دوائر صنع القرار المصري، بحسب المصادر، حول طرق استيعاب النزوح الفلسطيني المحتمل. المنطقة الوحيدة المتاحة هي المنطقة العازلة على الجانب المصري من الحدود مباشرة بعمق خمسة كيلومترات، لكن هناك تخوفات من القدرة على استيعاب عدد كبير من الفلسطينيين في مساحة محددة كهذه، وما قد يعنيه هذا من تداعيات على سيطرة مصر على حدودها الشرقية بشكل فعلي.

إلى جانب هذا، فإن هذه المنطقة هي التي أخلتها الحكومة المصرية من سكانها في رفح المصرية خلال السنوات الماضية، ويُقدر عددهم بحوالي 100 ألف شخص، في إطار معركتها ضد تنظيم «ولاية سيناء»، وتعرضت الحكومة لضغوط كبيرة الأشهر الماضية للسماح لسكان رفح بالعودة إلى أراضيهم، بعد أن اعتصموا في أغسطس الماضي، ووعدتهم بالعودة في موعد أقصاه 10 أكتوبر الجاري، قبل أربعة أيام، وهو ما لم يتحقق بالطبع. ولهذا يقترح البعض داخل الأجهزة المعنية بالسماح للفلسطينيين بالتوزع حول محافظات مصر، وهو اقتراح لا يلقى قبولًا واسعًا.

لكن حتى إذا لم يغادر الفلسطينيون القطاع، فإن مجرد نزوح الفلسطينيين من شمال غزة وانتقالهم إلى جنوبها قريبًا من الحدود المصرية يمثل لمصر «قنبلة [أمنية] موقوتة»، بحسب أحد المصادر الأمنية.

.. والإدارة المصرية تبدي موافقتها

رغم هذا، تشير المصادر إلى أن صناع القرار المصري أصبحوا أكثر ميلًا الآن لقبول الحديث عن استيعاب أي نزوح فلسطيني محتمل.

أسباب هذا الميل تتعلق أولًا بمعطيات الأمر الواقع. إذا تحرك مئات الآلاف من الفلسطينيين تجاه سيناء، بينما تدمر إسرائيل القطاع، وبالتالي لن يصبح أمام مصر سوى السماح لهم بالدخول. وفي هذه الحالة، لم يعد السؤال حول ما إذا كانت مصر ستستقبل الفلسطينيين في حالة نزوحهم. الأسئلة الآن هي كيف، ومتى، وتحت أي شروط، بحسب تعبير أحد المصادر الحكومية.

يضيف أحد المصادر الأمنية أن أحد التقديرات يشير إلى احتمالية أن يصل العدد الإجمالي للفلسطينيين المحتمل نزوحهم خلال الحرب الإسرائيلية من القطاع إلى حوالي 300 ألف شخص. «لا يمكننا السماح لكل الـ300 ألف بالدخول»، يقول المصدر، «[لكننا] سنضطر لإدخال البعض». بحسب تقديراته، قد يبدأ الأمر بعدة آلاف قد ترتفع لاحقًا إلى 50-60 ألفًا. «لكن لا ينبغي السماح لأكثر من 100 ألف»، بحسب تعبيره. كل هذا يخضع بالطبع لـ«حسابات دقيقة وحساسة». هذه الحسابات لا تزال تقديرية، وترتبط بتطورات الوضع الميداني وحجم الدمار الذي تسببه إسرائيل خلال الفترة المقبلة.

وعلى الرغم من أن مصر تأمل في ألا يطول بقاء الفلسطينيين في حال نزوحهم أكثر من بضعة أشهر، إلا أن احتمال تمكنهم من العودة إلى غزة سيكون ضئيلًا، بحسب أحد الباحثين المقربين من أجهزة سيادية، والذي أوضح أنه لن يُسمح لهم بمغادرة المنطقة العازلة سوى للمغادرة إلى دولة أخرى، في حال عدم تمكنهم من العودة.

موافقة مصرية مقابل المال

في المقابل، يُفترض أن تحصل مصر على مجموعة من المساعدات المادية هي في أشد الحاجة إليها وسط أزمة اقتصادية خانقة ومعدلات تضخم هائلة، وتلك تفاصيل لا تزال قيد النقاش. «مصر لا تتطلع على الإطلاق لاستضافة فلسطينيين»، يقول مصدر دبلوماسي يعمل في عاصمة غربية، «لكن إذا اضطرت مصر لهذا، لا بد أن يكون هناك تعويض مالي ما».

مصدر حكومي رفيع يشرح هذا المنطق. «أنت تواجه وضعًا ماليًا شديد الصعوبة والتعقيد، الدائنون كثر والأعباء مرتفعة جدًا والآن لديك عرض لتقليص حجمها بشكل كبير وشطب نسبة كبيرة من الديون»، فلم لا إذًا؟

في هذه الأثناء، واصلت القوات المسلحة المصرية استعداداتها طوال الأسبوع الماضي لأن تطور الأمور سريع على الحدود الشرقية ولا يمكن ترك شيء للاحتمالات.

بحسب شهود عيان ومصدرين حكوميين في شمال سيناء تحدثوا إلى «مدى مصر» أمس، تجري القوات المسلحة عملية تطويق للمنطقة العازلة الواقعة في رفح المصرية بسلك شائك، فيما تمركزت آليات عسكرية ثقيلة على حدود المنطقة داخل الأراضي المصرية.

وأضافت المصادر أن الحشود العسكرية بدأت في التدفق تجاه شمال سيناء طوال الأسبوع الماضي، وبدأت القوات منذ وصولها في إقامة سلك شائك على مسافة خمسة كيلومترات من الحدود مع القطاع، وهي نقطة انتهاء المنطقة العازلة.

وبينما أكد أحد شهود العيان قيام جرافات تابعة للجيش بتمهيد منطقة واسعة من الأراضي حول مدرسة الماسورة في رفح، المدرسة الوحيدة هناك، واصل مطار العريش الدولي استقبال أطنان من المساعدات القادمة من عدة دول، تُخزن في استاد العريش في انتظار تحديد توقيت وآلية دخولها إلى غزة.

وبحسب مصدر في «الهلال الأحمر» المصري في شمال سيناء، استقبل المطار نحو 100 طن من المساعدات الانسانية من الأردن وتركيا والإمارات ومنظمة الصحة العالمية.

وأضاف المصدر أن مخازن الفرع في مدينة العريش امتلأت عن آخرها، ما دفعهم إلى استخدام استاد العريش الرياضي لتخزين أطنان المساعدات التي تضمنت مستلزمات طبية، ومواد غذائية، ومواد إعاشة، وأجهزة أشعة طبية.

موقف الفلسطينيين

ما يتبقى وسط كل هذا هم الفلسطينيون أنفسهم، والذي تقرر جميع الأطراف مصيرهم دون حتى سؤالهم، رغم غياب أي دلائل على اندفاعهم للنزوح إلى مصر. مصدر مصري حكومي رفيع أشار إلى حقيقة أنه حتى هذه اللحظة، لم نشهد أي محاولات نزوح فلسطينية جماعية باتجاه الحدود المصرية، رغم القصف الإسرائيلي غير المسبوق. «حقيقة أن هذا هو واقع الأيام الستة الماضية يشير إلى أن الفلسطينيين لا يريدون مغادرة غزة»، يقول المصدر الذي تحدث إلى «مدى مصر» الخميس الماضي «لا يريدون إجبارهم على نزوح آخر إلى خارج فلسطين».

ورغم الحصار الإسرائيلي الخانق الذي شمل قطع إمدادات المياه والطعام والكهرباء والوقود عن القطاع بأكمله، إلا أن عددًا من الفلسطينيين يتخوفون من حرمانهم من حق العودة إلى غزة، كما حدث معهم مرارًا طوال العقود الماضية، ولهذا يعتبر رئيس مجلس إدارة شبكة السياسات الفلسطينية «الشبكة» ومؤلف كتاب «احتواء حماس: صعود وتدجين المقاومة الفلسطينية»، طارق بقعوني، أن الخيار الإنساني العادل الوحيد هو التهدئة ووقف العدوان الإسرائيلي على سكان غزة. «لم يعد الأمر متعلقًا بالانتقام»، يقول باقوني، «لكنه الآن استكمال للجهود الإسرائيلية لتنفيذ خطط قديمة لطرد الفلسطينيين من غزة». ولهذا، بحسب تعبيره، فإن «الحديث عن ممرات إنسانية دون أي ضمانات للعودة لا يمثل سوى تأييد لنكبة ثانية للفلسطينيين وتواطئًا مع تطلعات الإسرائيليين للتطهير العرقي للفلسطينيين».

زقاق النت

زقاق النت

ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.