ما أن أعلن العدو نبأ اغتيال أبو عبيدة، الناطق العسكري باسم كتائب القسام، حتى سارع المدعو لؤي الخطيب إلى "هبد" سطور من أحط أنواع الخسة والتصهين بشكل لا يعبر مطلقا عن حقيقة الموقف الشعبي من "أبو عبيدة".. على ما يبدو أن لؤي يرغب في الارتزاق والتربح من تلك الخيانات مثلما فعل من قبله إبراهيم عيسى ومحمد الباز.
لهذا، من الضروري القول بإنه طالما أمثال محمد الباز أفندي ولؤي الخطيب متواجدين على الساحة الإعلامية ويشكلون جزءا من الخطاب الإعلامي المصري.. فمن السذاجة والتخلف أن نعول على موقف مصري قوي ضد العدو.
الأمر أكبر من أن يرد البعض على هذه الحقيقة بالقول إن أمثال الباز ولؤي لا يعبرون عن الدولة المصرية، فكلنا نعلم أن جميع العاملين في الإعلام المصري الخاضع لضابط السامسونج لا يجرؤون أن يتحدثوا بما يغضب هذا الضابط، هذا في موضوعات الشأن الداخلي من أول موضوعات إدارة الدولة وطريقة الحكم إلى تريندات السوشيال ميديا وتحفيلات كرة القدم.. فما بالنا بموضوع يفترض أنه يخص الأمن القومي؟
أي أن تحليل الخطاب الإعلامي للمحسوبين على الدولة المصرية وتوابعها، يساهم في تفسير سياساتها والوقوف على حقيقة مواقفها في القضايا محل الخطاب.. وكلما كانت الدولة شمولية مهيمنة على الخطاب الإعلامي، كان هذا الخطاب تعبيرا حقيقيا عن مواقف الدولة وطريقة تعاطيها وفهمها وبالتالي تصرفاتها وسياساتها.
نظرة على تحليل الخطاب وأهميته
وتحليل الخطاب يعد من أهم مناهج ونظريات العلوم السياسية. يقوم هذا المنهج على دراسة اللغة باعتبارها أداة رئيسية لإنتاج المعاني وتشكيل المواقف والتصورات، وليس مجرد وسيلة للتعبير عن الأفكار. فالكلمات والخطابات لا تنقل الوقائع فقط، بل تُعيد تشكيلها وفقًا لمصالح وأيديولوجيات الفاعلين السياسيين.
مناهج تحليل الخطاب انطلقت من المدرسة النقدية في علم الاجتماع واللسانيات، حيث ارتبط بأسماء مثل ميشيل فوكو الذي ركّز على العلاقة بين الخطاب والسلطة والمعرفة. وفي العلوم السياسية، تم توظيف هذا المنهج لفهم كيفية بناء الشرعية السياسية، وتبرير السياسات، وصياغة الهويات الجماعية، وإقصاء الآخر. وهنا يصبح الخطاب ليس انعكاسًا للواقع بل أداة لصناعته.
ومن المهم الإشارة إلى أن مجالات استخدام المنهج لا تقتصر على خطاب بعينه، بل يستخدم كافة أشكال الخطابات، مثل:
- الخطاب السياسي الرسمي: دراسة خطب القادة والرؤساء والبرلمانيين لاستخراج البنى الأيديولوجية التي يقوم عليها خطاب السلطة، وكيفية تبرير القرارات الكبرى مثل الحروب أو السياسات الاقتصادية.
- الخطاب الإعلامي: تحليل ما تنشره وسائل الإعلام من سرديات مرتبطة بالقضايا السياسية، وكيف يُعاد إنتاج صورة "العدو" أو "الحليف"، وما يرافق ذلك من دلالات لغوية ورمزية.. (من هنا مثلا تكشف تغريدة احمد موسى عن حقيقة موقفه من المقاومة، عبر استخدامه قتل وليس استشهاد، فالمصطلحات فضاحة واللغة دالة، والأمر ليس بالبساطة التي قد يظنها البعض).
- الخطاب الاجتماعي-الحركي: دراسة خطابات الحركات الاجتماعية والاحتجاجية، وكيفية بناء هوية جماعية مقاومة أو بديلة، مثل خطابات الحركات النسوية أو الحركات المناهضة للعولمة.
- الخطاب الدولي: تحليل بيانات الأمم المتحدة أو بيانات وزارات الخارجية، وكيفية صياغة لغة الدبلوماسية باعتبارها أداة للصراع الناعم أو للتقارب بين الدول.
ويسعى منهج تحليل الخطاب إلى تحقيق عدة غايات مثل الكشف عن الأيديولوجيا عبر التعرف على القيم والأفكار التي تحاول النخب السياسية تمريرها عبر اللغة. كما يلعب دورا في تفكيك السلطة عبر توضيح الكيفية التي تُمارس بها السلطة من خلال السيطرة على اللغة وصياغة المعاني.
كما أن تحليل الخطاب يساهم في تفسير السياسات العامة وفي فهم أسباب تبني سياسات معينة بناءً على الخطابات المهيمنة. بالإضافة إلى دوره في فهم طريقة تشكيل الرأي العام، وكذلك هو سيلة لنقد الخطاب المهيمن وإبراز ما يُقصى أو يُهمّش في السردية السياسية الرسمية.
إن تحليل الخطاب لا يكتفي بدراسة "ما يُقال"، بل يذهب إلى "كيف يُقال" و"لماذا يُقال" و"بأي نتائج". وبهذا يصبح أداة لفهم الديناميات العميقة للسلطة والشرعية والتأثير في المجتمعات.
عودة لخيانات الباز ولؤي
نعود إلى لؤي والباز واحمد موسى والديهي إبراهام عيسى (ويا لسخرية القدر أن تجتمع أسماء هؤلاء مع اسم ميشيل فوكو، ويفصل بينهما سطور قليلة).. الباز ولؤي مثل غيرهما من العاملين بإعلام مصر.. الإعلام المصري خلال العقد الأخير صار بوقا ونوقا، ولكل دور مرسوم له لا يسمح له بتخطيه، حتى التجويد في أداء هذا الدور مرفوض.
فلا محمد الباز ولا لؤي الخطيب ولا غيرهما يجرؤ على التفوه بكلمة (نطقا وكتابة) دون الحصول على موافقة من ضابط الاتصال المسؤول عنهما، بل ينطبق الأمر على صحفيين كبار آخرين، والأمر معروف في مصر منذ عقود.. أذكر مثلا أن الكاتب والإعلامي والسياسي طارق المهدوي حكى في مرة عن موقف جمعه مع الأستاذ إبراهيم نافع (وهو أحد أقطاب الصحافة المصرية وشيوخها) كشف من خلاله أن رئيس التحرير الكبير لم يكن يكتب مقالاته.. نفس الأمر حكاه لي بعض الزملاء عن رؤساء ومديري تحرير في صحف كانت مستقلة حتى جرى تدجينها (اليوم السابع مثالا).
لنعد إلى تحليل الخطاب.. إذا كان الباز ولؤي وأمثالهما "عبيدا للمأمور"، فإن خطورة ذلك في حقيقة أن الخيانات التي يطرحونها هي بشكل أو بآخر نابعة من الدولة المصرية (أو بعض أجنحتها)، ما يضرب في صميم الموقف الوطني المصري الرسمي والمعلن برفض التهجير سواء إلى مصر أو غيرها.
إننا أمام تفسير من اثنين لحالة التناقض الفجة بين الخطاب الرسمي وبين خطاب بعض الإعلاميين ومن يحميهم ويلقنهم:
- إما أن السيسي غير قادر على السيطرة على أجنحة الدولة وأجهزتها، وهو ما انعكس بوضوح في عدم ظهور خطاب إعلامي موحد يعبر عن الموقف المصري (أي تذرع بحرية الرأي والتعبير أقل حتى من الالتفات له، فكلنا نعلم كيف يدار الإعلام بل ومصر بأسرها).
- أو أن موقف الدولة المصرية الحقيقي مناقض تماما للخطاب الرسمي المناهض بشراسة للتهجير، وأن التناقض بين الخطاب الرسمي والإعلامي ربما يندرج من باب "مواربة الباب" وتجهيز الرأي العام أو ربما جس نبضه حول موقفه من فشل الدولة أو تخليها عن موقفها الرسمي المعلن بمنع التهجير.
الأمر هنا أكبر من مجرد الدفاع عن حركة حماس وجناحها العسكري، وكل من لا يزال أسير تقسيمه الأيدلوجي وتصنيفه للمقاومة على أنها تابعة للتيار الإسلامي، وبالتالي يجب أن يكون الموقف منها هو نفس الموقف المتطرف من الإسلام السياسي، الذي تقوده الإمارات وإسرائيل ومصر في المنطقة، فهو إما أسير هواه فلا يعول عليه، أو مضلل يجب الابتعاد عنه.. والأخطر أن يكون هذا أو ذاك ضمن كوادر وقيادات إدارة دولة مثل مصر في هذا الظرف التاريخي الخطير.
وطالما تتعامل الدولة المصرية مع حركة حماس بمبدأ "واحد يشد والتاني يرخي"، فتارة يدافع عنها الإعلام في حضور الخبير العسكري سمير فرج (المعروف صلته بالسيسي) وتارة أخرى يهاجم نفس الإعلامي الذي استضاف الخبير، الحركة مستعينا باطنان من الكاذيب التي فندتها منصات التحقق وصفحاتها.. وطالما نجد أن الباز ولؤي يتصهينون بقناع مزيف اسمه "مصر أولا" للترويج لخطاب صهيوني بامتياز.. فلا يمكن أبدا التعويل على موقف مصري قوي رافض للتهجير، ولا يمكن المراهنة على الدولة المصرية في للتصدي لجبروت أمريكا والغرب، وهي فاشلة في تلجيم المتصهينيين بالداخل.. أو ربما راضية عنهم وتدعمهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق