قبل سنوات، كنت لا أزال على مقاعد الجامعة أعقد اجتماعات مع الإدارة وأرفع مطالب بقطع العلاقات مع إسرائيل. سواء كان ذلك عبر إلغاء رحلات التبادل الطلابي إليها أو سحب الاستثمارات من المؤسسات الصهيونية، كان الحراك الداعي لمقاطعة إسرائيل حاضرًا وقويًا حتى قبل السابع من أكتوبر 2023.
فالاحتلال والتطهير العرقي في فلسطين مستمران منذ أكثر من سبعين عامًا، وأصوات الاحتجاج ضد الجرائم الإسرائيلية لم تتوقف طوال هذه العقود. لكن في أحيان كثيرة، كان يخيل إلي أنني أصرخ في فراغ مرعب بلا نهاية كلما تحدثت عن فلسطين. كنت أعرّف نفسي في المدرسة بأنني من الأردن، لأن كلمة "فلسطين" كانت تقابل دائمًا بوجوه متحيرة وأسئلة من قبيل: "ما هذا؟".
كبرتُ وعرفت أكثر عن تاريخ بلادي المليء بالصمود والجرح، ومع ذلك، كلما حاولت الحديث عنه مع شخص غير مسلم أو غير عربي، واجهت نفس ردود الفعل الفارغة. لسنوات طويلة جرى اقتلاع الفلسطينيين وتطهيرهم عرقيًا، واليوم فقط بدأ البعض يلتفت إلى هذه الحقيقة الدموية، وإلى سبل تحرير الأرض التي عاشت طوال عمري، وما قبله، مقيدة بالسلاسل.
"إير بي إن بي" في مرمى المقاطعة
بينما كان العالم يتجاهل فلسطين، لم يكن المنظمون صامتين. حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS) كانت طليعية في ممارسة العصيان المدني ضد إسرائيل. واحدة من أبرز أهدافها كانت شركة "إير بي إن بي". ففي عام 2018، أي قبل خمس سنوات من 7 أكتوبر، اضطرت الشركة إلى الرضوخ لضغط الحركة وأزالت قوائمها الخاصة بتأجير بيوت المستوطنات في الضفة الغربية. لكنها أعادت نشرها لاحقًا بعد أن هددها المستوطنون أنفسهم قضائيًا.
السبب واضح: ما تتيحه "إير بي إن بي" هو جريمة كبرى ضد الإنسانية. فهي تساهم في تمكين سرقة الأرض الفلسطينية من خلال تأجير ممتلكات في مستوطنات غير قانونية، في خرق صارخ للقانون الدولي. فالمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة تنص بوضوح على أن قوة الاحتلال لا يحق لها ترحيل السكان الأصليين أو جلب سكان جدد ليحلوا محلهم. لكن إسرائيل لم تعبأ يومًا بالقانون الدولي، والعالم لم يحاسبها على انتهاكاته.
خطة ضمّ معلنة
لذلك، ظل بناء المستوطنات واستقدام الأجانب إليها جزءًا جوهريًا من خطة إسرائيل لضم الضفة الغربية على مدى عقود. الإبادة في غزة تجري علنًا، واحتلال أراضي 48 كان فجًا، أما ضم الضفة فيُدار بطريقة أقل إثارة للانتباه. تكتيك سلب الأرض من الفلسطينيين ومنحها للمستعمرين البيض قديم قِدم الاستعمار ذاته.
وما فاقم هذه العملية الاستعمارية دائمًا هو الربح التجاري. في الحقبة البريطانية، لعب "الصندوق القومي اليهودي" دورًا محوريًا في شراء وبيع الأرض الفلسطينية تمهيدًا لاحتلال 1948. واليوم، تتولى شركات مثل "إير بي إن بي" نفس الدور عبر إتاحة المجال للمستوطنين لجني الأموال من الأرض المسروقة.
من السياحة إلى الدعاية
هذه الممارسات تضع "إير بي إن بي" في قلب جريمة دولية. فهي لا تكتفي بدعم منظومة غير قانونية، بل تساهم في تقوية يد الاحتلال لتشديد الخناق على الفلسطينيين وسحب مواردهم نحو المستوطنات المتنامية. كما أنها تغذي اقتصاد السياحة لخدمة الاحتلال وتعمل كأداة دعاية، إذ تقدم المستوطنات كأماكن جذابة ومرفهة بينما الواقع المحيط بها مأساوي.
من هنا، لم يكن غريبًا أن تصبح "إير بي إن بي" هدفًا مشروعًا للمقاطعة منذ سنوات. الأصوات المنادية بسحب قوائمها من الضفة الغربية لم تتوقف منذ قرابة عقد، وخاصة من منظمات مثل CODEPINK. ورغم أن الشركة لا تُصغي للفلسطينيين عندما نقول إن نشاطها يضر بنا مباشرة، فإنها مضطرة إلى مواجهة الدعاوى القضائية المتصاعدة ضدها. وقد أعلنت "شبكة العمل القانوني العالمي" مؤخرًا عن رفع دعوى عابرة للأطلسي على الشركة، أحد محاورها تورطها في العنف الإسرائيلي.
الشركات شريكة في الجريمة
بالنسبة لي، تقاطعات "إير بي إن بي" مع الاحتلال تعكس قضية أوسع: الشركات كانت، وما زالت، تجني أرباحًا من الإبادة الجماعية للفلسطينيين. تعلمتُ ذلك في سنوات الجامعة من خلال حملات سحب الاستثمارات، وأتعلمه الآن حين أرى شركات تؤجر منازل يفترض أن تكون ملكًا لأبناء شعبي. هذه الشركات تنظر إلى الأرض التي أنجبتني كعقار لا أكثر، كمجرد "استثمار" أو "إيجار سياحي".
لكن فلسطين ليست مشروعًا استعماريًا أو سوقًا عقارية. لن أسمح أبدًا بتحويل أرضي إلى "منتجع على الشاطئ" أو "كوخ ريفي"، ولا يجب على أي مؤيد لفلسطين أن يقبل بذلك. أدعوكم إلى متابعة تحركاتنا ضد "إير بي إن بي"، وإلى رفع الصوت بأن commodification الأرض الفلسطينية لن يمرّ بصمت.
--------
جينين م. هي منسقة حملة فلسطين في منظمة CODEPINK. تخرّجت بدرجة بكالوريوس في السياسات العامة من جامعة إلينوي في شيكاغو في ديسمبر 2023. ولأكثر من خمس سنوات، تعمل منظِّمة مجتمعية وناشطة في الحراك الفلسطيني عبر المناصرة، ورواية القصص الرقمية، والتعبئة الشعبية. وهي مؤمنة عميقًا بترابط النضالات وبالتحرر للجميع.
نقلا عن موقع CounterPunch
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق