أحدث الموضوعات
recent

خرافة "دولة المخدّرات" كسلاح ضد فنزويلا

روجر هاريس

في أواخر الستينيات، كان ليموزين كاديلاك ضخم يحمل لوحات من نيوجيرسي متوقفًا في أحد شوارع إيست هارلم. نادرًا ما كان سكان الحي يملكون سيارات أصلًا، فما بالك بسيارة جديدة لامعة. سألت بعض الأطفال عن الأمر، فأجابوا ببساطة أن رجال المافيا يأتون كل أسبوع لتحصيل أموال تجارة المخدرات. وبعدها اكتشفت ساحة لعب تحوّلت ليلًا إلى ما يشبه "سوقًا حرة" للمخدرات. وإذا كان صبيان في الثالثة ابتدائي ووافد من الضواحي قادرين على رصد التجارة غير المشروعة، فكيف لم يتمكن المسؤولون – الذين غطوا المدينة بلافتات "حافظوا على نيويورك خالية من المخدرات" – من كشفها؟

منذ ذلك الوقت، وأنا لا أزال أتساءل: لماذا لم تستطع أمريكا – أكبر مستهلك للمخدرات في العالم، وأكبر مغسلة لأموالها القذرة، وأكبر مورّد للأسلحة لعصاباتها – حل هذه المشكلة؟

إسقاط المشكلة على أمريكا اللاتينية

الواضح أن واشنطن تُسقط قضية المخدرات على أمريكا اللاتينية. فالناطقة باسم البيت الأبيض آنا كيلي حذرت من "إرهابيي المخدرات الأشرار الذين يحاولون تسميم وطننا". وجرى تحويل مكافحة التهريب إلى ذريعة للتدخل الإمبريالي، وخصوصًا ضد فنزويلا.

منذ انتخاب هوغو تشافيز رئيسًا عام 1998 وإطلاقه الثورة البوليفارية – التي أطلقت موجة "المد الوردي" في أمريكا اللاتينية وأحيت حركة مناهضة للهيمنة عالميًا – وأمريكا تسعى لسحقها. وفي 2015، وصف باراك أوباما فنزويلا بأنها "تهديد استثنائي" للأمن القومي الأمريكي، بينما الحقيقة أن واشنطن هي التي كانت تهدد كراكاس.

فرض أوباما إجراءات قسرية أحادية – تسمى تلطيفًا "عقوبات" – ثم جاءت الإدارات اللاحقة لتجديدها وتعزيزها بدرجات متفاوتة، رغم مخالفتها للقانون الدولي، في توافق حزبي أمريكي كامل. لكن هدف تغيير النظام فشل بفضل قيادة الرئيس نيكولاس مادورو، وبفضل التلاحم الشعبي وتحالف المدنيين والعسكريين.

ومع فشل العقوبات القاسية في إسقاط الحكم، أرسل الرئيس ترامب أسطولًا من السفن الحربية وطائرات إف-35 وقوات ضخمة لتكثيف الضغط.

ثروات فنزويلا في مرمى واشنطن

مادورو ردّ قائلاً: "ما تريده واشنطن هو السيطرة على ثروات فنزويلا، بما فيها أكبر احتياطي نفطي في العالم. لهذا السبب نشرت الولايات المتحدة بوارجها وطائراتها وصواريخها وغواصة نووية قرب سواحلنا بذريعة محاربة المخدرات".

ويؤكد مادورو أن بلاده خالية من إنتاج ومعالجة المخدرات، مستشهدًا بتقارير الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وحتى وكالة مكافحة المخدرات الأمريكية نفسها (DEA). وكان يمكنه أيضًا الاستناد إلى تقارير أجهزة الأمن التابعة لترامب التي برّأته من تهمة قيادة عصابة "ترين دي أراجوا".


وللمفارقة، فإن وكالة الـDEA ذاتها – التي طردتها فنزويلا عام 2005 بتهمة التجسس – واصلت سرًا إعداد ملفات اتهام ضد قادة البلاد، في خرق واضح للقانون الدولي، بحسب تحقيق لوكالة "أسوشيتد برس".

تورط الـDEA

نائبة الرئيس ديلسي رودريغيز أوضحت أن الوكالة "معروفة بارتباطاتها بعالم المخدرات". إذ كشف تحقيق لوزارة العدل الأمريكية أن ما لا يقل عن عشرة عناصر من الوكالة في كولومبيا شاركوا مرارًا في "حفلات جنسية" مع بغايا دفع تكاليفهن تجار المخدرات المحليون. وفي 2022، أُقيل رئيس مكتب الوكالة في المكسيك بسبب "اتصالات غير مشروعة" مع العصابات. ويعكس ذلك نمطًا مقلقًا: حيثما تحضر الـDEA يزدهر النشاط الإجرامي بدل أن يتراجع.

تجارة مربحة في أمريكا

ويذكّر مادورو بأن الولايات المتحدة "لا تبدي أي اهتمام بحل مشكلة الصحة العامة الخطيرة الناتجة عن ارتفاع استهلاك المخدرات لدى مواطنيها"، مشيرًا إلى أن أرباح هذه التجارة تبقى في النظام المصرفي الأمريكي. فالمخدرات غير المشروعة تعد صناعة كبرى في الاقتصاد الأمريكي. وأبحاث صادرة عن مؤسسة "راند" المموّلة من الجيش الأمريكي أظهرت أن المخدرات غير المشروعة تنافس الأدوية والنفط والغاز كأهم السلع الأمريكية.

شهادات أممية

بينو أرلاتشي، الرئيس السابق لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، قال: "زرت كولومبيا وبوليفيا والبيرو والبرازيل، لكن لم تكن هناك أي حاجة لزيارة فنزويلا". وأضاف: "تعاون الحكومة الفنزويلية في مكافحة المخدرات كان من بين الأفضل في أمريكا الجنوبية، ويمكن مقارنته فقط بالسجل النظيف لكوبا. لذلك فإن رواية ترامب عن ’فنزويلا كدولة مخدرات‘ ليست سوى افتراء مدفوع بدوافع جيوسياسية". وأكد أن تقرير المخدرات العالمي لعام 2025 الصادر عن الأمم المتحدة يروي قصة معاكسة تمامًا للرواية الأمريكية.

ويضيف أرلاتشي أنه لو كان هناك بلد يستحق التركيز، فهو الإكوادور الحليف لواشنطن، التي باتت اليوم المصدّر الأول للكوكايين عبر سفن الموز التابعة لعائلة الرئيس اليميني دانييل نابوا، صديق ترامب.

أصابع الاتهام تعود إلى واشنطن

الرئيسة المكسيكية كلوديا شينباوم أشارت إلى أن أي "تحالف" مع العصابات يوجد فعليًا "في محلات السلاح الأمريكية"، حيث تغذي الأسلحة الأمريكية العنف الدموي للعصابات. ودعت واشنطن لمراجعة نفسها: "إذا أرادوا فعلًا الحد من الفنتانيل، يمكنهم مكافحة بيعه في شوارع مدنهم الكبرى ووقف عمليات غسيل الأموال المرتبطة به، لكنهم لا يفعلون".

الرسالة المتكررة من أمريكا اللاتينية واضحة: تحميلهم وحدهم مسؤولية مشكلة المخدرات تضليل، بينما شراهة الأمريكيين للتعاطي وتاريخ تدخلاتهم جزء أساسي من الأزمة. والحلول الحقيقية تستلزم تقاسم المسؤوليات وبناء شراكات تعاونية.

حرب أمريكية مموّهة

السياسة الأمريكية في عهد ترامب، التي تخلط بين الإرهاب والجريمة، ليست سوى غطاء لإسقاط الهيمنة العسكرية. الادعاء بحق التدخل الأحادي في أراضي الدول المجاورة لمحاربة العصابات، أو حتى قتل طواقم سفن في الكاريبي، ليست حلولًا. قادة أمريكا اللاتينية يعيدون تسليط الضوء على واشنطن، ويشيرون إلى سياساتها في السلاح، وشهية الاستهلاك، والدوافع الخفية وراء "الحرب على المخدرات"، بما فيها الحملة الحالية لإسقاط نظام فنزويلا.

مشكلة المخدرات لن تُحل عبر شيطنة أمريكا اللاتينية، فيما أمريكا نفسها لم تواجه جذور المشكلة داخل حدودها.

---

روجر هاريس عضو مجلس إدارة "تاسك فورس أون ذي أميريكاز"، وهي منظمة لحقوق الإنسان مناهضة للإمبريالية تأسست قبل 32 عامًا.

نقلا عن موقع CounterPunch

زقاق النت

زقاق النت

ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.