ساسة بوست:
كيف تقبل المنطقة على ثورة طاقة جديدة ومهولة ؟، ومن يتصارع على هذا الكنز الهائل الراقد تحت أعماق البحر المتوسط ؟، وكيف خسرت مصر ما يمكن اعتباره كنزها الأكبر تاريخيًا لصالح تل أبيب؟، هذا التقرير يقدم لك إجابات واضحة على ما يحدث فى شرق المتوسط
(1) لماذا يتصارع العالم حول البحر المتوسط؟
لكي نفهم ما يحدث، لابد وأن نلقي نظرة واسعة على احتياجات العالم من الطاقة.
معلومات هيئات العالم بالكامل عن الطاقة خاضعة لما تعلنه حكومات الدول الغنية المتحكمة بمسارات الطاقة العالمية، هناك مشكلة حقيقية سلط الضوء عليها رون باتيرسون – مهندس الحاسوب الشهير وذو خبرة العمل الواسعة في مجال الطاقة – عندما أكد أن معلومات الاحتياطي العالمي خاضعة لتصريحات الحكومات الرسمية أو شركات الطاقة، قد يبدو ذلك صحيحًا، ولكن الإحصائيات في النهاية قريبة من الواقع بشكل ما يجعلنا نستطيع تكوين صورة ذهنية أقرب للصواب.
بحسب إحصائيات هيئة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA) في أواخر 2014 “والتي تضم بعض بيانات 2013″ فإن الأرقام الموثوق منها لاحتياطات النفط العالمية هي 1646 مليار برميل نفطي، رفعها اللاعب العالمي في صناعة الطاقة بريتيش بيتروليوم (BP) البريطانية إلى 1687.9 مليار برميل، وهي كمية تكفي العالم لمدة 53 عامًا قادمة حسب معدل الزيادة السنوي لاحتياجات الطاقة.
يستحوذ الشرق الأوسط على نصيب الأسد بـ 49% من هذه الكمية، ثم أمريكا الوسطى والجنوبية بـ 20%، ثم أمريكا الشمالية بـ 13%، ثم أفريقيا بـ 8%، والأربعة مناطق هم المتحكمون العالميون في حركة النفط وإمداداته، أما الغاز الطبيعي فاحتياطات العالم منه تقدر بـ 185.7 تريليون متر مكعب (أكثر من ستة ونصف كوادريليون “مليون مليار” قدم مكعب “المتر المكعب = 35.3 قدم مكعب”)، وهي احتياطات تتزعم عرشها روسيا، وإجماليًا من المتوقع دوامها لمدة 56 عامًا.
منذ خمس سنوات بدأت المنطقة الشرقية في البحر المتوسط في الدخول إلى لعبة الطاقة الكبرى كأحد أغنى مناطق العالم غير المكتشفة بالغاز الطبيعي، كان هذا بعد تطوير تقنيات حفر تسمح بالتنقيب تحت قيعان البحار في المياه العميقة، نتكلم هنا عن أعماق تصل إلى ما يزيد على الألفي متر تحت سطح البحر.
بمرور الوقت توالت المسوح الجيولوجية لتأتي الأخبار السارة، فالبحر المتوسط يرقد على كنز طاقة حقيقي، حيث احتياطيات غاز تقدر بأكثر من 36 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي في مناطق بالقرب من إسرائيل وقبرص، أما اليونان فتقدر الاحتياطات في بحر إيجة والبحر الأيوني وجنوب جزيرة كريت ب 123.6 تريليون قدم مكعب (رقم يتعدى استهلاك العالم بأكمله من الغاز الطبيعي في عام ويكفي استهلاك الاتحاد الأوروبي بالكامل لمدة ست سنوات متصلة)، لتقدير أرقام كتلك يكفي أن تعلم أن الولايات المتحدة تستهلك غازًا طبيعيًا يقدر بـ 24.3 تريليون قدم مكعب في عام كامل، أما النفط فإن تقديرات هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية تقدره في هذه المناطق بثلاثين مليار برميل، أي أننا نتحدث عن قيمة سوقية نفطية تقدر بواحد ونصف تريليون دولار تحت سطح البحر ينتظرون من سيكشف عنهم ويأخذهم!
هذا الأمر يشبه تمامًا بدايات عصر النفط في الخليج العربي وتحول دوله من دول ذات اقتصاديات فقيرة إلى إحدى أغنى مجموعات الدول على الأرض بفضل ثورة النفط المكتشفة، حسنًا، الصورة هنا بالنسبة لإسرائيل وقبرص مماثلة تمامًا، لكن المفاجأة أن أغلب كنوز الطاقة هذه من حق دولة ثالثة، دولة تدعى مصر!
(2) كيف دخلت إسرائيل اللعبة وخسرت مصر؟!
يمكن تتبع الأمر زمنيًا وإجمال الأمور في بضع نقاط سريعة ومكثفة
1 – إسرائيل هي واحدة من أكبر مستهلكي الغاز الطبيعي في البحر المتوسط، استهلاكها السنوي سيتعدى الـ 9.5 مليار متر مكعب هذا العام، وسوف يصل إلى 13.3 مليار في 2020، ما قبل 2013 كانت إسرائيل تعتمد بشكل كبير على الغاز المصري والذي كان يوفر لها في مرحلة ما 40% من احتياجاتها الشاملة من الطاقة، هذا قبل توقف تصدير الغاز المصري في 2013 لضعف الإنتاجية المصرية لعدم الاستقرار السياسي وانعدام تطوير المشروعات الاستكشافية وحقول الغاز الحالية مع صفقات سياسية مريبة وتواطؤ من بعض شركات الغاز العالمية.
2 – بحسب قانون البحار العالمي فإن لكل دولة من دول العالم تطل على مسطحات مائية الحق في اثني عشر ميلًا بحريًا كمياه إقليمية ومائتي ميل بحري كمنطقة اقتصادية يمكن إعادة ترسيمها وتوسيعها في حالة امتلاك ثقل سياسي وعسكري مناسب، يرجى تذكر هذه المعلومة جيدًا، سنحتاج إليها فيما بعد!
3 – Noble Energy، إحدى شركات الطاقة العالمية الأمريكية الكبرى العاملة داخل وخارج الولايات، مقرها في هيوستن، وهي واحدة من أكثر الشركات وثيقة الصلة بتل أبيب!
في 2004 كانت بداية القصة والتعاون واسع النطاق بين إسرائيل وشركة نوبل في مياه البحر المتوسط، وأتى التعاون بعد عام واحد من اتفاق ترسيم الحدود البحرية المريب بين مصر وقبرص والذي تم دون أن يكون هناك ترسيمًا للحدود بين الدولتين وبين إسرائيل، مما أعطى تل أبيب مساحة ممتازة من الحركة في مياه بحرية من المفترض أنها مصرية خالصة، وكان التعاون على هيئة اكتشاف وبدء العمل في حقل (ماري بي)، أول حقل غاز طبيعي في سواحل المتوسط الفلسطينية المحتلة وأول إنتاج للغاز الطبيعي لإسرائيل.
4 – ظلت الأمور على هذا المنوال لمدة خمس سنوات كانت مصر فيها تعاني من صفقات وهمية مع شركة شل ووعود واتفاقيات تنقيب عن احتياطات غاز طبيعي تقدر بـ 15 تريليون قدم مكعب ومليار برميل نفطي في المياه العميقة، ليأتي عام 2009 كاشفًا النقاب عن إنجاز جديد لتل أبيب ونوبل يتمثل في حقل تمار (Tamar) بعد أن توسعت نوبل للمياه الأعمق واستولت إسرائيل بالقوة على جزء من المياه البحرية الاقتصادية اللبنانية زاعمة أن ترسيم الحدود يعطيها الحق في هذه المنطقة، وقدرت احتياطات الحقل بـ 9 تريليون قدم غاز مكعب، ثم جاء حقل داليت (Dalit) وهو حقل ضعيف بنصف تريليون قدم مكعب وهو يساوي استهلاك إسرائيل حينها في عام ونصف.
5 – في 2010 كانت إسرائيل على موعد مع فرحتها الكبرى، حقل ليفياثان (Leviathan) العملاق في جبل إراتوستينس البحري (Eratosthenes) أحد أكبر وأعلى التضاريس الجبلية تحت الماء في العالم، الحقل الذي اكتشفته نوبل تقدر احتياطاته بـ 17 تريليون قدم مكعب من الغاز بقيمة 80 مليار دولار، نتكلم هنا عن بعض التقديرات التي تقول أن الرقم هو احتياجات إسرائيل من الغاز الطبيعي لـ 100 عام قادمة، والتقديرات الأقرب للصواب ما بين الـ 50 و الـ 60 عامًا!
الآن مع الأهم: حقل ليفياثان هو حقل مصري خالص!
6 – الحقل يقع في السفح الجنوبي للتكوين الصخري هائل الحجم (إراتوستينس)، هذه المنطقة تبعد حوالي 190 كيلومتر عن شمال دمياط، بينما تبعد 235 كيلو متر عن حيفا الإسرائيلية، وهي المنطقة التي كانت ضمن امتيازات التنقيب المصرية في البحر المتوسط والمسمى (نيميد NEMED).
إسرائيل نفسها تعترف أن الحقل في مياه هي محل نزاع وليست إسرائيلية بأي شكل، وعندما يأتي تصريح كهذا من كيان اعتاد أخذ ما يحلو له فلابد وأن نتوقف كثيرًا، بل إنه واستغلالًا لعدم ضغط مصر على تل أبيب لترسيم الحدود البحرية الاقتصادية قامت وزارة البنية التحتية الإسرائيلية في يناير 2011 بإصدار خريطة بامتيازات التنقيب الإسرائيلية عن النفط والغاز لتكون معلنة للشركات والحكومات العالمية، وفي الخريطة ضمت منطقة حقل ليفياثان بالكامل واقتطعته من الامتياز المصري شرق المتوسطي (نيميد)، وتل أبيب بالمناسبة تجري أبحاثًا جيولوجية ومسحًا بحريًا عميقًا باستخدام روبوتات غاطسة على جبل إراتوستينس منذ عام 2005 تحت مسميات مختلفة واستغلالًا لوضع الشرق الأوسط الجيوسياسي المتقلب والمليء بالأزمات.
7 – نفس القصة تكررت بشكل رسمي هذه المرة مع حقل أفروديت القبرصي الذي تؤكد عدد لا بأس به من الدراسات احتواءه على احتياطي غاز يقدر بـ 23.66 تريليون قدم مكعب بقيمة 120 مليار دولار، بينما في كل الأحوال فإن احتياطاته المؤكدة لن تقل عن حقل ليفياثان الإسرائيلي وهو ما تم التأكد منه في حقل طبقة الغاز فيه سمكها 15 مترًا كاملًا، المشكلة أن الحقل لم يكن ليدخل في المياه القبرصية لولا اتفاقية ترسيم الحدود الغريبة في 2003 مع مصر، وهي الاتفاقية التي لا تعترف بها تركيا ولا بمجمل اتفاقيات ترسيم الحدود الاقتصادية في شرق المتوسط.
(3) من يحارب من؟
لدينا في هذا الصراع في منطقة شرق المتوسط المحتضنة لكنز مهول من الطاقة تسعة لاعبين مباشرين هم (مصر، إسرائيل، فلسطين، قبرص، تركيا، إنجلترا، اليونان، سوريا، لبنان)، هذه هي الدول المطلة على شرق البحر المتوسط والمحيطة به، ويمكننا حذف فلسطين المحتلة لأسباب واضحة تمامًا، تتبعها سوريا الممزقة الآن بالحرب الدائرة هناك، يتبقى سبعة لاعبين رئيسيين هم مكونات الصراع ومن يمتلكون القدرة على الانخراط فيه إن أرادوا، ولاعبين غير مباشرين هم (روسيا، الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة) وبدرجة أقل الصين الشعبية.
يبرز هنا السؤال الأول: كيف تمتلك قبرص الهامشية أي قدرات للانخراط في صراع كهذا؟!، والإجابة أن قبرص تمثل مصالح العالم من ورائها!
عندما اكتشفت نوبل (عملاق الطاقة الذي يوشك على التحول في السنوات القادمة لأحد مالكي مفاتيح الطاقة العالمية) حقل أفروديت في بدايات التنقيب في القطاع الثاني عشر في المنطقة البحرية الاقتصادية القبرصية في 2011 كان قد سبق هذه البدايات تهديد تركي صريح بتدخل عسكري إذا استمر التنقيب بداعي أن أنقرة لا تعترف بالاتفاقيات الموقعة من الجانب المصري والإسرائيلي واللبناني مع قبرص لترسيم الحدود البحرية الاقتصادية لأنها لم تكن طرفًا في المناقشات (وهو حق مشروع)، لكن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يقفان خلف قبرص بينما تؤيد الأمم المتحدة حقها في التنقيب عن الطاقة، لذلك بدأت نوبل حينها التنقيب بدون تهديد واقعي.
تأييد الولايات المتحدة ودعمها يرجع لمصالح تل أبيب الأهم، بينما تأييد الاتحاد الأوروبي فهو لهدف أعمق استراتيجيًا يتمثل في إنشاء ذراع طاقة آخر بعيدًا عن سيطرة روسيا وقبضتها الحديدية التي تحكم بها أوروبا، فروسيا تستطيع إصابة أوروبا – التي تعتمد على الطاقة الروسية بشكل كبير – بالشلل في أي وقت، لذلك من المهم افتكاك القارة لنفسها من القبضة الروسية، والبحث عن مورد جديد للغاز يسهل من عملية تقليل الاعتماد التدريجية على غاز الدولة الجليدية، وهي ورقة الضغط التي استخدمتها روسيا مثلًا في غزو القرم دون أن تعاني من أي ضغط دولي حقيقي يهددها.
روسيا لا تكتفي بهذا الحد، ولأنها تدرك الهدف الأوروبي وتسعى لإبقاء قبضتها فعالة على القارة العجوز فإنها تتحرك في مسارات مختلفة بشكل متواز، من جهة وقعت عقدًا مع السلطة الفلسطينية برأس مال مبدئي (مليار دولار) للتنقيب عن الغاز الطبيعي أمام السواحل الغزاوية في 2014، وفي العام الذي سبقه وقعت مع نظام بشار الأسد عقدًا بإعطاء الحق للبنك المركزي الروسي في الاستحواذ على استثمارات فيما أمام السواحل السورية تقدر مساحتها ب 850 ميلًا مربعًا من المنطقة الاقتصادية المائية الدمشقية الغنية بالطاقة لمدة 25 عامًا قادمة، وهذا من أسباب تأييد روسيا المستمر بلا توقف لنظام بشار وتعقيد المشهد الجيوسياسي بهذا الشكل، وتحاول الاتفاق منذ فترة مع تل أبيب للحصول على امتيازات تطوير حقل ليفياثان، وتقدم دعمًا ماليًا وسياسيًا كبيرًا لقبرص لتطوير مشروعاتها النفطية في القطاع 12 في مواجهة تركيا!
بشكل أكثر دقة فروسيا يتواجد جزء من أسطولها البحري في قاعدة طرطوس البحرية الروسية على الساحل السوري وكثفت من وجودها في ساحل البحر المتوسط هناك بشكل مرتب، أما بوتين نفسه فقد زار إسرائيل في عام 2012 وقيل حينها أن الأولوية الأولى من الزيارة هي محاولة إقناع تل أبيب بإقامة شراكة طاقة روسية إسرائيلية قد تبدو الآن في طريقها للنجاح.
بينما تركيا تعزز من تواجدها بشكل مكثف وهي تمتلك كل القوة العسكرية لإعاقة التعاون القبرصي الإسرائيلي المشترك، فمن جهة تحاول إرسال رسائل عسكرية كل فترة ومن آخرها كان شراؤها لسفينة إنزال حمولتها 27 ألف طنًا تستطيع حمل دبابات وطائرات مروحية وألف جندي في خطوة لتطوير بحريتها والسيطرة على مناطق النزاع مع قبرص، ومن جهة أخرى ترفض تمامًا التوقيع على أي اتفاقية من الاتفاقيات الحالية لترسيم الحدود ولا تعترف بها دوليًا، ومن جهة ثالثة تضغط على شركات الطاقة الأمريكية والإيطالية العاملة في شرق المتوسط تارة بتهديدهم بإغلاق الأسواق التركية أمامهم وتارة بالتهديد بطردهم من بعض المناطق المتنازع عليها بالقوة العسكرية وهي التهديدات والتحركات التي ردت عليها روسيا فورًا بأنها لن تتسامح مع هذه التحركات التركية مما ساهم في تعقيد المشهد، ورابعًا فإن تركيا لم تخف وجود احتمال ولو ضئيل لغزو الجزء القبرصي الجنوبي إن لزم الأمر، إذا فأنقرة تمثل تهديدًا حقيقيًا للحلم الإسرائيلي في الطاقة المتوسطية.
أما لبنان فإن التهديد يأتي من حزب الله، فحقل ليفياثان درة الحقول الإسرائيلية تقول لبنان أن جزءًا مهمًا منه يقع في حدودها الاقتصادية، والمنطقة البحرية متنازع عليها بين لبنان وإسرائيل، ولذلك هدد حزب الله الذي يحكم الجنوب اللبناني والفاعل شديد القوة في الداخل أن يضرب منصات استخراج الغاز الإسرائيلية مما زاد من عبء بحرية تل أبيب والتي تضطلع بمهمتها بصعوبة كافية في مواجهة بحرية تركيا الأقوى في الشرق الأوسط!
(4) كيف تتوغل إسرائيل؟
تعمل تل أبيب ضمن خطة منظمة جدًا للسيطرة على أحد أهم مناطق الطاقة المستقبلية في العالم، فمع تحول إسرائيل الآن ومعها قبرص واليونان لدول مصدرة للغاز الطبيعي، ولكي تُنقل هذه الإمدادات لأوروبا ولآسيا فهناك أربعة طرق فقط، أقلها تكلفة وأفضلها وأكثرها أمانًا هو خط أنابيب يمر عبر الأراضي التركية، وهو أمر صعب جدًا لعلاقات تركيا المتوترة مع قبرص وإسرائيل، وبديل إنشاء نفس الخط ولكن تمريره عبر اليونان لأوروبا هو بديل مكلف جدًا وغير عملي، وبديل سفن إسالة الغاز وهو بديل غير آمن ويسهل ضربه، لذلك كان البديل المتاح هو إنشاء مصنع للغاز المسال إما في قبرص أو إسرائيل، وتم اختيار قبرص لأن اسرائيل مهددة دائمًا بصواريخ حركة المقاومة (حماس)، وهذا البديل هو الاختيار المنطقي على الرغم من أن تكلفة مصنع الإسالة عشرة أضعاف تكلفة خط أنابيب تركيا.
في 26 يونيو لعام 2013 وقعت المجموعة النفطية الإسرائيلية الأمريكية المشتركة اتفاقية مع قبرص لإنشاء مصنع لإسالة الغاز المستخرج من حقول اليونان وإسرائيل وقبرص، المجموعة كونت من شركات ثلاث هم (نوبل) الأمريكية بالطبع و (Delek Drilling) و (Avner Oil And Gas) والأخيرتان إسرائيليتان ومشاركتان أيضًا في حقل ليفياثان، ونص الاتفاق على إنشاء مصنع للغاز المسال في فاسيليكو قرب ليماسول جنوب قبرص، تمتلك نوبل في هذا الاستثمار 70% ثم الـ 30% الباقية مناصفة بين الشركتين الاسرائيليتين.
في نفس العام وقعت إسرائيل وقبرص واليونان بشكل رسمي اتفاقية حماية مصالح تنص على تعاون وثيق لحماية البنية التحتية للطاقة في شرق البحر المتوسط، وهو ما يمكن وصفه باتفاقية دفاع مشترك مصغرة تأخذ فيها تل أبيب نصيب الأسد بالطبع من القدرة والتكلفة والفائدة وتوسيع رقعة عملياتها الاستراتيجية البحرية تبعًا لقوة جيشها وإمكاناتها العسكرية والتكنولوجية، ثم في أبريل من العام الماضي وقعت تل أبيب بشكل ثنائي مع قبرص اتفاقية لاحقة لاتفاقية ترسيم المنطقة الاقتصادية البحرية في 2010، نصت هذه الاتفاقية اللاحقة على حماية المعلومات الخاصة باستكشاف الطاقة الجيولوجي في القطاع 12 القبرصي وفي قطاع ISHAI الإسرائيلي سواء الحالية أو المستقبلية، وتبادلها، ووضعها تحت بند السرية ومنع أي طرف ثالث من الاطلاع عليها!
وفي مسار موازٍ تسير الحكومة الإسرائيلية ممثلة في وزارة الدفاع في اتجاه تطوير القدرات العسكرية للبحرية الصهيونية، فتطور قدراتها الصاروخية البحرية من جهة، ومن جهة أخرى تعاقدت على شراء ثلاث غواصات أخرى من الولايات المتحدة، ومن جهة ثالثة تحاول استيراد أربع سفن حربية للمراقبة الدورية، هذا كله في إطار سعي البحرية الإسرائيلية لضمان أقصى حماية للبنية التحتية للطاقة في شرق المتوسط.
(5) أين مصر؟
الصمت المصري والتماهي مع ما يحدث وترك كل شيء هو أمر مقلق للغاية وكان غير مفهوم حتى فُسر جزئيًا بعد إعلان رويترز بالأمس عن تحول مصر من دولة مصدرة للغاز إلى دولة تستورد الغاز من تل أبيب الفقيرة تمامًا بموارد الطاقة قبل استيلائها المدعوم دوليًا والمستفيد من الصمت المصري على المناطق الاقتصادية البحرية لأربع دول (مصر، سوريا، لبنان، فلسطين).
أمس الأربعاء أعلنت رويترز عن أول اتفاق شبه رسمي بين المجموعة المسؤولة عن حقل تمار (نوبل، ديليك، أفنر) وبين شركة دولفينوس القابضة المصرية الخاصة، والاتفاق ينص مبدئيًا على تصدير خمسة مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي في أول ثلاث سنوات، وعلق مصدر من وزارة البترول أن الوزارة لم تتلق أي طلبات استيراد رسمية من الخارج لكنها على استعداد للموافقة إذا ما قدم الطلب شرط التزامه بإضافة قيمة للسوق المحلي وحل مشاكل التحكيم الدولي وتوفير الغاز في السوق وهي الشروط التي لا تمثل أي عائق أمام الصفقة القادمة.
سيتم نقل الغاز من إسرائيل لمصر عن طريق خط الأنابيب الذي كان يستعمل لنقل الغاز من مصر لإسرائيل قبل حوادث التفجير الشهيرة المتكررة التي كانت من أسباب وقف تصدير الغاز مع أزمة الطاقة التي تمر بها مصر منذ فترة طويلة، مع إمكانية زيادة حجم الطلب المصري ليصل إلى 15 مليار متر مكعب في نفس الثلاث سنوات.
في التاسع من نوفمبر من العام الماضي، استضافت مصر قمة الكالاماتا بين الجنرال (عبد الفتاح السيسي) الرئيس المصري الحالي و(نيكوس أناستاديادس) رئيس قبرص و(أنتونيس ساماراس) رئيس وزراء اليونان، وكان هدف القمة الأساسي هو إعادة ترسيم الحدود بين الثلاث دول بتجاهل الدولة الرابعة (تركيا) والتي تتشارك في هذه الحدود، وفيه تخلت مصر عن جزء مهم من منطقتها الاقتصادية البحرية لصالح اليونان في إعادة ترسيم للحدود كانت بمثابة ضربة شبه نهائية لإمكانية الرجوع المصري لكعكة الطاقة الهائلة في المنطقة، ضربة ذاتية من مصر لمصر ستنحيها جانبًا لسنوات ليست بالقصيرة لصالح إسرائيل!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق