على القماش
قبيل ثورة 1952 كانت البلاد وكافة الآحزاب تضيق بالتصرفات الماجنة للملك فاروق .. وتعددت استجوابات البرلمان تشير الى استهجان تصرفاته وتصرفات الآسرة المالكة ، ومنها استجواب ابراهيم شكرى عن استخدام النساء فى تقديم الخمور لرواد حفلات كبار المسئولين ، وهو فى حقيقته تعريضا بتصرفات فريق من سيدات الاسرة المالكة ، وكذلك امتناعه والنائب الوفدى ابراهيم طلعت بالتبرع بالمكافأه البرلمانية لتقديم هدية للملك عند زواجه من ناريمان .. ( وقد تم سجن ابراهيم شكرى بعد استجوابه بتهمة العيب فى الذات الملكية ) كذلك الهجوم الشرس لعدد من الصحف ضد الملك ، ومن أبرزها ما كتبه أحمد حسين زعيم مصر الفتاة فى جريدة ” الاشتراكية ” تحت عنوان ” الساعة اتية لا ريب فيها ” مع نشر صورة لطفلين عاريين يسران بالشارع ، وضعها تحت عنوان ” رعاياك يا مولاى ” ، وكذلك نشر ابو الخير نجيب المقال الافتتاحى فى جريدة ” الجمهور المصرى ” تحت عنوان ” التيجان الهاوية “وأيضا مهاجمة جريدة ” اللواء الجديد ” التى كان يصدرها الحزب الوطنى الجديد وعدد من الصحف للملك واسرته وحاشيته .. اضافة لمظاهرات طلاب الجامعة الذين كانوا يهتفون ” أين الغذاء وأين الكساء يا ملك النساء ” و ” أين أمك يا فاروق ” وغيرها ( لعل من يمجدون الملك حتى اليوم يعرفوا بالحقيقة )
ومما رواه الصحفى المعروف محمد صبيح والذى كان يشغل نائبا لرئيس تحرير جريدة ” الاساس ” لسان حال السعديين ، وهو ما أكده عبد الفتاح الطويل باشا والذى كان يشغل وزيرا للعدل : ان الملك فاروق أستدعى رئيس الحكومة مصطفى النحاس وعرض عليه أعداد من جريدة ” الاشتراكية ” وما يكتبه فيها أحمد حسين من هجوم عليه بضراوة ، فتظاهرالنحاس أنه لم يقرأها من قبل ، وقال للملك انه سيخرج من عنده ويتخذ اجراءا حاسما على الفور.
وظن الملك أن النحاس سوف يفتح أبواب السجون ويزج فيها بأحمد حسين ومن مثله ممن يهاجمونه ، ويعقد محاكم عاجلة لمحاكمة وحبس هؤلاء
وسأل الملك النحاس : حتعمل ايه فى أحمد حسين وجماعته ؟
فأجاب النحاس على الفور : سأبلغ النيابة
وصاح الملك فى دهشة : تبلغ النيابة ؟ .. أمال السجون فين ؟
أجاب النحاس : يا مولاى . لا أستطيع لا أستطيع حتى لو كنت رئيس الحكومة أن أرسل أحد الى السجن ، ولابد من أمر النيابة والقضاء ، وأن مأمور أى سجن يرفض اطاعة أوامرى حتى لو كان الآمر كتابيا.
وراح فاروق يتمشى بعصبية فى قاعة العرش وهو يردد : النيابة ! .. النيابة قال !!
ولان الملك كان يعانى بشدة من هذه الحملات ضده حتى ولو تظاهر أمام حاشيته وفى سهراته الخاصة بانه غير مكترث بما تكتبه الصجافة وبما يقال عنه وعن عائلته.
ولان النحاس رئيس الحكومة لم يفعل شيئا مع الصحافة التى تهاجم بعنف ، أستدعى الملك مستشاره الصحفى ” كريم ثابت ” والذى أقترح عليه تقديم مشروع قانون بتعديل قانون العقوبات من شأنه فرض الرقابة على انباء القصر وعدم الخوض فى سيرة الملك أو اى من افراد عائلته ، وتغيير بعض أحكام الدستور ، والطلب من النحاس تقديمه للبرلمان بصفته رئيس الحكومة
وحصل كريم ثابت على صيغة ثلاثة قوانين تفى بهذا الغرض ، وهى تقضى باغلاق الصحف وبتفسير الدستور باعتبارها خطرا على النظام الاجتماعى ، وأن تنظر القضايا المتعلقة بالهجوم على الملك او عائلته على وجه السرعة ، وأعطى مسودة هذه القوانين الى بعض السكرتارية لكتابتهاعلى الاله الكاتبة تمهيدا لاستدعاء النحاس لمقابلة الملك ، وأخذها منه لتقديمها لمجلس النواب لاقرارها.
وتصادف ان الساعى الذى أخذ المسودة من كريم ثابت ليصلها الى كاتب الاله الكاتبة ثم يستلمها منه واعادتها ، قرأها ” وانه له فى السياسة ” ولانه يعرف النائب غنام باشا حيث انه نائب دائرته ، فأخذ الورق مسودة الورق من سلة المهملات وفى كتمان أوصلها الى غنام باشا والذى نصحه بكتمان ما فعله تماما حرصا عليه.
وأخذ غنام باشا يبحث عن مخرج لاجهاض هذه القوانين والرقابة على الصحف فيما يخص الملك وعائلته ، وهداه تفكيره الى حيلة طريفة باستدعاء نائب يقدم هذه القوانين فى استجواب عاجل للمجلس ، ويقوم المجلس بأغلبيته برفضها ، وعندئذ لن يتم عرضها ثانية.
وتحمل النائب الوفدى اسطفان باسيلى بشجاعه القيام أو تمثيل هذا الدور الكريه وما يعرضه من هجوم بانه منافق وعميل للملك ومتستر على الفساد ، وانه ضد الحريات والصحافة ، وهو ما لاقاه بالفعل حتى من جميع اعضاء حزب الوفد الذى ينتمى اليه حيث لم يكونوا يعرفوا بالقصة الحقيقية .. وقام بتسليمها لسكرتارية مجلس النواب ( يوليو 1951 ) وطلب اقرارها على وجه الاستعجال
وما ان عرف بالخبر حتى ثارت الاحزاب والصحافةعلى مشروعات القوانين ومقدمها ، وأنعقدت الاجتماعات ، وتزعم الحملة الوفدية ضد التشريعات أحمد أبو الفتح وابراهيم طلعت والدكتور عزيز فهمى المحامى ومعهم نواب الحزب وتكرر هذا من نواب الاحزاب الاخرى ، وهاجمته الصحف ، ونشرت صحيفة ” المصرى ” تحت مانشيت بعنوان ” صحيفة الشرف ” كتبت تحته ” حضرات النواب المحترمين الذين يعارضون تشريعات الصحافة ” وكتبت اسماء أعضاء مجلس النواب جميعا ، فيما عدا النائب أسطفان باسيلى الذى وضعت صورته واسمه فى برواز محاط بالسواد !.
وهكذا كان ساعى ونائب فدائى ونواب ورأى عام وقفوا ضد الملك وعائلته انتصارا لحرية الصحافة.
وبعد أكثر من 60 عاما وصل بنا الحال الى سجن أكبر عدد من الصحفيين ومباركة وتبرير البعض لهذا الحبس ، ومطالبة نواب بحجب الفيسبوك !.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق