- من أسبوع تقريبا، وقع حادث مروع في سيدي براني بمحافظة مطروح، لما أطلق ضابط شرطة النار على مواطن معروف باسم فرحات المحفوظي ما تسبب في مقتل المحفوظي.
- مقتل المحفوظي تسبب في احتجاجات شعبية في المنطقة ضد عنف الشرطة، وتجمهر أدى لمقتل أمين شرطة. ما استدعى تحرك من الجيش للسيطرة على الوضع الأمني، واستدعى طبعا إن النيابة تقوم بتحقيق سريع يقدم رواية أولية عن الحادث.
- لكن ما حدث هو إن البيان نفسه قدم رواية مش حقيقية عن اللي حصل، وقائمة بشكل شبه كامل على رواية الضابط المتهم بالقتل نفسه، ولم يحدد التهم اللي تم بناء عليها إحالة الضابط المتهم للمحاكمة وفقا للبيان، وتم إحالة 5 أخرين من الأهالي للمحاكمة مع الضابط منهم الشخص المتهم بدهس أمين الشرطة.
- صفحة متصدقش قامت بمجهود كبير وحللت الفيديوهات المنتشرة للواقعة، واللي بيظهر فيها بشكل واضح أنه الضابط أطلق 6 رصاصات على فرحات المحفوظي وهو داخل عربيته أثناء دورانه بيها ومن الخلف، ومكنش فرحات بيحاول يدهس الضابط ولكن كان بيلف بالعربية، وده اللي أكده أهل فرحات وشهود عيان على الحادث.
- ليه بيان النيابة العامة في مشكلات كبيرة؟ إزاي ممكن نشوف القصة دي خاصة أنها جاية بعد أيام من حادثة مشابهة في فرنسا اتقتل فيها الشاب الجزائري نائل المرزوقي ؟ إزاي ممكن نشوف تعامل الحكومتين مع قصة زي دي؟
ليه بيان النيابة العامة في مشكلة؟
- ببساطة لأنه الفيديوهات بتقول عكس كلام النيابة، وبالتالي من حق الناس تسأل عن سير التحقيقات، مين حقق وعرف إزاي أنه القتيل كان بيحاول يدهس الضابط على الرغم من أنه الفيديوهات بتوضح العكس.
- بيان النيابة بيقول نصا "استجوبت النيابة العامة الضابط فيما نسب إليه من اتهامات فأنكر وأكد أنه إثر محاولة قائد السيارة دهسه انطلقت أعيرة أمنية منه نتيجة فقدانه الاتزان".
- يبقى بيان النيابة بيقول ببساطة إن فيه سيارة مندفعة بسرعة جدا في اتجاه الضابط وفي إيده سلاح ناري، ففقدان التوازن وربما حالة الفزع تسببت في إطلاقه النار عشوائيا، لكن البيان في السطر التالي مباشرة بيرجع يقولنا لا، الضابط ضرب النار على إطارات السيارة بقصد توقيفها، يعني المفروض إنه واعي وكمان بيصوب على الإطارات، مش فاقد اتزانه ولا مفزوع: "وقد انتهت تحريات الشرطة إلى إطلاق الضابط تلك الأعيرة صوب الإطارات قاصدا تعطيل السيارة، إلا أن قائدها استمر في الاندفاع نحوه فحدثت الإصابة".
- النيابة مأنكرتش إن فيه فيديوهات للواقعة أو حتى غضت الطرف عنها، دي قالت إنها فعلا حصلت على الفيديوهات دي لكن كل اللي استخلصته من الفيديوهات كان: " وقد ضبطتِ النيابةُ العامةُ أجهزةَ المراقبةِ المطلةِ على مسرحِ الأحداثِ، فتبينتْ منها صحةَ روايةِ الشهودِ مِنِ انطلاقِ المتوفَّى بسيارتِهِ مسرعًا حالَ محاولةِ قواتِ الأمنِ استيقافَهُ دونَ امتثالٍ، ثمَّ توقفَهُ لاحقًا متأثرًا بإصابتِهِ، وقد عاينتِ النيابةُ العامةُ السيارةَ فتبينتْ ما بِها من آثارٍ".
- السؤال للنيابة العامة، وهو سؤال مهني تماما بل وبديهي: طيب الفيديوهات بتقول إيه بخصوص رواية الضابط، هل الضابط في الفيديوهات فعلا واقف والعربية مندفعة نحوه، وبالتالي هو أطلق النار دفاعا عن النفس أو على الأقل أطلقها بشكل مبرر قانونيا باعتبار دي محاولة لإيقاف السيارة بالتصويب على الإطارات، ولا ده مش صحيح؟ إحنا كنا منتظرين إن النيابة العامة تقول لنا.
- النيابة مقالتش لسبب غامض، لكن السبب ده عرفناه بعد قيام صفحة متصدقش المختصة في التحقق من الأخبار بنشر فيديوهات (٣ مقاطع مدة كل منها حوالي دقيقة ونصف) للحادثة من زوايا مختلفة وتحليلها (الروابط تتضمن الفيديوهات موجودة ضمن المصادر)، الفيديوهات دي بتظهر بوضوح إن إطلاق النار على سيارة فرحات المحفوظي تم من الخلف، وليس من الأمام، أي أن السيارة كانت تنطلق محاولة الهرب من الشرطة بعيدا عن الضابط، وإن الضابط تعمد إطلاق النار على السيارة من الخلف، وتم إطلاق ما لا يقل عن ست رصاصات، ما تسبب في مقتل المحفوظي.
الفارق بين منظومة العدالة في مصر وفرنسا
- الحقيقة إن الواقعة دي بتذكرنا بالواقعة اللي حصلت مؤخرا في فرنسا، لما شرطي فرنسي قتل شاب فرنسي من أصل جزائري اسمه نائل المرزوقي، والشرطة قالت نفس الكلام اللي بتقوله في مصر: حاول يوقفه، لكنه اندفع بسرعة بسيارته في اتجاه الشرطي وكان هيدهسه، فالشرطي اضطر لإطلاق النار عليه.
- النيابة الفرنسية تبنت رواية الداخلية زي ما حصل في مصر في البداية، لكن لما ظهر الفيديوهات، النيابة الفرنسية مفضلتش تردد رواية الشرطي، وإنما وجهت للشرطي تهمة القتل العمد، وتم فتح تحقيق موسع وكلام وتم إعلان ده علنا، بخلاف حالة النيابة العامة في مصر، اللي الفيديوهات كانت بحوزتها من البداية، لكنها ما زالت متواطئة على قبول رواية ضابط الشرطة، رغم مخالفتها الواضحة للفيديوهات.
- في فرنسا الأمر تطور لاحتجاجات واسعة في باريس وغيرها من المدن الفرنسية، لأنه الناس كانت عايزة تعرف الحقيقة وتطالب بحق نائل اللي اتقتل بدم بارد، والشرطة بالفعل قبضت على كثير من الناس دي، لكنها في نفس الوقت كان مهم بالنسبة لها دولة القانون وعشان كده وجهت الاتهام بصراحة للضابط وهيتم محاكمته بشكل عادل وشفاف قدام القضاء.
- النيابة العامة المصرية أصدرت بيان يفتقد للشفافية والوضوح القانوني، لأنها لم توضح في بيانها اتهامات الإحالة للمحاكمة الموجهة للضابط، ولم تحدد وضع الضابط، هل ما زال محبوسا على ذمة القضية، أم مخلى سبيله، وعلى أي أساس تم إخلاء السبيل: بضمان أو بكفالة أو لعدم توجيه اتهامات تستدعي الحبس الاحتياطي من الأساس؟
نشوف إيه من كل ده ؟
- ده بيقولنا إن فيه مشكلة كبيرة في أداء النيابة العامة، ومن وراءها منظومة العدالة في مصر، المشكلة نابعة بالتحديد من تواطؤ المؤسسة دي مع المؤسسة الأمنية اللي المفروض دور النيابة ليس مساعدتها، وإنما الرقابة عليها وتوجيه الاتهام لها في حالة تجاوزها للقانون.
- تحول النيابة العامة إلى ذراع لخدمة المؤسسة الأمنية نتيجته مش هتكون تقوية المؤسسة الأمنية، وإنما تغول المؤسسة دي وتكرار تجاوز أفرادها للقانون بما يهدد صورتها العامة وثقة المواطنين فيها.
- الاعتداءات الأمنية بالذات على المواطنين سبب أساسي في استشراء السخط الشعبي ضد أي سلطة سياسية، وده اللي شوفناه في مصر في قضية خالد سعيد وسيد بلال قبل ثورة يناير، وشفناه في تونس في قضية البوعزيزي، وشفناه في سوريا في قضية أطفال درعا، وشفناه في الاحتجاجات الفرنسية في ٢٠٠٥ والاحتجاجات مؤخرا بعد مقتل المرزوقي.
- ضمان الاستقرار الأمني والسياسي الحقيقي هو فرض القانون على الجميع، وأولهم مؤسسات الدولة وعلى رأسها مؤسسات الأمن والدفاع اللي بتستخدم العنف لحماية القانون وإنفاذه مش للخروج عليه، وتجاوزها للقانون هو التهديد الحقيقي اللي ممكن يواجه الدولة ويهدد السلطة.
- كالعادة أمام تلك الوقائع، تظهر خطابات من نوع إن القتيل بالتأكيد كان خارج على القانون، والداخلية بتتعرض لتهديدات خطيرة، وفيه أمين شرطة مات بالفعل في الحملة، وبالتالي ضروري ندي الداخلية الحصانة الضرورية ونغض الطرف عن عنفها أو خروجها على القانون أحيانا.
- لكن الخطابات دي تناقض أبسط تعريف للدولة بل وتناقض العقل والمنطق، لأن المجتمع اللي تصبح فيه حياة أي إنسان مستباحة لمجرد شكوك أمنية ضده، وبدون رجوع للقانون، ده لا يمكن يكون مجتمع فيه دولة وقانون، ده مجتمع غابة الحكم فيه للأقوى ومصيره للفوضى والعنف.
- الدولة والقانون وجدوا بالأساس لحماية حياة الإنسان وكرامته، إذا تهددت حياة الإنسان وأصبحت مستباحة لأي سبب من الأسباب فعلى السلطة أن تحذر من المجتمع اللي بالتأكيد لن يستمر صمته إلى ما لا نهاية، وعلى الداخلية أن تتعلم ولو قليلا من دروس الماضي.
- بنشوف كمان إنه على مدى أكثر من أسبوع، لم تقدم وسائل الإعلام الجماهيري الحكومية أو المملوكة بشكل غير مباشر للأجهزة الأمنية أي خدمة إعلامية بخصوص الحادثة: صمت مطبق، وعند الخروج عن الصمت ترويج لمعلومات غير دقيقة وشائعات مغرضة من النوع اللي ردده الإعلامي عمرو أديب عن أن القتيل له سجل جنائي، بينما أكد أخوه في تقرير صحفي لموقع المنصة إن أخوه "معلهوش تحري واحد وعمره ما دخل قسم شرطة أو بات فيه".
- المواقع القليلة اللي زي منصة متصدقش على الإعلام الاجتماعي للتحقق من الأخبار، اللي قدمت فيديوهات للواقعة وتحليل دقيق لها وكشفت من خلاله كذب ادعاءات الضابط وتواطؤ النيابة مع روايته، كذلك موقع "المنصة" اللي تحدث مع شقيق القتيل وكشف عن رواية الأهل للواقعة وخلفياتها، وده شكل الأداء الإعلامي المهني الضروري لأي مجتمع فيه حكم قانون.
الموقف المصري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق