لهذه الأسباب: برميل البترول ينخفض إلى خمسة دولارات

    
يبدو أن أسعار النفط لن تعاود الارتفاع قريبًا، وأنه على عكس ما يروج له بعض المنتجين عن تحسّن فى الأسعار خلال 2015، وربما 2016 خاصة، بل على العكس السيناريو الأسوأ هو المتوقع وهو انخفاض سعر البرميل ربما إلى خمسة دولارت فقط، "سعر التكلفة الفعلية لاستخراج البرميل بدول الخليج"؛ وذلك لعدة أسباب، فى مقدمتها: إصرار دول نفطية كبرى على زيادة إنتاجها رغم زيادة المعروض، ومن هذه الدول إيران والعراق وليبيا وفنزويلا وروسيا والجزائر، فضلا عن حاجة الدول الخليجية لتمويل عاصفة الحزم، وبالتالى ستدفع بقادة السعودية لزيادة الإنتاج.
ومن بين أهم الأسباب التى ستؤدى لاستمرار مسلسل انخفاض أسعار البترول هو ظهور النفط فى بريطانيا، لدرجة الحديث بأنها ستصبح منطقة خليج جديدة فى القريب العاجل، وبالتالى ستكون الأقرب والأوفر للسوق الأوروبية، فضلا عن زيادة إنتاج النفط الصحراوى خاصة فى دول الأمريكتين .
مسلسل الهبوط بدأ منذ يونية 2014، فقد شهدت أسعار النفط فى الأسواق العالمية منذ يونيو/حزيران 2014 هبوطا مطردا، إذ كان سعر خام برنت فى حدود 110 دولارات للبرميل، لكنه انحدر فى الأيام الأولى من يناير/كانون الثانى 2015 إلى ما دون خمسين دولارا، ويُعزى هذا الهبوط إلى ما يسمى "أساسيات السوق"، متمثلة فى التفاعل بين العرض والطلب، فضلا عن قوة العملة الأميركية (الدولار) وتأثير نشاط المضاربين فى الأسواق، لكن بعض المحللين يشكك فى هذا الأمر ويربطه بعوامل سياسية .
إلا إن أغلب التحليلات تربط بين انحدار سعر الخام ووفرة المعروض فى أسواق النفط، لا سيما من خارج الدول المصدرة للنفط (أوبك)، وتحديدا ما يسمى طفرة النفط الصخرى فى الولايات المتحدة، وذكر تقرير لصندوق النقد الدولى أن وفرة الإمدادات أسهمت بنسبة 60% من الانخفاض المطرد للأسعار.
وأسهم أيضا فى التراجع الشديد لأسعار النفط فى الأشهر الستة الماضية، ضعف النمو فى منطقة اليورو وتباطؤه فى الصين والبرازيل، وذلك على الرغم من التعافى القوى للاقتصاد الأميركى - أكبر اقتصادات العالم - والذى استفاد بشكل كبير من هبوط سعر الخام الذى قلّص فاتورة الطاقة على المستهلكين الأميركيين، مما دعم إنفاقهم الذى يعد المحرك الأول للاقتصاد الأميركي.
ويشير صندوق النقد الدولى إلى أن قراءة متفحصة لتوقعات منظمة الطاقة الدولية للطلب على الخام بين شهرى يونيو/حزيران وديسمبر/كانون الأول الماضيين، تؤكد أن تراجع الطلب أسهم بنسبة تتراوح بين 20 و35% من تراجع أسعار البترول، ليتضافر هذا العامل مع الزيادة المفاجئة فى إنتاج النفط فى الفترة نفسها، والتى نتجت أساسا عن التعافى السريع لإنتاج ليبيا النفطى وبلوغ الصادرات النفطية لكل من روسيا والعراق فى النصف الثانى من العام الماضى مستويات قياسية، وذلك رغم الاضطرابات التى يعيشها العراق، وتفيد آخر تقارير منظمة الطاقة بأن مخزونات النفط العالمية - لا سيما فى أميركا- فى أعلى مستوياتها منذ عامين.
موقف السعودية
إلا أن كل التحليلات تجمع على أن العامل الرئيسى الذى دفع أسعار النفط للهبوط بشكل سريع - لا سيما منذ نوفمبر/تشرين الثانى 2014- هو إصرار السعودية، أكبر مصدر للخام فى العالم، على عدم تقليص إنتاجها؛ خاصة بعد دخولها لحرب عاصفة الحزم وأغلب الدول الخليجية، وبالتالى سوف تحاول زيادة انتاجها لتمويل العرب وهو ما ستدفع الأسعار للهبوط، وهو ما جعل منظمة "أوبك" - التى تمتلك فيها الرياض النفوذ الأكبر - تقرر فى آخر الشهر المذكور، الإبقاء على سقف إنتاجها المحدد بثلاثين مليون برميل يوميا رغم استمرار هبوط أسعار الخام، ويمثل إنتاج "أوبك" ثلثى الإمدادات العالمية، وقد اعتبر هذا القرار تحولا فى سياسة "أوبك" التى كانت تتدخل لإحداث توازن فى السوق عند هبوط الأسعار بشدة.
وزير النفط السعودى على النعيمى، سبق أن قال: إن بلاده هدفها من تخفيض الأسعار إخراج المنتجين الهامشيين الذين أغرقوا الأسواق بالنفط، واستفادوا من ارتفاع الأسعار، فى إشارة إلى النفط الصخرى الأميركي.
وأشار إلى أن بلاده سوف تظل تنتج حصتها حتى لو وصل سعر النفط إلى عشرين دولارًا، واعتبر الوزير أنه من غير العدل مطالبة "أوبك" بتقليص إنتاجها، إذا لم يقم المنتجون خارج المنظمة بالخطوة نفسها، وقد أضاف المنتجون المستقلون حوالى ستة ملايين برميل يوميا إلى المعروض.
ومنذ قرار "أوبك" تراجع سعر النفط بأكثر من 32%، وكان هذا القرار محكومًا برغبة الدول الأعضاء المتنفذة فيها - لا سيما السعودية - فى مواجهة إمدادات النفط الصخرى فى الولايات المتحدة وكندا، إذ أرادت عبر السماح بالمزيد من الهبوط فى الأسعار بالأسواق العالمية جعل منتجى النفط الصخرى يتحملون خسائر هبوط الأسعار، لا سيما أن كلفة استخراج النفط الصخرى أعلى بكثير من كلفة استخراج النفط التقليدي، فكلفة إنتاج النفط بالسعودية ودول الخليج - ما عدا العراق- تناهز خمسة دولارات للبرميل، فى حين تصل فى الولايات المتحدة إلى ما بين 70 و85 دولارا.
ويرى آخرون أن ما يجرى فى أسواق النفط يعد "عقابا جماعيا"، إذ اتفق منتجو النفط الكبار فى العالم والولايات المتحدة - رغم خسارتها من النفط الصخري - على خفض الأسعار من أجل معاقبة روسيا اقتصاديا والضغط عليها بسبب موقفها من الأزمة الأوكرانية .
النفط الصخري
ويرى الخبراء أن عودة الأسعار للتوازن "ليست بيد الدول المنتجة داخل "أوبك"، وإنما بيد الدول المنتجة للنفط البديل (النفط الصخري)"، وعندما ترى هذه الأخيرة أن الكلفة أكثر من الأسعار المتحققة، "فإنها ستبدأ بالتوقف عن الإنتاج، وبالتالى يقل الفائض من العرض، وترجع الأمور لسابق عهدها".
وقال إن "سعر الغاز مرتبط بسعر النفط، وإن دولا مثل قطر ستكون متأثرة حتما، لكنه لا أحدا يعرف مقدار التأثر، فأسعار الغاز تظل غير معلنة".
إشارات جديدة
ويرى مصطفى عبد السلام رئيس القسم الاقتصادى بموقع العربى الجديد أن هناك عدة إشارات خرجت، أمس، من عواصم مختلفة تصب كلها فى اتجاه واحد، هو استمرار تراجع أسعار النفط فى الفترة المقبلة، لدرجة أن البعض بات يتندّر قائلًا: "انتظروا مفاجآت ساخرة وغير سارة فى سوق الطاقة العالمي، فثمن برميل النفط قد يعادل ثمن كوب المياه قريبًا، وربما يقل عن ثمن لتر المشروبات الغازية".
ويقول عبد السلام إن الإشارة الأولى والأهم صدرت من لندن، وهى أن بريطانيا تعوم على بركة من النفط، وأنها ستصبح منطقة خليج جديدة فى القريب العاجل؛ بسبب غزارة الاكتشافات وضخامة أسعارها، فقد اكتشفت شركة بريطانية احتياطات نفط فى العاصمة لندن، تقدّر بنحو 8.6 مليارات برميل، وبما يعادل 20% من الكميات المستخرجة من بحر الشمال طوال الـ40 عامًا الماضية.
وقال إن الإشارة الثانية خرجت من الرياض، حيث قال مستشار لوزير البترول السعودى إن توقيت تعافى سعر النفط غير واضح نظرًا لاحتمال عودة إيران وليبيا إلى السوق، وهذا يعنى أن أكبر منتج للنفط فى الأوبك لا يتوقع ارتفاعات قريبة للأسعار.
وتابع قائلا: الإشارة الثالثة خرجت من طهران؛ حيث قال وزير النفط الإيراني، خلال زيارة بكين، إن أوبك سوف تنسّق فىما بينها لاستيعاب عودة إيران إلى أسواق النفط دون أن يتسبب ذلك فى انهيار السعر، وهذا التصريح يعنى أن طهران ستعود بقوة لسوق النفط فى حالة التوصل إلى اتفاق نهائى حول برنامجها النووى ورفع العقوبات المفروضة عليها.

زقاق النت

زقاق النت

مواضيع ذات صلة:

ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.