إريك تريجر- مارينا شلبي
ترجمة: سارة الضويني
يطلق الإخوان على محمود عزت
“الرجل الحديدي”. لقد اكتسب نائب المرشد الرواقي المذهب، البالغ من العمر 71 عاما هذا
اللقب جراء صراعه طويل المدى من أجل الإخوان في مصر.
وتضمن ذلك أكثر من 10 سنوات
قضاها في السجون، صقل خلالها صرامته، ليأتي في طليعة فارضي الانضباط داخل التسلسل الهرمي
الصارم للجماعة.
وفي أعقاب الإطاحة بالقائد
الإخواني محمد مرسي، أول رئيس مصري منتخب،
في يوليو 2013، تنامت أسطورة عزت داخل الجماعة حيث نجح في تفادي الحملة القمعية التي
زجت بمعظم قيادات الإخوان داخل السجون، واختبأ داخل مصر، بالرغم من أن عناصر إخوانية
أخرى هربت إلى المنفى.
من جانبه، قال الناشط الإخواني
الشاب عمرو فراج خلال مقابلة في إسطنبول في
أكتوبر 2014: “لدى محمود عزت القدرة على الاختباء، لسبب مفاده أنه تعرض للحبس سابقاً
لمدة 10 سنوات، بإمكانه أن يمكث فترة تناهز 5 سنوات جالساً في غرفة مغلقة دون التحدث
لشخص، إنه قادر على فعل ذلك”. وأضاف فراج أن عزت طلب من رفاقه بجماعة الإخوان عدم الاتصال
به لتفادي تعقبه داخل مصر.
إستراتيجية عزت في الحفاظ على
الذات أثبتت فاعليتها في النهاية حيث لم تتمكن القوات الأمنية من إلقاء القبض عليه.
ولكن في غياب عزت، انهار النظام
الداخلي للإخوان، وانفجرت تصدعات داخلية شديدة على الملأ في ربيع 2015. وبعد محاولته
المبدئية لحلحلة تلك الانقسامات من داخل مصر، ظهر عزت فجأة في تركيا منتصف نوفمبر المنصرم،
معلنا نفسه قائماً بأعمال المرشد.
وبالرغم من ذلك، فقد “الرجل
الحديدي” لمسته، حيث رفض العديد من عناصر الإخوان لعبته في السلطة، وتعمقت التصدعات
بدرجة كبيرة خلال الشهور القليلة الماضية. فشل عزت في بسط سيطرته يعكس تغيراً ملحوظاً
داخل الثقافة الداخلية للجماعة.
وفي العقدين الماضيين، هيمن
على الإخوان فصيل متشدد يحمل اسم “القطبيون” وهم أتباع المنظر الإخواني الراديكالي
“سيد قطب”، الذي ألهمت دعوته للجهاد العالمي لاحقاً القاعدة وحركات “إرهابية” أخرى.
شأنه شأن باقي قيادات الإخوان
في جيله، زج بعزت في السجن مع قطب قبل إعدام الأخير بتهمة التخطيط لقلب نظام عبد الناصر
عام 1966.
وبالرغم من محاولة عزت التخفيف
من “التطرف” الموجود في كتابات قطب، لكنه مع رفاقه القطبيين يتبنون دعوته لخلق “طليعة”
تبقى “بمعزل” عن المجتمع الأوسع نطاقاً إلى أن تؤسس الحكم الإسلامي.
وحتى ثورة يناير 2011 التي
أنهت ثلاثة عقود من حكم الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، كان القطبيون ينظرون إلى سعي
الإخوان وراء السلطة كهدف بعيد المدى، وعملوا في هذه الأثناء لبناء منظمة متماسكة فكرياً
عبر تجنيد الأتباع الأكثر إخلاصاً وإعدادهم للسلطة عندما يحين الوقت.
ووقف القطبيون عادة ضد التعاون
السياسي مع غير الإسلاميين خوفاً من أن يتسبب ذلك في إجبار الإخوان على التنازل عن
مبادئهم الإسلامية. مثل هذا النهج الانعزالي وضع القطبيين في خلاف مع فصيل أخواني آخر
يسمى “الإصلاحيون”.
بيد أن الإصلاحيين دائماً مثلوا
أقلية صغيرة داخل هيكل القيادة الإخواني، حيث دأب القطبيون، بقيادة عزت غالباً، على
تهميشهم عند حدوث خلاف معين.
وعلى سبيل المثال، عندما حاول
إصلاحيون شباب تأسيس حزب سياسي إخواني التوجه عام 1996 ضد رغبة مكتب الإرشاد التنفيذي،
جرى إبعادهم عن الجماعة.
وبالمثل، عندما انتقد قائدان
إصلاحيان عام 2007 برنامجاً إخوانياً يدعو لحظر غير المسلمين من الترشح لرئاسة مصر،
جرى التصويت لإقصائهما من المكتب التنفيذي في انتخابات داخلية لاحقة.
وعندما رفضت مجموعة من كوادر
الإخوان الشابة مرسوماً من مكتب الإرشاد يأمر أعضاء الجماعة بدعم حزب الحرية والعدالة
الناشئ آنذاك في مارس 2011، تعرضوا أيضاً للإقصاء.
وهكذا، ظل الإخوان متحدين على
نحو محكم خلال الانتخابات المتعددة والاستفتاء عامي 2011 و2012، والتي تمكن فيها العدالة
والتنمية من الفوز بمجلسي البرلمان، كما ظفر محمد مرسي مرشح الإخوان بمقعد الرئاسة.
وفي منتصف المسافة تقريباً
من فترة رئاسة مرسي التي امتدت لعام، ظهرت تصدعات جديدة داخل الإخوان. وأكثر القرارات
الإخوانية ضرراً، حيث ساعدت على تصادمات متعددة بين الإخوان ومحتجين مناهضين لمرسي
قُتل فيها 10 أشخاص.
هجوم الإخوان على المتظاهرين
أصبح صرخة حشد بالنسبة لمعارضي مرسي، واستجاب الجيش المصري في نهاية الأمر إلى الاحتجاجات
المتصاعدة والعنيفة من خلال عزل مرسي عن السلطة في الثالث من يوليو 2013.
رغم أن الشقاق داخل الجماعة
يرتبط صراع أجيال بشكل جزئي، لكنه يعكس الاختلافات الحادة المتعلقة بأهداف وإستراتيجية
الإخوان، وإذا ما كان ينبغي عليها السعي إلى السلطة الآن، مثلما يطلب الشباب، أو في
المستقبل البعيد مثلما يؤمن القطبيون. الاختلافات كذلك تتمثل في ماهية الأدوات التي
ينبغي استخدامها من أجل فرض الحكم الإسلامي.
وللتأكيد، فإن رؤية الإخوان
لتأسيس دولة إسلامية داخل مصر لن تتبخر، لكن النظام الداخلي الصارم الذي يحدد صنع القرار
والتعبئة بات الآن شيئاً ينتمي للماضي. وبُناء عليه، فقد أصبح “الرجل الحديدي” الآن
مجرد “أثر قديم”.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق