يتربع الدولار الأمريكي
حالياً على عرش عملات الاحتياط العالمي، لكنه لم يكن يتمتع بتلك المكانة طوال الوقت،
بل سبقته العديد من العملات العالمية الأخرى لذلك.
فعملات الاحتياط تتغير
باستمرار وفقاً للتغيرات الاقتصادية على مر التاريخ، ورصد "هاو ماتش" لمحات
من تاريخ هيمنة العملة الأمريكية مقدماً بعض التحليلات حول احتمالات احتفاظها بتلك
الهيمنة في المستقبل القريب.
مراحل تربع الدولار على عرش عملات الاحتياط
|
|
المرحلة
التوضيح
|
|
ــ
تطور عملات الاحتياط
|
ــ تتغير عملة الاحتياط السائدة كل مئة عام تقريباً، وعادة ما
تنتمي إلى أكثر اقتصادات العالم استقراراً وتأثيراً، ومسمى "عملة
الاحتياط" لم يظهر بشكل رسمي حتى الستينيات من القرن الـ 19 عندما بدأت
بريطانيا والدول الصناعية في إنشاء البنوك المركزية ووزارات الخزانة مع ربط
عملاتها بالذهب، لكن هذا لا يمنع هيمنة عملات بعينها على العصور.
ــ خلال عصر الاكتشافات الجغرافية كانت العملة البرتغالية هي
الأكثر هيمنة في القرنين الـ 15 والـ 16 ثم الإسبانية في القرنين السادس عشر
والسابع عشر، فمع التوسع الهائل للإمبراطورية العثمانية وسيطرتها على
القسطنطينية (إسطنبول حالياً) في عام 1453 أصبح هناك حاجة ملحة لاكتشاف طرق
تجارية جديدة، وبفضل التطور في تقنيات الملاحة في ذلك العصر اكتشف البرتغاليون
ومن بعدهم الإسبان طرقا تجارية جديدة تصل إلى آسيا وإفريقيا والعالم الجديد (نصف
الكرة الأرضية الغربي خاصة الأمريكتين)، لذلك أصبحت عملتا الدولتين هما
السائدتان في التعاملات التجارية على مستوى العالم في ذلك الوقت.
ــ أقام البرتغاليون قواعد عسكرية في أنحاء العالم المختلفة مثل
إفريقيا والهند وماليزيا واليابان والصين، ومع اتساع إمبراطورتيهم فقدوا السيطرة
عليها نتيجة تعرضها لهجمات من الدول الأخرى خاصة هولندا وبريطانيا وفرنسا،
وحاولت البرتغال وإسبانيا الاتحاد في مواجهة التحديات لكن إمبراطورتاهما انهارت
في منتصف القرن الـ 17، وسطع نجم هولندا التي سيطرت عملتها على التجارة العالمية
في القرن الـ 17 والـ 18، وساعدها على ذلك تأسيس أول شركة متعددة الجنسيات في
التاريخ وهي "Dutch
East India Company" للتوابل التي أصبحت
أكبر شركة خاصة في تاريخ العالم في عام 1669 حيث امتلكت أكثر من 150 سفينة
تجارية و40 بارجة حربية و50 ألف عامل وجيش خاص مؤلف من 10 آلاف جندي، وقدمت عائدات
بـ 40% لحملة أسهمها.
ــ لكن الحرب الإنجليزية أضرت بهيمنة الشركة على سوق التوابل
فانهارت مع عملتها لتبدأ هيمنة العملة الفرنسية خلال القرن الـ 18 وبداية الـ
19، لكن الديون الهائلة التي عانتها فرنسا سببت أزمة مالية طاحنة أدت إلى الثورة
الفرنسية.
|
ــ على الجانب الآخر كانت بريطانيا تشهد ثورة صناعية ونجحت في
إقامة "الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس"، وسيطر الجنيه
الإسترليني على أكثر من نصف التعاملات التجارية الدولية، وكانت بريطانيا العظمى
أكبر المستثمرين الأجانب في العالم، لكن العديد من الدول بدأت تضع إجراءات
حمائية كالرسوم الجمركية لحماية منتجاتها الوطنية، وهو ما أفقد الإسترليني
سيطرته التي حافظ عليها طوال القرن الـ 19 وبداية القرن العشرين حتى سلم الشعلة
للدولار.
ــ
سطوع نجم الدولار
ــ بدأ نجم الدولار يصعد في أعقاب الحرب العالمية الثانية حينما
وافقت القوى العالمية على تطبيق نظام "بريتون وودز"، وهو أول نظام
نقدي كامل ينظم التعاملات النقدية بين الدول المستقلة، والذي ثبت قيمة العملات
العالمية مقابل الدولار الذي ارتبطت قيمته بالذهب.
ــ في عام 1971 ألغت الولايات المتحدة نظام ربط عملتها بالذهب ليتفرد
الدولار بالتعاملات المالية العالمية.
ــ مكانة الدولار كعملة احتياطية تعطي ميزة للحكومة والموردين
الأمريكيين، إذ تخفض تكاليف الاستيراد لعدم الاضطرار لإعادة تحويل العائدات
لعملات أخرى، كما تسمح للجهات والمواطنين الأمريكيين بالتمتع بقروض ذات فائدة
أقل.
ــ استقرار الدولار يسمح له بالارتفاع مقابل العملات الأخرى مما
يضر بالمصدرين، إذ يجعل صادراتهم أغلى ثمناً في الأسواق الدولية ومن ثم أقل
جذباً للمشترين.
ــ
إلى متى تستمر هيمنة الدولار؟
ــ
الولايات المتحدة لم تعد أكبر المستثمرين الأجانب في العالم، فقد اختطفت الصين
هذا اللقب، وبدلاً من أن تصبح أكبر مصدر للسلع والخدمات أصبحت صاحبة أكبر نسبة
للديون في العالم.
ــ
رغم ذلك ما زال الاقتصاد الأمريكي يتمتع بالاستقرار النسبي في حين ارتفعت حصة
الدولار في تعاملات أسواق الصرف الأجنبي قليلاً منذ الأزمة المالية العالمية.
ــ هل
اليوان مرشح لاستبدال الدولار؟
ــ أكبر العوامل المؤثرة في مكانة عملة الاحتياط هي حجم واستقرار
وقيمة السيولة بالأسواق المالية لدولتها، وفي هذا الإطار ما زالت أسواق المال
الأمريكية أكبر وأكثر سيولة من منافستها الصينية.
ــ على الرغم من جهود الحكومة الصينية لتطوير سوق المال فما زال
معدل التطور بطيئاً، وتدخل الحكومة في الأسواق يؤدي لعدم استقرارها، كما أن
العملة الصينية (اليوان) لم يتم تحريرها بالكامل وهي غير قابلة للتحويل بصورة
كاملة أمام عملات النقد العالمية الأخرى.
ــ على المدى القريب لن يتمكن "اليوان" من استبدال
الدولار كعملة دولية، لكن يُتوقع أن تخبو هيمنة الدولار تدريجياً مع زيادة تداول
عملات أخرى كاليوان واليورو.
ــ هناك مؤشرات على صعود مكانة اليوان على المدى البعيد مثل إنشاء
البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية الذي يعتبره الكثيرون مؤشراً على بدء
نهاية سيطرة الدولار وصندوق النقد الدولي على الساحة المالية العالمية.
ــ الولايات المتحدة ما زالت مكاناً آمناً للاستثمار، لكن تأثير
الصين على الاقتصاد الآسيوي في تنام مستمر، ومن المتوقع ظهور تنوع أكبر في عملات
الاحتياطي النقدي والانصراف تدريجياً عن الدولار.
ــ مراقبة أداء العملات خلال الـ 10 ــ 20 عاماً القادمة سيحدد
مصير العملة الأمريكية التي سيطرت على أسواق الصرف لعقود طويلة وعما إذا كانت
ستنطبق عليها نظرية "تغير عملة الاحتياط كل 100 عام".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق