وائل عباس يكتب: فيتيش البيادة والملابس العسكرية

>> الناصريون تخلوا عن الاشتراكية والعدالة الاجتماعية في مقابل تجديد حلم الفيتيش العسكري
للأسف المحتوى العلمي العربي على الإنترنت أو حتى في الكتب المطبوعة عن مسألة الفيتيش الجنسي قليل جدا، أو حتى منعدم تقريبا، وإن وجد يحتوى على كثير من المغالطات، فالبعض يعتبره مرض نفسي، ويصفون له علاجات، وحتى صفحة ويكيبيديا العربية تخلط بينه وبين المازوخية بجهل شديد، برغم أن انتشار هذا الأمر في منطقتنا وثقافتنا لم يعد سرا، وليس بالأمر الحديث علينا، بل ولم يعد أمرأ ممجوجا أو مرفوضا وهناك تفهم تدريجي له.
كلمة فيتيش كلمة ذات أصل لاتيني ومعناها مصنوع وهي مضادة لكلمة حي، ويقصد بها شيء مصنوع له قدرات خارقة على البشر الأحياء، واستخدمت بكثرة لوصف أشياء لها علاقة بديانات وثقافات غرب أفريقيا المعتمدة على التماثيل والتمائم والقلائد، ويمكن ترجمتها ترجمة غير دقيقة على أنها وثن.
أما الفيتيش الجنسي فهو الهوس والتعلق والاستثارة الجنسية بشيء مادي هو في الأصل لا علاقة له بالجنس، كجزء من الجسد كالأصابع والأقدام وهو ما يسمى بارشاليزم، أو حب الأحذية والملابس الداخلية والملابس الرسمية كملابس الجيش والشرطة والممرضات والراهبات والتلميذات. وبعض العلماء وسعوا التعريف ليشمل ممارسات غير جنسية تتحول إلى فيتيش مثير جنسيا لدى بعض الناس وهناك بحث شهير منشور على International Journal of Impotence Research سنة 2007 بعنوان Relative prevalence of different fetishes يمكن الرجوع إليه في هذه الجزئية، وهناك تعريف قديم يزعم بأن الأمر خاص بالرجال فقط لكن ثبت خطؤه تماما، فالرجل والمرأة متساويان في هذا الأمر.
بعد توسيع التعريف يتضح لنا أن الكثير من الناس يحتاج إلى شيء ما أو موقف ما ليزيد الإثارة الجنسية لديهم، لكن هذا الأمر يختلف أهميته من ثانوية إلى أساسية من شخص إلى شخص، وفي حالات نادرة قد يصل إلى هوس إجرامي مضر أو مؤذي كشخصية ابن السيناتور في فيلم Sin City الذي كانت تثيره صرخات ضحاياه، وكثير من الأشخاص يحن إلى أول ممارسة جنسية ويسعى دائما إلى خلق نفس الظروف التي كانت موجودة وقتها، صوت قطار، صوت مزرعة أبقار، وكثير من الأشياء العجيبة التي تتحول إلى فيتيش، حتى أن بعض ضحايا الاغتصاب يفضلون ممارسة الجنس بطريقة اغتصابية عنيفة فيما بعد حتى داخل علاقة سوية كحب أو زواج.
ومن الممارسات التي تعتبر فيتيشية حسب تصنيفات حديثة: البونديدج أو الربط والسادية والمازوخية واستخدام الأحبال والكرابيج في إطار من السيادة والخضوع بين طرف وآخر، الألم، تمثيل الأدوار كالمدرس والطالبة والدكتور والمريضة وصاحب المنزل والخادمة ولعب أدوار المحارم كالأب وابنته، الجنس الجماعي وتبادل الزوجات، التبول، تبادل الملابس بين الرجل والمرأة، عبادة الأقدام، الضرب على المؤخرة المسمى سبانكينج، حب التعري في العلن أو التصوير العاري، حب الملابس الجلدية والمصنوعة من اللاتيكس.
تناولت السينما المصرية موضوع الفيتيش على استحياء، تارة بشكل كوميدي، وتارة كوصمة تصم الشخص بالمرض النفسي أو الهوس الإجرامي، من أشهرهم مطاردة غرامية لفؤاد المهندس الذي يحب الأحذية، وفيلم قمر اربعتاشر للمثلة كاميليا ويظهر فيه فيتيش ملابس الكماريرة أو الخادمة الفرنسية بشدة، فيلم شوارع من نار ومشهد حسن عابدين وهو يقول انا عاوز واحدة تهزقني وهو متحزم ويرقص بالصاجات، فيلم صغيرة على الحب ومشهد رشدي أباظة وهو يقوم بعمل سبانكينج صريح لسعاد حسني على مؤخرتها، فيلم حافية على جسر الذهب عندما يشرب عادل أدهم الويسكي من حذاء ميرفت أمين، مشهد من فيلم جاسوسية لا أذكره لإيمان أو ليز سركيسيان تمارس الجنس مع شخص أسود يرتدي ملابس العبيد ويضربها بالكرباج، بل أزعم أن أغنية المريلة الكحلي لمحمد منير تحوي فيتيش اليونيفورم، والأمثلة كثيرة هذا ما أسعفتني به الذاكرة فقط.
وكلنا يتذكر عندما كنا أطفال لعبة عريس وعروسة، ولعبة الدكتور، والعالم السفلي للفيس بوك ممتلئ بجروبات الفيتيش العربية والمصرية، بأسماء مثل: خدام جزمة ستي، كلبة سيدي، كلب مولاتي سهى، الملكة صافيناز، شبشب ستي، عايزة خدامة، مداعبة أقدام، خدام رجليكي، مدام روز للسادية، ظباط جامدين وبنات حلوين، وهذه الجروبات بها عشرات الآلاف من الأعضاء.
لذا ليس بمستغرب أن تنتشر بين الناس عبارة مثل: ما ينفعش يحكمنا غير عسكر، فكما قلنا قد يحن الشخص الذي مر بتجربة اغتصاب إلى تجربته الأولى، وتجربتنا الأولى كانت انقلاب يوليو 1952 الذي يحن إليه الكثيرون بطريقة فيتيشية، حتى مع اختلاف الظرف والزمان والإيديولوجية، فالناصريون تخلوا عن الاشتراكية والعدالة الاجتماعية في مقابل تجديد حلم الفيتيش العسكري، وإن كان هذه المرة بأيديولوجية رأسمالية تفرم الفقراء بلا هوادة وتحرمهم من أي ميزة. أضف إلى ذلك الحنين إلى المعتقلات والتعذيب والجلد والتعليق والاغتصاب بالكلاب، وهو نوع من فيتيش البونديدج الذي افتقده كثير من المثقفين، فليس بمستغرب على مثقفين حبسوا في معتقلات ناصر أن يخرجوا منها مادحين له بل ومؤلفين فيه القصائد، هذا فيتيش جنسي صريح.
تنتشر مثل الحمى إعلانات المقويات الجنسية على القنوات الرخيصة على النايلسات، يبدو للناظر من بعيد أن هناك ثمة مشكلة جنسية مختفية في المجتمع، والجنس التقليدي أصبح صعب التحقق بدون مثيرات، فيعتقد البعض أن الحل في الأدوية والعقاقير، لكن بعد 30 يونية أو حتى قبلها بقليل تزايد التنبه لأهمية الفيتيش، خصوصا فيتيش البيادة واليونيفورم العسكري، باعتراف قيادات قالت إنها تستخدم متحدث عسكري وسيم ليجذب السيدات، حتى أنه دخل في صنع الشيكولاتة والمجوهرات والملابس الداخلية الحميمة أو اللانجيري، لذا فكلامي ليس ضربا من المبالغة والأفورة والافتعال، الأمر جنسي بحت، والفيتيش المصري ضم الاستثارة الجنسية من مشاهد الجثث والدماء والأدمغة المنفجرة والأوصال المتقطعة، وكلما زادت وتيرتها زاد الشبق النسائي بل والرجالي أيضا وعلت أصوات التلذذ والاستثارة.
خلونا نتكلم كفنيين على رأي فاروق جعفر، إذا رسمنا خريطة دماغية للفص الأمامي للمخ وخصوصا المنطقة المسماة Primary motor cortex سنجد أن مناطق استقبال الإحساس للأعضاء التناسلية موجودة جنبا إلى جنب مع أصابع الأقدام والأقدام نفسها، وهو ما أثبته عالم الاعصاب Vilayanur S. Ramachandran، وأحيانا يحدث ربط عصبي بين المنطقتين عند بعض الأشخاص، وهو ما قد يفسر فيتيش الأقدام والأحذية والبيادة، مما قد يدفع أحد الكتاب أن يكتب عبارة مثل: أقبل بياداتكم، أو أن يربط بعض البسطاء البيادة على رؤوسهم في ميدان التحرير، فالأمر إشباع جنسي بحت، هؤلاء الأشخاص ربما يثيرون الشفقة ويعانون من الضعف الجنسي، وربما لا تتحقق لهم الإثارة إلا كذلك.
في علم الإتيولوجي أو علم اكتشاف المسببات في الطب لم يكتشف مسبب حقيقي للفيتيش، وهو ليس وصمة أو مرض، فكلنا لدينا فيتيش بدرجات مختلفة لأشياء مختلفة، وغالبا ما يتكون في فترة البلوغ وأحيانا قبلها، والسعي وراء الفيتيش ليس عيبا إلا لو بدأ في مخالفة القانون والإنسانية وإيذاء الآخرين أو تحول إلى إدمان يضر الشخص نفسه، هنا يجب أن يكون لنا وقفة معه.

زقاق النت

زقاق النت

مواضيع ذات صلة:

ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.