الثورة المضادة تنتقم من رموز استقلال القضاء



>> طالبوا باستقلال القضاء ووقفوا ضد تزوير انتخابات 2005 وأيدوا ثورة يناير.. فاعتقلهم السيسي وعزلهم
>> المستشار محمود الخضيري: قضاء السيسي حكم عليه بالسجن لتعذيبه مواطنا في 2011
>> المستشار زكريا عبدالعزيز: الشوكة التي كسرت ظهر مبارك وزنده.. فعوقب بالإحالة للمعاش
>> المستشار هشام جنينة: انتفض ضد مبارك وكشف فساد الجيش والشرطة.. فعزله السيسي
>> المستشار ناجي دربالة: قرار عزلي من منصة القضاة ثمن بسيط لكلمة حق قلتها ولن أندم عليها أبدًا


كتب: عبدالرحمن كمال - بوابة يناير:

إذا حاول بعض المنصفين التأريخ للفترة التي سبقت ثورة 25 يناير، فلا يمكنه أن يغفل الدور الهام الذي لعبه تيار استقلال القضاء في التمهيد للثورة ثم الانضمام لها بعد اندلاعها، وهو الموقف الذي كان سببا في التنكيل بكل رموزه بعد وصول عبدالفتاح السيسي، رجل الثورة المضادة، إلى منصب رئاسة الجمهورية.
لم يختلف حال رموز استقلال القضاء في عهد السيسي عن حالهم في عهد المخلوع مبارك، وسنحاول هنا أن نذكر بتاريخ تيار استقلال القضاء ونضالهم ضد مبارك، لعل بعضنا يدرك أن الاضطهاد الذي يتبناه السيسي ضدهم دليل جديد وأكيد على عدائه لكل ما يمثل ثورة يناير.
بين القضاء ونظام مبارك
لم تكن العلاقة بين القضاة والحكام فى مصر على مدار العقود الأخيرة طيبة بحال من الأحوال، وعلى الرغم من حرص حكام مصر منذ ثورة يوليو 1952 حتى اليوم على التمسك بديباجة احترام القضاء وإعلاء سلطانه على أى سلطان، لكن التاريخ والوقائع تؤكد أن القضاء لم يسمح له أن يخرج عن طوع الحاكم، وكل من جاهر بالتمرد كان مصيره التنكيل والطرد.
وقد كان عصر المخلوع مبارك أسوأ العصور التي عاشها القضاة، وكانت أزمة قانون السلطة القضائية والتى نشبت فى عام 2006 أهم المحطات الفاصلة فى المواجهة بين القضاة والحكومة منذ مذبحة القضاة فى عام 1969، حيث كشف القضاة عن ممارسات التزوير التى أقدمت عليها سطة المخلوع مبارك فى انتخابات عام 2005 لصالح مرشحى الحزب الوطنى “المنحل”، ولعب الشعب المصرى بمختلف فئاته وغالبية قواه السياسية دورا كبيرا فى دعم مطالب القضاة فى استقلال سلطتهم ورفض قانون السلطة القضائية المقدم من الحكومة والذى أقرته أغلبية الحزب “المنحل” فى مجلس الشعب، ووصفه نادى القضاة الذى كان تيار الاستقلال القضائى يتصدر المشهد فيه فى ذلك الوقت بأنه خطوة خطيرة تهدد مستقبل القضاء وحريته وتزيد من تغول السلطة التنفيذية فى شؤونه، وكان تعامل النظام المصرى مع المظاهرات التى خرجت مؤيدة للقضاة عنيفا للغاية، حيث جرى الاعتداء على المتظاهرين بالضرب والسحل واعتقال ما يزيد على الألفين.
وتمسك القضاة مدعومين من القوى السياسية والوطنية بمطالبهم فى إصدار قانون استقلالِ السلطةِ القضائية الذى أعده النادى، وحتى يتمكنَوا من الإشرافِ الكاملِ والحقيقى على الانتخاباتِ العامةِ، كى تخرجَ معبِّرةً بحقٍّ وصدقٍ عن الإرادةِ الحرةِ للشعب، خاصة بعد أن قاموا بدورِهم فى الإشرافِ على الانتخاباتِ النيابيةِ فى عام 2005، وحاولوا بكل ما أوتوا من طاقةٍ وجهدٍ تحمُّلَ الأمانة والقيامَ بالمسؤولية والتبعة على أفضل وجه ممكن، وقد تعرض عددٌ من هؤلاء القضاة أثناء قيامهم بدورِهم إلى كثيرٍ من العَنَت والإهانةِ والعدوانِ على يدِ أجهزةِ الأمنِ، ثم اندفعت السلطةُ التنفيذيةُ إلى منزلقِ تحويلِ بعضِ المستشارين وبينهم المستشاران هشام البسطويسى ومحمود مكى إلى التحقيقِ أمام نيابةِ أمنِ الدولة العليا، ثم بعد ذلك إلى لجنةِ الصلاحيةِ، وهو أمرٌ رفضه القضاة واندلعت ضده احتجاجات شعبية واسعة.
وكانت الطامةُ الكبرى، وهى الاعتداءُ بقسوةٍ ووحشيةٍ على أحد القضاةِ، وهو المستشار محمود حمزة الذى ساقَه قدرُ اللهِ إلى الوقوعِ فى أيدى رجالِ الشرطةِ قبل فجرِ يوم الاثنين 24/4/2006م، وذلك أثناء اعتدائِهم على بعضِ المعتصِمين من الحركةِ المصريةِ من أجل التغيير (كفاية)، تضامناً مع القضاة.
وفى وقائع مناصرة المستشارين محمود مكى وهشام البسطويسى أثناء التحقيق معهما اعتقلت قوات الأمن أيضا حوالى 500 من المواطنين ونشطاء القوى السياسية وكان من بينهم الدكتور محمد مرسى عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين فى ذلك الوقت والرئيس الأسبق للبلاد، كما اعتُقل الدكتور عصام العريان القيادى البارز بجماعة الإخوان وأمين صندوق نقابة الأطباء، كما حشدت السلطاتُ الآلاف من قوات الأمن المركزى بالإضافة إلى قوات مباحث أمن الدولة، للتصدى للمظاهرات التى نظَّمها المواطنون يوم 18/5/2006م أمام دار القضاء العالى ومجمع محاكم الجلاء بوسط القاهرة ومحكمة شمال القاهرة بالعباسية، للتضامن مع المستشارَين مكى والبسطويسى، كما داهمت قواتُ الأمن المتظاهرين فى أغلب المناطق المحيطة بمنطقة وسط القاهرة والتى مُنع فيها التظاهر، واعتقلت عدداً كبيراً من المواطنين واعتَدَت بالضرب المبرّح بالعصىِّ الكهربائية والهراوات والقنابل المسيلة للدموع على المئات منهم، كما قامت بسَحْل عددٍ كبيرٍ منهم على الأرض، فى محاولةٍ لمنع المظاهرات المؤيِّدة للقضاة.
وفى وسط القاهرة وأمام دار القضاء العالى تجمَّع عدد من نواب مجلس الشعب بينهم نواب جماعة الإخوان المسلمين ومعهم نواب المعارضة والمستقلين مرتدين أوشحةً مكتوباً عليها “نواب الشعب مع القضاة” مردِّدين الهتافاتِ المؤيِّدة للقضاة ومنها “بدأ العد التنازلى لاستعادة الوطن”، وقامت قوات الأمن بحشد عشراتٍ من البلطجية لتهديد المحتشدين حول النواب، حيث اعتقلت عشراتٍ من المتظاهرين فى سيارات الأمن المركزى.
التنكيل برموز الاستقلال
كما قلنا آنفاً، السيسي جاء لمعاقبة كل من سولت له نفسه ومهد للثورة، أو بشر بها، أو تضامن معها، وبالطبع كان لتيار الاستقلال نصيب من هذا العقاب، ليشهد قضاة التيار أسوأ فترة من التضييق الأمني والتنكيل منذ أحداث 30 يونيو 2013، لدرجة أن التيار لم يعد له وجود بالمعنى المعروف، خاصة بعد إحالة أكثر من 30 شخصًا من رموز وقيادات التيار للصلاحية.
محمود الخضيري
المستشار محمود الخضيرى، هو أحد الرموز الكبار لتيار استقلال القضاء، وفي 2005 كان الخضيري أحد أعضاء التيار المطالبين بتعديل قانون السلطة القضائية في مصر لضمان استقلالها وتخليصها مما رآه أعضاء الحركة تدخلا من السلطة التنفيذية في أعمال القضاء وإفسادا لها.
في 20 سبتمبر 2009 استقال الخضيري من منصبه كرئيس دائرة الخميس المدنية في محكمة النقض بعد 46 عاما من الخدمة وقبل إحالة للتقاعد بأيام معدودة، مصرحا: «أعتبر أن استقالتي صرخة احتجاج في وجه الأوضاع الحالية بالقضاء، وأتمنى أن تحدث نوعاً من الجدية لإصلاحه»
ويعتبر الخضيري أن استقلال القضاء يعني أن يكون القاضي غير خاضع لأي شيء سوى ضميره والقانون، وأن يتحرر من أي ضغوط سواء كانت مادية أو معنوية، وأن تكون إرادته حرة غير متأثرة بأي من الاتجاهات السياسية. كما يرى أن البداية الحقيقية للإصلاح في مصر تتمثل في تشكيل هيئة من كبار رجال القانون وفقهاء الدستور لتضع دستورا جديدا.
بارك الخضيري ثورة 25 يناير واعتبرها ثورة شعب يستحق أن يكون في حال أفضل، وهو الأمر الذي لم يروق للسيسي رجل الثورة المضلدة، الذي كان من أول قراراته بعد 30 يونيو 2013 اعتقال الخضيري الذي تخطى السبعين عاما بتهمة تعذيب مواطنا وهتك عرضه وصعقه بالكهرباء داخل مقر إحدى شركات السياحة بميدان التحرير خلال ثورة 25 يناير، قبل أن يحكم عليه قضاء الزند والسيسي بالسجن 3 سنوات.
زكريا عبدالعزيز
كان المستشار زكريا عبدالعزيز هو رئيس نادي القضاة الذي صعد من المواجهة ضد المخلوع مبارك، كما كان له دور بارز في ثورة 25 يناير، وهنا كانت الطامة الكبرى التي لم يغفرها له السيسي، لاسيما أن المستشار زكريا عبدالعزيز كان كابوسا مفزعا لرجل مبارك والسيسي أحمد الزند.
قبل أيام، قرر مجلس تأديب القضاة إحالة المستشار زكريا عبدالعزيز، للمعاش، لاتهامه بالتورط في اقتحام مقرات جهاز الأمن الدولة المنحل بمدينة نصر إبان ثورة 25 يناير، غير أن التهمة التي سبق وأثبتنا بالأدلة براءة المستشار زكريا منها، كانت مجرد غطاء لمعاقبته على كونه واحد من المحسوبين على ثورة 25 يناير
هشام جنينة
لم ينتهي دور المستشار هشام جنينة عند كونه رمزاً من تيار استقلال القضاء ووكيل نادي القضاء أثناء الأزمة مع المخلوع مبارك فقط، بل تخطى نضاله ضد الفاسدين في مصر، إلى الدخول في «عش الدبابير» بعد تعيينه رئيسا للجهاز المركزي للمحاسبات.
بعد تولي جنينة رئاسة الجهاز وتحديداً في أبريل 2012، قدم للمجلس الأعلى للقضاء قضية فساد كبرى، متهماً فيها الزند بالاستيلاء مع صهره على 250 فداناً بمرسى مطروح، وهي القضية التي فجّرتها بعد ذلك بعامين بوابة الأهرام الإلكترونية. ولكن بعد تولي السيسي الرئاسة، أصبح الزند أحد أعتى مراكز القوى في مصر لعلاقته الوثيقة بأجهزة الأمن التي تدير الأمور في مصر والمتحكمة بالكامل في المشهد السياسي والإعلامي التي تحرّض على الانتقام من جنينة.
بعد تولي جنينة رئاسة الجهاز، دخل أخطر المعارك التي يمكن أن يخوضها مسؤول في مصر، ألا وهي المعركة ضد المصالح الاقتصادية الخاصة بالقوات المسلحة وأجهزة الاستخبارات والتي لا يعرف أحد في مصر أو خارجها قيمتها بالتحديد، وان كانت بعض التقديرات قدّرتها بما يُعادل 40 بالمائة من اقتصاد مصر، وهو ما طالب جنينة بإخضاعه لمراقبة الجهاز، وهو ما يرفضه قادة الجيش والأجهزة رفضاً قاطعاً لما تُدر عليهم من أرباح، كما خاض جنينة معارك شديدة داخل وزارتي الداخلية والعدل وضد أباطرة الفساد داخلهما.
وكانت القشة التي قصمت ظهر هشام جنينه هي التصريح الخطير الذي قال فيه ان حجم الفساد في مصر يصل إلى 600 مليار جنيه، وفق تقرير أعده، وقد استغل النظام هذا التصريح في صنع مسرحية للخلاص منه، فلم يتم تحويل هذا التقرير للتحقيق فيه من قبل النيابة العامة أو قاضي تحقيق، وإنما قام رئيس الجمهورية بتشكيل لجنة للتحقيق في هذا التقرير كمشهد أول في المسرحية. وجاء المشهد الثاني في تشكيلة أعضاء اللجنة، وهم رئيس هيئة الرقابة الإدارية، وهي الهيئة التي تولّى نجل السيسي مركزاً قيادياً فيها وقامت بالتنكيل بأحد ضباطها بعد نجاحه في إثبات فساد المخلوع مبارك في قضية القصور الرئاسية، بالإضافة إلى المستشار هشام بدوي، وكيل الجهاز المركزي، وهو أحد رجال أحمد الزند الذي كان مساعداً له قبل أن يعيّنه السيسي أخيراً وكيلاً لجنينة والمرشح لخلافته بعد الإطاحة به، بالإضافة إلى ممثلين عن الوزارات التي يتهمها جنينة بسرقة المال العام، وهي الداخلية والعدل والمالية والتخطيط.
لم تستغرق المسرحية كثيرا، حتى أصدر السيسى قرارا جمهوريا باعفاء المستشار هشام احمد فؤاد جنينة رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات من منصبه اعتباراً من 28 مارس 2016، ليدفع ثمن تأييده لثورة يناير ووقوفه ضد فساد الجيش والشرطة والمخابرات والداخلية ووزارة العدل وأحمد الزند.
ناجي دربالة
يعد واحدًا من أبرز ممثلي تيار استقلال القضاء، له باع طويل في العمل القضائي، فهو أول من شارك في مؤتمر العدالة المنعقد في مصر عام 1986م للمطالبة باستقلال القضاء، وشارك في كل المؤتمرات التي انعقدت لدعم استقلال القضاء بمصر.. إنه المستشار الجليل ناجي دربالة نائب رئيس محكمة النقض، أحد القضاة المعاقبين بالعزل.
كان دربالة أيضًا أحد المشاركين والمسئولين عن إعداد اعتصام القضاة بناديهم عام 2005م، وتنظيم الوقفة الاحتجاجية الأولى للقضاة في 1 أبريل عام 2005 والوقفة الاحتجاجية الثانية لهم في 25 سبتمبر عام 2005 للمطالبة باستقلال القضاء. للمستشار دربالة العديد من المواقف البطولية في مواجهة نظام المخلوع حسنى مبارك، فقد أحيل للتحقيق من قبل رئيس محكمة النقض الأسبق المستشار فتحي خليفة لدوره في التصدي وكشف تزوير الانتخابات في عام 2005.
وجاء قرار مجلس التأديب الأعلى، بإصدار حكم نهائي بات، الاثنين، بإحالة 15قاضيًا للمعاش، لاتهامهم بتأسيس حركة “قضاة من أجل مصر” ليفجر غضب القضاة الذين قالوا إنه تم إهدار حقوقهم بدون وجه حق.
“قرار عزلي من منصة القضاة ثمن بسيط لكلمة حق قلتها ولن أندم عليها أبدًا، ويكرّس مدى الكراهية المركبة التي يحملها رئيس مجلس القضاء الأعلى لقضاة تيار الاستقلال واستجابة لتحريض أجهزة الدولة ووزير العدل السابق الذي لم يمهله القدر ليتمتع بقرار عزل شرفاء القضاء وهو بمنصبه” هكذا علق المستشار ناجي دربالة على قرار عزله في تصريحات سابقة لـ “المصريون”.

زقاق النت

زقاق النت

مواضيع ذات صلة:

ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.