قبل أن تقرأ:
-------------
(عَرشُكَ سَيْف .. وسَيْفُكَ زَيْف)- أمل دنقل.
من المشاهد الشهيرة في السينما العربية، تساؤل كتبغا رسول هولاكو في فيلم وا إسلاماه (أكلم مين لما أحب أخاطب الشعب المصري؟).
لو دارت آلة الزمن وعاد (كتبغا) بسؤاله اليوم، والوطن الذى يضُّمُنا جميعاً يغرق ويغوص تحت ثِقَل اليد الباطشة التي تعتبر حَشرَ المعارضين في الزنازين إنقاذاً للوطن .. ويَئنُّ من غَلَبَةِ الدَيْن (الذى لم يستَشره أحدٌ في اقتراضه ولا بعثرته) .. ومِن قهْر الرجال أمام سطوة الغلاء .. والأَكَلَةُ تتداعى على قصعتنا من كل حدبٍ وصوبٍ، تسلخ قطعةٌ من لحم الأسد الجريح كُلَّ يومٍ بسكينٍ باردٍ .. إذا عاد (كتبغا) بسؤاله عَمَّنْ يُمَّثِلُ مصر ويتحدث باسمها، فَبماذا نُجيبُه؟ .. بالقطع ليس هذا البرلمان، فهو لا يمثل إلا من أتَوْا به .. كما أنَّ السُلطةَ الحالية تفتقر إلى شرعية التمثيل .. فما حدث في ٢٠١٨ لم يكن انتخاباتٍ بأيِّ حالٍ .. هذا رأيي الذي أعلنتُه وقتها ولا زِلْتُ عليه احتراماً لِعقلي وضميري.
لكن يبدو أن الدَرْكَ الذي انحدرنا إليه أسفلُ من أسوأ كوابيسنا.. عشنا زماناً كانت نُظُمُ المنطقة لا تستقر إلا إذا حظيت برضا القاهرة .. وكانت القاهرة تقود مع عواصم أخرى حركةً عالميةً ترفض أن تكون دُوَلُها منطقةَ نفوذٍ للدول العظمى.
ثم جرَت في النهر مياهٌ آسِنةٌ كثيرةٌ .. لكن أكثرنا تشاؤماً لم يتخيل أن يصل بنا الهوانُ درجةَ أن يُثارَ عَلَناً أن القاهرة نفسها صارت منطقة نفوذٍ تتصارعُ عليها دُوَلٌ شقيقةٌ .. وأن يتحدث المحللون علناً عن مرشحين محتملين في الانتخابات (المصرية!) بوصفهم مرشحي هذه الدولة العربية أو تلك(!).
الأدْهَى من ذلك أنَّ مَنْ أوْصلونا لهذا القاع .. بدلاً من أن يتواروا عن المشهد خجلاً واعتذاراً .. يُعِّدُّون العُدَّةَ لاستمرار الجُثُوم على أنفاس الوطن المُنهَك والتحدث باسمه .. مُستعينين بالكتالوج القديم الذي تَهَّرَأَ من كثرة استخدامه .. ويُكَّتِلون فريقاً من الأشياع والمستفيدين لإعطاء (البَيْعة) .. بل بلغت بهم البجاحةُ أن يُسَّمُوا فحِيحَهم صوتَ مصر (أنا أُصَّدِقُ بلال فضل).
فهل نترك لهم الساحةَ يلهون ويعبثون بمقدراتنا مُكتفين بمصمصة الشفاه؟ .. مصر أكبر من أن يمثلها الصغار .. لماذا لا نكون نحنُ صوتَ مصر .. نحن أوْلَى بهذا الاسم الحبيب منهم .. أَمَا آنَ لنا يا أخي أن نَصْطَفَّ؟ .. واجبُ الساعةِ أن نتجاوز عَمَّا يُفَّرِقُنا وأن نُوَّجِهَ سهامنا إلى حيث ينبغي.
أَنْتَ يا أخي لا تَرَى أحمد الطنطاوي (أو غَيْرَه) كُفؤاً لرئاسة مصر .. حسناً، هذا رأيك وحقك .. لا تمنحه صوتك في الانتخابات (إذا أصبحت انتخاباتٍ لا مسرحية) .. أما الآن فليس مطلوباً منك أن تُؤيده .. فقط، لا تُهاجمه.
أَنْتَ ترفض راية حرية السوق بلا كوابح، التي يرفعها تكتلٌ جديدٌ .. التكتل هو الجديد أمَّا الرايةُ فموجودةٌ دائماً .. هم أيضاً يرفضون رايتك .. ليس مطلوباً الآن تغيير القَناعات والرايات (فضلاً عن استحالة ذلك) .. رَكِّز في الدفاع عن رايتك، لا في تمزيق راية غيرك .. أَلَا يمكن أن نصطَّفَ براياتنا الآن تحت رايةٍ أكبر؟.
أركان الإسلام عندك ستة، سادسُها سَبُّ عبد الناصر(!) .. ألَّا تَعلَمُ أنَّ جارَك أيضاً على يقينٍ بأن حسن البنا عميلٌ للمخابرات البريطانية وقد أَسَّسَ جماعته مقابل ٥٠٠ جنيه(!)؟ .. لن يُغَّيِرَ أَيُّكُما قناعاته، فلماذا يَحُّكُ أحدُكُما أنفَ أخيه؟ .. واجب الساعة أن تتوقف هذه المعارك العبثية الجانبية والتركيز على الخصم الحقيقي.
فرقتكما ٣٠ يونيو .. كُلٌّ منكما يرى أنَّ أخاه هو الذي أوصَلَنا لما نحن فيه ولا بُدَّ أن يعتذر أولاً .. هذه الجَدلية العقيمة التي لن تنتهي والتي تورث العِنْدَ وتُعَّمِقُ التَمَّزُقَ، تشغلكما عن طلب الاعتذار ممن بَطَشَ بكما (ولا يزال).
أخي في الشقاء .. اللصوص منشغلون بمضاعفة الغنائم .. ومعظم شعبنا يجاهد البلاء والغلاء على مدار اليوم ويفترض في نُخَبِه العقلَ والرشاد وقتَ المحنة.
أنا وأنتَ خصمان غريقان مُقَّيَدان بسلسلةٍ في قاع البحر .. فلنُؤَجل شِجارنا لما بعد النجاة .. أَمَّا الآن فلنحاول معاً فَكَّ السلسلة .. غير ذلك سَفَهٌ .. بل خيانةٌ.
هذه دعوةٌ للتكتل والاصطفاف .. (كتبغا) يسأل .. أما آن لنا أن نُسمِعَه الإجابة؟!.
مهندس/ يحيى حسين عبد الهادي
موقع "ذات مصر"- الأحد ٣٠ يوليو ٢٠٢٣
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق