الدفع بنا فى هاوية التعويم




*محمد دشناوي:
 

من ينادون بتحرير سعر صرف العملة المحلية، عليهم أن يعلموا جيدا، أن تحرير سعر صرف العملة المحلية يأتي في المراحل الاخيرة من اهتمامات اي مستثمر أجنبي، فالمهم عند الاخير أن يكون هناك استقرار سياسي واقتصادي، يضمن به امواله واستثماراته.
فحماية الجنيه المصري مسألة امن قومي، لابد ان يتم اخذها في الاعتبار عند الكثير من خبراء الاقتصاد الذين ينادون بتحرير سعر الصرف بحجة جذب المستثمرين الاجانب لمصر، ناهيك عن ان تدمير قيمة الجنيه المصري تدمير لكل الاسواق المرتبطة به سواء في الاسهم او السندات وغيرها.
والاقتصاد المصري يعيش فترات صعبة خلال الخمس سنوات الماضي، بسبب معدلات البطالة التي وصلت ل 26 %، بالاضافة الى التضخم الذى وصل لمستوي 12 % فأصبح غول يأكل فى الطبقات المصرية الفقيرة والمتوسطة، وأيضا الممارسات الاحتكارية على كل المنتجات ابتداء من الصاروخ حتى الابرة، وأيضا نعاني من سوق غير قادر على التسعير بسبب الفجوة الاستيرادية التي وصلت الي 50 % من الاحتياجات الاساسية للدولة.
وهنا أيضا عوامل الثورتين وما تتبعهما من احداث واغلاق بعض المصانع، واخيرا أزمة سقوط الطائرة الروسية وما تتبعها من تصعيد غير مبرر نتج عنه ضرر كبير فى مورد العملة الاجنبية الرئيسي للدولة من السياحة، وأيضا انخفضت تحويلات العاملين بالخارج التي وصلت الى 19 مليار دولار وقد تأثرت هى الأخرى من الاحداث الاقتصادية العالمية.
وهناك عوامل عالمية كتراجع سعر البترول واتجاه الدول العربية الى حالة من الانكماش وزيادة التضخم بها مما يقلل من حجم الادخار، وبالتالي قد ينخفض حجم تحويلات العاملين بالخارج، بالاضافة الى تقليل التشغيل الجديد، أما الخطر الاكبر فقد تقوم دول الخليج باستبدال العمالة المصري بأخرى محلية، وبالفعل نوه عن ذلك ولي ولي العهد السعودي الذي قال "إن المملكة قد تلجأ لذلك فى حالة فشلها فى تخفيض معدل البطالة".
والبند الآخر الذي يمد الدولة بالعملة الاجنبية يتمثل في الصادرات المصرية من السلع وذلك لم يتجاوز 13 مليار دولار، وهو رقم منخفض جدا ولا يليق بدولة كمصر ولا بشعب تعداده 90 مليون، وإذا حسبنا نصيب العامل من  اجمالي الطاقة الانتاجية التي تتجاوز 27 مليون مواطن فى مصر من التصدير للخارج، سنجد نصيب كل عامل 480 دولار، وهو رقم متدني للغاية ويجب العمل على رفعة ويجب ان يتم التفكير فى كيفية زيادة ذلك بالانتاج وليس بالتعويم.
فالتعويم لن يٌحدث طفرة فى الصادرات كما يظن البعض، لا يوجد لدينا منتجات فائضة قابلة للتصدير بما يمكن من حدوث طفرة مؤثرة في الاقتصاد وهو الهدف الاسمى الذي ينادي به الكثير من الخبراء.
وباقي بنود الإيرادات فى الميزان التجاري عديمة المرونة مع سعر التحويل، فمثلا إيرادات قناة السويس بالدولار ولن تتاثر بسعر الجنيه، وكذلك تحويلات العاملين بالخارج، أما السياحة فإن تخفيض الجنيه سوف يكون تاثيرة إيجابي ولكنه بسيط.
وإذا نظرنا على الجانب الآخر في الميزان التجاري وهو جانب المدين نجد أن تخفيض العملة ايجابي جدا لأنه سوف يخفض الواردات ويخفض العجز ويقوم بزيادة الاعتماد على المنتج المحلي، ولكن ذلك الهدف يمكن حدوثه من خلال زيادة التعريفة الجمركية على سلع منتقاه، مراعاة للبعد الاجتماعي ويتم تحديد تعريفة جمركية مختلفة من سلعة لاخري، وهذا ما تم وفقا لقرار تقييد الاستيراد الاخير، واعتقد ان القرار ايجابي لانه اكثر مرونة فى التعامل مع المشكلة ويمكن مضاعفتة او تقليلة حسب الظروف فى المستقبل .
ومن الممكن ان تقوم الحكومة بزيادة التعريفة الجمركية لنفس السلع أو اضافة سلعة اخري، ومن يقولون ان ذلك سيكون له تاثير سلبي بالنسبة للدول الاخرى كان تعاملنا بالمثل فحتى لو حدث ذلك سيكون تأثيره طفيف، سيكون طفيف.
خاصة وان العالم يمر الان بمرحلة تباطؤ وانكماش فى الاعمال بالاضافة وهو الاهم انسحاب السيولة من الاسواق الناشئة والتى منها مصر بالاضافة لعدم وجود الرغبة لدي كثيرا من المستثمرين بالمخاطرة فى الاسواق الناشئة ولهذا يجب ان نعتمد سواعدنا فى الحل
ولذلك أرى أنه من الأفضل الآن للحكومة أن تحافظ على سعر الجنيه تماشيا مع الظروف الاقتصادية الحالية، خصوصا وأن معظم الدول التى تمر بظروف عدم استقرار سياسى مثل الثورات تعاني من عدم استقرار فى العملة وممارسة ضغوط الدولار الاكتنازية، ويتحول الدولار من وسيلة مبادلة الى وسيلة ادخار من مواطني هذه الدول.
وهذا الشعور طبيعي ومنطقي ونجاح الدول في أن ترسل رسائل الطمئنة لمواطنيها وأن تجعلهم يثقون في عملتهم، حتى يبادروا من انفسهم باستخدام الدولار كوسيلة مبادلة وليس ادخار يُحطم العملة.
فى الحروب المالية نفس الخطر تواجهه الصين والسعودية ومصر وروسيا على اختلاف الاوضاع الاقتصادية لكل دولة منهم لكن الخطر واحد.!

*خبير إقتصادي والرئيس التنفيذي لشركة الجذور


زقاق النت

زقاق النت

مواضيع ذات صلة:

ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.