بينما يتركز اهتمام العالم على الأزمة الأوكرانية، تحدث تطورات مأساوية في أماكن أخرى من العالم. لعل أهمها يتمثّل في محاولة الانقلاب الناعم الذي تجري في باكستان، البلد المسلح نوويًا والبالغ عدد سكانه أكثر من 220 مليون نسمة.
منذ اللّحظة الأولى التي تولى فيها عمران خان السلطة، ترددت عبارة: "نظام" عمران خان على وشك السقوط. وهي نفس العبارة التي سمعناها في سوريا لسنوات والتي كانت تهلّل لاقتراب سقوط نظام الأسد.
الأكاذيب المعياريّة التي يعاد تدويرها في الانقلابات الناعمة التي حدثت في دول أميركا اللاتينة، تُعاد روايتها في باكستان.
حرب الإشاعات النفسية أدّت إلى ظهور حملة منسقة في آذار/مارس، أطلق فيها نواب معارضون في البرلمان الباكستاني اقتراحًا بحجب الثقة عن رئيس الوزراء عمران خان.
تحاول النخب الأجنبية المعادية يائسة العثور على نسخة باكستانية جديدة من خوان غوايدو (عميل واشنطن في فنزويلا وقائد الانقلاب الذي كان يهدف للإطاحة بالرئيس مادورو).
حذّر خان، الذي انتخب ديمقراطيًا في 2018، من بذل جهود للإطاحة بالحكومة بمساعدة وتمويل خارجي. واستذكر سلفه ذو الفقار علي بوتو، رئيس الوزراء الباكستاني الذي أطيح به في انقلاب دعمته الولايات المتحدة عام 1977، ثم أُعدم. لأنه حاول تطبيق سياسة خارجية حرة في بلاده. وكشف عن تلقيه رسالة من واشنطن تهدّده بالإزاحة لأنّه رفض السّماح لها بإنشاء قواعد عسكرية أمريكيّة في باكستان.
فيما يلي تحليل للأسباب الرئيسية التي دفعت النخب الأجنبية المعادية إلى قرار رحيل رئيس الوزراء عمران خان:
1) عمران خان يعارض السياسة الخارجية للولايات المتحدة
لطالما وُصِف عمران خان بأنه "متعصب"، أي ينتقد بشدة السياسة الخارجية للولايات المتحدة.
عارض خان بشدة ما يسمى بـالحرب على الإرهاب التي تقودها واشنطن، وخاصة الحرب في أفغانستان، لهذا السبب، كان يطلق عليه لفترة طويلة اسم "طالبان خان".
لقد نظرت الولايات المتحدة إلى كارثة الولايات المتحدة في أفغانستان التي انتهت بسقوط كابول في أيدي طالبان على أنها انتصار لباكستان، ولخان على وجه الخصوص. لا ترغب الولايات المتحدة في مسامحة خان لإذلاله في أفغانستان، على الرغم من أنه لا علاقة له بذلك.
2) صوت خان المناهض للاستعمار على السّاحة الدوليّة
تم استنكار خطاب عمران خان في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2019 باعتباره جريئًا للغاية. لقد تحدث الزعيم الباكستاني بقوة عن قضايا الظلم العالمي، ما أثار انزعاج النخب الغربية، تحديدًا من تطرقه الى نقاطٍ ثلاث:
أولاً، أدان خان الدول الغربية القوية لسماحها للنخب من جنوب الكرة الأرضية بنهب مجتمعاتها.
ثانيًا، سلّط الضوء على الإسلاموفوبيا ليس كقضية هامشية، ولكن كظاهرة خطيرة تغزو نظامنا العالمي. وانتقد بشدة التوصيف الخبيث لبعض المسلمين بأنهم "معتدلون" وآخرون "متطرفون". كانت هذه الفروق قد تم استعمالها بشكل مسيء أساسية في المعجم السياسي لـ "الحرب على الإرهاب".
ثالثًا، تحدّث بحماس عن كفاح كشمير ضد الاحتلال الهندي بطريقة لم يفعلها سوى عدد قليل من القادة الباكستانيين.
3) عمّق خان صداقة باكستان مع الصين
تتشارك باكستان والصّين في مشاريع البنية التحتية التي تهدف إلى ربط المنطقة. ويعملان معًا في الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC).
تعتبر القيادة الصينية أنّ خان زعيم باكستاني مهتم حقًا بالتعاون الإنمائي لباكستان، وبعيدًا عن الفساد وانعدام الكفاءة الذي يميز القوى السّياسية الأخرى في البلاد.
كما ان حضور وزير الخارجية الصيني قمة منظمة التعاون الإسلامي في إسلام أباد يشير إلى احتضان الصين للقيادة الباكستانية في العالم الإسلامي.
4) تحسين علاقات باكستان مع روسيا
لم يكن لباكستان علاقة وثيقة مع موسكو. على النقيض من ذلك، كان الاتحاد السوفياتي وباكستان خصمين خلال الحرب الباردة إذ لطالما اعتبرت موسكو حليفًا قويًا لنيودلهي. لكن، على هامش أولمبياد بكين، وجّه الرئيس الروسي بوتين دعوة إلى رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان ووافق الأخير على الزيارة.
بمجرد وصول خان إلى موسكو، شن بوتين هجومه العسكري على أوكرانيا. تعرض خان لانتقادات من العواصم الغربية لعدم إدانته لروسيا.
تلقى خان رسالة هجومية من السفراء الأوروبيين تطالبه بالتنديد بموسكو. لكنه رد على الهجوم بعبارته الشهيرة، "لسنا عبيدًا عند واشنطن".
وطلب من الدول الغربية التي تهاجمه التنديد بسلوك الهند في كشمير أو بجرائم الصهاينة في فلسطين.
5) القلق من قيادة باكستان للعالم الإسلامي
إن استضافة الدورة 48 لمنظمة التعاون الإسلامي (OIC) في إسلام أباد، تبلور دور عمران خان كواحد من أكثر القادة السياسيين المسلمين شعبية اليوم.
الأمر الذي يقلق واشنطن التي تسعى للتحكم بالعالم الإسلامي من خلال دعمها للقوى المتطرفة مثل القاعدة في سوريا وآل سعود.
كما تمكنّت من تمويل مسلمين "معتدلين" منذ 11 سبتمبر قدموا بأمانة إسلامًا صديقًا للإمبراطورية.
هناك عامل واحد يوحد كل هؤلاء الفاعلين المسلمين المختلفين: خضوعهم لواشنطن.
6) التحدي الباكستاني التدريجي للهيمنة التي تقودها السّعودية في العالم الإسلامي
شكلت قمة كوالالمبور 2019، التي عقدها رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد، علامة فارقة في هذا المشروع. بشاركة دول مثل تركيا وإيران وقطر. وكانت محاولة كبيرة لتحدي هيمنة وتأثير المملكة العربية السعودية.
دعا مهاتير محمد، باكستان، وأدرك المشاركون مدى أهمية وجود رئيس الوزراء الباكستاني في القمّة.
ومع ذلك، انسحبت باكستان في اللحظة الأخيرة. لماذا؟
قبل أيام من قمة كوالالمبور، تمّ استدعاء خان إلى الرياض، حيث تمّ تحذيره بعبارات لا لبس فيها: لا يمكنك الذهاب إلى ماليزيا، وإذا فعلت ذلك، فإن آل سعود سيبدأون في ترحيل العمال الباكستانيين، وإيقاف الدعم وإمدادات النفط، والإنهاء. جميع القروض وما إلى ذلك.
7) دعم عمران خان القاطع لتحرير فلسطين
إن أحد أهم الأسباب التي تجعل القوات الإمبريالية تطالب بإزاحة عمران خان واضح: دعمه المستمر والصّريح للنضال الفلسطيني.
حملة ضغط وتهديدات مكثّفة وصلت إلى إسلام أباد في عامي 2020 و 2021. بعد أن قامت عدّة دول خليجيّة بتطبيع العلاقات مع الكيان الصّهيوني.
كان تحقيق التّطبيع بين باكستان والكيان الصهيوني بمثابة حلمٍ لتل أبيب والرياض وأبو ظبي، وبالطبع لواشنطن.
لأشهر، عانى الباكستانيون من فيضان من حرب المعلومات بهدف جعل الجمهور أكثر تقبلاً لفكرة الاعتراف ب"إسرائيل".
مع وجود تيار داخلي (أحزاب السياسية الوطنية الرئيسية ، بل أيضًا قطاعات مهمة من القيادة العسكرية العليا)، تعبر عن استعدادها للنظر في فكرة التطبيع.
اعتقادا منهم أن مثل هذه الخطوة ستجلب لهم حظوة مع واشنطن وتسمح لحافظاتهم الاستثمارية بالنمو بشكل كبير.
لكن رئيس الوزراء خان لم يستسلم. قبل الضجة حول التطبيع، في مايو 2020، أدان خان علانية الحرب الإسرائيلية على غزة: "نحن مع فلسطين. نحن مع غزة ".
أحرج خان، في قمة منظمة المؤتمر الإسلامي، ضيوفه (خاصة من الخليج)، حين تحدث باستمرار عن فشل الدول الإسلامية في وقف الوحشية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. لو تجنب خان التطرق إلى القضية الفلسطينية، فلن يكون في مأزق كبير.
جُنيد سعيد/ كاتب باكستاني
تعريب: لينا الحسيني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق