هل ستعصف الأزمة المالية بالسعودية؟!


بينما كان فتيل الثورة الشعبية قاب قوسين أو أدنى من الاشتعال في المملكة العربية السعودية عام 2011 عبر ما عرف باسم “ثورة حنين” خرج الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز على شعبه في خطاب مسجل ليطمئنهم بأن كل شيء على ما يرام، متوعدًا بضرب كل من يحاول زعزعة استقرار وطنهم. تبع الخطاب الإعلان عن عدة قرارات ملكية لامتصاص الغضب الشعبي، تمثلت في منحٍ اجتماعية وعلاوات قاربت تكلفتها 100 مليار ريال سعودي.
معظم فئات المواطنين وصل إليها من الدعم جانبٌ، فبنود القرارات نصت على: “منح راتب شهرين لجميع موظفي الدولة، مكافأة شهرين لجميع طلبة التعليم العالي الحكومي، صرف ألف ريال شهريًا لكل عاطل، بناء 500 ألف وحدة سكنية، …”
الأمور لم تسر كما يتوقع قادة السلطة، فالعديد من العقبات الاقتصادية التي ظهرت في السنين اللاحقة لم تكن في الحسبان ولم يؤخذ لها اللازم من الاحتياطات، فكانت المحصلة وجود عجز في ميزانية السعودية لعام 2015 بلغ 145 مليار ريال سعودي، نتيجة العديد من الأسباب المعلنة وغير المعلنة، ستكون موضوع هذا التقرير.
فتش عن المساعدات
ربما تتعجب إذا علمت أن صاحب التغريدة السابقة هو الأمير سعود بن سيف النصر حفيد الملك الراحل سعود بن عبد العزيز، الذي انتقد ذهاب الكثير من أموال الشعب السعودي كمساعدات إلى الخارج، وبالأخص إلى أنظمة في دول الربيع العربي لإحباط ثوراتها.
فقد نشرت على حساب الأمير تغريدات عديدة عبر فيها عن استيائه من ذهاب مساعدات اقتصادية لمصر ـ بعد وصول وزير الدفاع السابق عبد الفتاح السيسي للسلطة ـ قدر حجمها بعشرين مليار دولار، أكد أنها لم تساهم في حل الأزمات التي ما زال يعاني منها المصريون.
مشروع قناة السويس من وجهة نظر الأمير سعود لا يعدو كونه مسرحية هزلية أنتجها أحد المسؤولين في رئاسة الديوان الملكي السعودي تم طرده بعد وفاة الملك عبد الله، بالتعاون مع جنرالات الجيش المصري، وتقاسم الطرفان مليارات الدولارات من “قوت” الشعب السعودي لحساب المشروع الذي لم يتم عمل دراسة جدوى له حتى، مما دعاه لوصف ما حدث بأنه خيانة للوطن والشعب والمسلمين.
البيانات الرسمية تؤكد أن السعودية تعهدت بتقديم 22.7 مليار دولار كمساعدات مالية خارجية بين يناير 2011 وأبريل 2014، ما تم صرفه من هذا المبلغ 10.9 مليار دولار ذهبت معظمها لمصر. لكن وفقًا لموقع “المونتير” الأمريكي فالسعودية قد أنفقت 30 مليار دولار في عام 2014 من أجل دعم حلفائها في المنطقة، في سبيل الحفاظ على الاستقرار الجيوسياسي في المنطقة.
المساعدات الخارجية تشكل عبئا ثقيلا يؤكده خبراء اقتصاديون في السعودية، حيث يرون أن المعونات المالية على وجه الخصوص هي التي ستدفع إلى تسجيل العجز في الميزانية هذا العام، مما جعلهم يتوقعون أنها ستكون أول ما يشمله الخفض إذا ما استمر تراجع أسعار النفط.
نقطة الخطر
الطريقة التي يدار بها الاقتصاد السعودي أثارت غضب الملياردير السعودي الأمير الوليد بن طلال، فأرسل خطابا رسميا في يناير 2015 إلى من وصفهم بأنهم “يمسكون بزمام السلطة في السعودية” وعلى رأسهم الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، حذرهم فيه بشدة من الوضع الاقتصادي القائم بقوله: الموضوع ما عاد يحتمل أي تأخير، لأننا وصلنا إلى نقطة الخطر. والتي تتمثل في رأيه بالقيام بالسحب من الاحتياطي النقدي؛ لمواجهة العجز.
من وجهة نظر الوليد فإن المملكة لو كانت قد التزمت بالنفقات الواردة في ميزانية عام 2014 لكانت حققت فائضًا يبلغ قرابة الخمسين مليار دولار سعودي، لكن ما حدث هو العكس ففي خلال العامين السابقين تم سحب 53 مليار دولار من احتياطي المملكة، المقدر حجمه بحوالي 750 مليار دولار.
الخطاب لم يخلُ من نبرة التحدي، حيث دعا الأمير الوليد بن طلال وزير المالية السعودي إبراهيم العساف إلى مناظرة على الهواء في قناة خليجية لضمان الاستقلالية، بهدف الحوار حول الأزمة المالية والسياسية التي يتم توجيه الاقتصاد السعودي وفقًا لها، لأن الأمر يتعلق بمصير اقتصاد دولة وفق تعبيره.
لم يتوقف الأمر عند مناقشة الملياردير السعودي لأبعاد المشكلة، حيث طرح العديد من الحلول للأزمة والتي لم يتم الأخذ بها حتى الآن، أبرزها دعوته إلى إنشاء صندوق سيادي للدولة لتحمي نفسها من تراجع أسعار النفط من خلال تحقيق عائدات أعلى من احتياطاتها من النقد الأجنبي، يقوم على إدارته جهاز استثماري من كبار الاقتصاديين والسياسيين، أو يتم التعاقد مع شركات عالمية لإدارته مقابل ضمانات مالية منهم، هذا الحل استبعد وزير المالية السعودي اللجوء إليه، لاعتباره أن الاحتياطات المالية السعودية في صندوق النقد الدولي يمكن تصنيفها صندوقًا سياديًا.
سر الصعود يقود الهبوط
انخفاض سعر الذهب الأسود في العالم يعد أمرًا شديد التأثير على وضع السعودية الاقتصادي التي تعد أكبر الدول المصدرة للبترول، نتيجة اعتماد الميزانية في المملكة على صادرات النفط بنسبة 90% في ظل عدم وجود مصادر دخل أخرى متاحة بنفس الحجم!
نقطة الضوء الوحيدة تعد مستبعدة وفقًا لخبراء اقتصاديين حددوا سعر برميل النفط الذي سيحل أزمة عجز الميزانية السعودية بتسعين دولارًا، لكن حتى الآن يبلغ متوسط سعر البرميل ستين دولارا فقط.
الأمر الأكثر أهمية هو مدى الشفافية التي تتمتع بها الميزانية السعودية فيما يتعلق بالإيرادات المالية التي تأتي من تصدير وبيع النفط، فلا يوجد إيضاح لحجم تلك الإيرادات، ومصادرها، وكيفية التصرف فيها، ونسبة الإيرادات الأخرى إلى الإيرادات النفطية.
فقد أتت السعودية في ذيل الدول على قائمة استبيان الشفافية لعام 2012 وصنفت ضمن المجموعة الخامسة والأخيرة، التي توفر معلومات ضئيلة أو لا تسمح بتوفير المعلومات، مما يجعل الأمر شديد الغموض.
حلول ضبابية
حتى الآن لم تحدد السعودية آلية محددة واضحة لمواجهة عجز الميزانية لعام 2015 وفقًا لتصريحات وزير المالية الذي لم يقرر بعد هل سيتم اللجوء إلى السحب من الاحتياطات الضخمة للمملكة أم الاقتراض في ظل تدني أسعار الفائدة.
إلى جانب ذلك فهناك عدة توصيات أصدرها صندوق النقد الدولي للمساهمة في التخفيف عن العبء الواقع على الميزانية السعودية، في مقدمتها تخفيض المخصصات المالية للأجور بتحديد وظائف القطاع العام التي يمكن إلغاؤها عندما تكون شاغرة، ومراجعة عمليات تنفيذ المشروعات.
لكن لم تتخذ الحكومة السعودية خطوات فعلية على طريق حل الأزمة المالية، فما هي النهاية التي ستصل السعودية إليها؟ سؤال ستكون إجابته حاضرة في جلسة الإعلان عن ميزانية العام 2016.

زقاق النت

زقاق النت

مواضيع ذات صلة:

ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.