ثورة السيسي الدينية.. وفيلم افاتار!



( 1 )
يعتبر فيلما "افاتار" و"الرقص مع الذئاب" من أفضل الأفلام التى تشرح العقلية الحاكمة للإمبراطورية الأمريكية.
فأمريكا عندما ترغب فى القضاء على اى أمة أو إبادة اى دولة ليس أمامها الا طريق من اثنين:
1-    الاقتصاد: وهو ما يوضحه فيلم الراقص مع الذئاب (كان الهنود يعيشون على قطعان الجاموس البرى التى كان تسافر مرة كل سنة وتمر على المنطقة التى يقطنها الهنود، وكانت الإمبراطورية تقتل الجاموس فقط للانتفاع بالجلود، وتترك اللحوم متعفنة ، فلا يجد الهنود ما يأكلونه بل وتصيبهم جثث الجاموس بالأمراض)

2-    الطريق الثانى وهو الأخطر: الذى شرحه فيلم افاتار، وهو الضرب فى الثوابت، فمن شاهد الفيلم يعرف انه عندما أرادت الإمبراطورية الأمريكية القضاء على الافاتاريين كان كل تركيزها على الشجرة المقدسة لهم التى يستلهمون منها ايمانهم (وهو تساوى الدين عندنا نحن المسلمون) فاذا انهارت الثوابت يسهل القضاء على الأمة ..او فى أحسن الاحوال تطويعها وفقا لمصالح الإمبراطورية
***
( 2 )
إن المخطط والسيناريو ضد أمة الإسلام جاهزا ومعدا منذ مئات السنين، هذا ما بشر به أحد أشهر مؤرخى الغرب فى خمسينات القرن الماضى... البريطانى توينبى فى كتابيه "محاكمة الحضارة" و"العالم والغرب" حينما أكد أن الحرب الحقيقية فى القرن القادم لن تكون بين الشيوعيين والرأسماليين... بل بين المسلمين والمسيحيين.
إن الغرب وخاصة تحت قيادة الشيطان الأمريكى قرر أن يسيطر على كل العالم، كى يصبح أكبر إمبراطورية فى التاريخ، وهم اقتربوا كثيرا من ذلك لاسيما بعد انهيار الاتحاد السوفيتى الذى لم يصمد كما توقع "توينبى". فليس لديهم دين ولا إيمان ولا جوهر وراء أيدلوجيتهم، والتاريخ يبرهن أن الإيمان والاعتقاد بوجود قوى غيبية أمر ضرورى، ونحن المسلمون لدينا هذا الإيمان أكثر من أى أمة أخرى فى العالم، وأكثر من النصارى بأضعاف، لذلك كان على أمة الإسلام أن تتأهب، قبل أن ينقض عليها الشيطان الغربى.
***
( 3 )
في احتفال المولد النبوي، يوم الخميس، هاجم عبدالفتاح السيسي، قائد الانقلاب العسكري، الخطباء وعلماء الأزهر وانتقد التمسك بالنصوص الدينية المقدسة، ووصفها بـ"أنها تعادي الدنيا كلها " .
وفي جرأة على ثوابت الإسلام، قال السيسي: " لا يمكن أن يكون هذا الفكر الديني المقدس المتضمن نصوصًا وأفكارًا تم تقديسها من مئات السنين.وأصبح الخروج عليها صعب.لدرجة أنها تعادي الدنيا كلها "، على حد قوله.
مشيراً إلى الحاجة لوجود ما وصفها بـ"ثورة دينية"، مبررا هجومه على النصوص الدينية بقوله "أن الأمة تمزق وتدمر.وتضيع بأيدينا ".


***
( 4 )
إن الذين تولوا أمر أمة الإسلام لم يراعوا الله فيها، ولم يصونوا حقوق الرعية، واتخذوا اليهود والنصارى أولياء، حتى انطبق على أغلبهم قول ابن حزم قدس الله سره: "والله لو علموا أن فى عبادة الصلبان تمشية لأمورهم لبادروا إليها" فهاهم يستمدون اليهود والنصارى فيمكنونهم من حرم المسلمين وأبنائهم ورجالهم، وربما أعطوهم المدن والقلاع طوعا فأخذوها من الإسلام وعمروها بالنواقيس !!
إن أمة الإسلام – فى حربها مع أعدائها- لن يتم عزها إلا بالشريعة والقيام لله بطاعته والتصرف حسب أمره ونهيه، ولا قيام للشريعة إلا بالملك، ولا عز للملك إلا بالرجال، ولا قيام للرجال إلا بالمال، ولا سبيل للمال إلا بالعمارة، ولا سبيل للعمارة إلا بالعدل.
***
( 5 )
من المعروف لدى الجميع ان الجيوش العربية كلها جيوش علمانية الهوى، والدين عدهم قاصر على التدين الشكلى، على نفس النهج الصوفى المنحرف، وهو ما كشفته التسريبات الاخيرة على قناتى الشرق ومكملين (تجد ان قادة الجيش المصرى فى التسريبات الاخيرة يزوّرون ويظلمون ويعتسفون، وما ان يسمعوا الاذان حتى ينادوا تابعيهم : فين سجادة الصلاة)
***
( 6 )
إن الفكر العلماني والليبرالي والحداثي قائم على نفي الثوابت والمحكمات وهذه إحدى أهم سمات الفكر الغربي الحديث، وفي هذا السياق ينبغي أن ندرك أن العلمانية والليبرالية تنفي الثوابت والمحكمات من جذورها، فمشروع الثوابت والمحكمات الدينية والأخلاقية يتعارض مع الفكر العلماني والليبرالي من الأساس.
وذلك من خلال نظريتين فكريتين صبغت الفكر الغربي في أغلب مراحله المعاصرة،وهما:
نظرية التطور، ونسبية الحقيقة.
فالفكر الغربي يعتمد على التطور والتغير والصيرورة الدائمة التي لا تعرف الثبات، وقد كان للداروينية أثر كبير في ترسخ هذه الفكرة في العقل الغربي، وأصبحت معياراً للحق والصواب والتميز والنماء المعرفي والاجتماعي. ونظرية دارون كانت نظرية علمية في الأحياء أول الأمر، ولكنها تحولت - فيما بعد - إلى نظرية إنسانية عامة في مجال الاجتماع البشري.
ومن جهة ثانية فإن من أسس الفكر العلماني والليبرالي المعاصر "نسبية الحقيقة" وانه لا توجد حقائق ثابتة خارج الأذهان؛ فما يراه الفرد حقيقة فان غيره قد لا يوافقه عليها ويراه وهماً، وليس أحدهما أولى بالصواب من الآخر.. وأساس الإشكال أنهم قاسوا الأمور الدينية والأخلاقية على التطور التقني المادي في مجال العلوم الطبيعية، ووجدوا أنهم كلما اكتشفوا أمراً وظنوا أنه نهاية المكتشفات فإذا بالأمر ينقلب باكتشاف معلومة جديدة، أو معطى جديدا يفتح آفاقاً واسعة للتطوير، وبهذا أنغرس في العقل والوجدان الغربي أنه لا وجود للثبات، ولا توجد حقائق نهائية بل هو تطور دائم لا نهاية له، ونسبية اعتبارية قابلة للتغير.. هذا من جهة
ومن جهة أخرى فالعلمانية تنظر إلى الدين - أي دين كان - على أنه مجرد عقائد ذاتية قائمة على القناعة الشخصية، وأنه لا دليل عليها؛ فهي تستوي مع الخرافات والأساطير والكهانة والسحر وسائر الجاهليات.. ولهذا يرون أن وجود الثوابت القطعية مدعاة للتعصب الديني , لأن مثبت المحكمات يعتقد أنها يقين ثابت وان مخالفه مخطئ وبالتالي ينشأ التعصب..
وقد نشأ عن نسبية الحقيقة وتغيرها الدائم حزمة من المفاهيم الخاصة في الفكر الليبرالي تنافي قطعية الاعتقاد والأحكام والأخلاق واستعملت مصطلحات براقة لتسويق هذا الفكر الهادم لمقومات العقيدة وثوابتها مثل الحرية والتعددية والانفتاح والتسامح الديني..
وإذا نظرنا إلى الفكر العلماني العربي المعاصر نجد أنه مجرد ناقل للفكر الغربي في نفيه للثوابت والمحكمات: أحيانا باستعمال نفس الأفكار الصارخة التي تنافي حقيقة الإسلام، وأحيانا بالتشكيك في وجود المحكمات أصلا دون تصريح بالنفي، وأحيانا بتضييقها حتى تصبح مجرد اعتقاد وجود الله والإيمان المجمل بالرسول دون الالتزام بالشريعة والتسليم بحاكميتها لكافة شؤون الحياة والخضوع لأمر الله ورسوله في المنشط والمكره، وأصبحت الثوابت عندهم كإيمان المشركين الذي لا يرفع عنهم سوءة الشرك، كما في قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف : 106].
***
( 7 )
وهنا تجدر الإشارة إلى قضية مهمة وهي أن هناك من تأثر بالفكر الليبرالي وشعاراته من المنتسبين إلى الفكر الإسلامي وأصبح يردد مفاهيمه السابقة ويحاول أسلمتها، ويمرر من خلال المصطلحات المجملة كثيراً من المفاهيم الليبرالية، والجيش المصرى يعد خير دليل على ذلك، فهم –كما كشفت التسريبات- لا يتوانون عن ادادء الصلاة، رغم اعترافهم بقتل وظلم العباد.
 مثال أخر: الحرية تطلق على حرية الحق والباطل، فيمرر حرية الباطل من خلال اللفظة المجملة، والطائفية تطلق على الخروج عن الإسلام والسنة بطائفة معينة والدعوة إليها وجمع الناس عليها، وتطلق كذلك على من يحارب العقائد الضالة والفكر المنحرف، ويضيق على أهله، ويمنعهم من الدعوة إليه، فيتم تمرير المفهوم الثاني بعبارة مجملة، وهكذا أصبحت المصطلحات المجملة وسيلة للمراوغة والتضليل، وتمرير الأفكار المنحرفة.
وأخطر ما يؤديه هذا التيار التنويري العصراني انه يوقع المتابع له، والمعجب بأطروحاته فيما يمكن تسميته بالحيرة المنهجية، بمعنى أنه يُشعِر من يتلقى عنه أن كل قضية قابلة لإعادة النظر والمراجعة، وأنه بالإمكان تغيير القول فيها، ويصبح المتلقي لا يعرف ما هو الذي يقبل إعادة النظر والمراجعة وما لا يقبل ذلك، وبالتالي يمارس عملية هدم مبطن لكل ما بناه المتلقي من مفاهيم دون أن يبني له شيئا أكثر من هذا الهدم المنهجي وإمكانية التغيير، ويكون مساحة حرة لعبث التيارات العلمانية، وهذه إحدى البوابات التي يلج منها أتباع هذا التيار إلى حياض العلمنة، وهو يظن أنه يعتمد المرجعية الإسلامية!!.
ولهذا فهو يشكك في المحكمات والثوابت بحجة أن البعض ادخل فيها بعض العادات والتقاليد دون أن يحدد المواضع بالتفصيل، ثم يمارس تقليلا لدور الثوابت والمحكمات في حماية عقيدة الأمة وبقاء منهجها واستمرار منهجية أهل السنة والجماعة في الأمة، وهو بهذا يفتح بوابة التأثر بالفكر الليبرالي الغربي ويحطم معنويات الأمة وثباتها على مبادئها بل أصبح البعض يتبنى مشروع التغيير كمنهجية مقابلة لمنهجية ترسيخ الثوابت والمحكمات، والتغيير مفهوم مجمل ومحايد لا يمكن أن يمدح لذاته، فالتغيير المحمود الموافق للشريعة هداية واستقامة، والتغيير المذموم المخالف للشريعة انتكاسة وغواية، وكلها يسمى "تغييراً" !!
وهذا التيار وان كان لا ينفي المحكمات لفظياً إلاّ انه يحدث لدى متابعه والمحب له حيرة منهجية مبرمجة تجعل منه فرصة سانحة لتقبل الفكر الليبرالي.

عبدالرحمن كمال - مدون مصرى
yonis_614@yahoo.com
لمتابعة الكاتب على:

زقاق النت

زقاق النت

مواضيع ذات صلة:

ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.