- عبدالرحمن كمال
- ملأ المثقفون الجدد في مصر الدنيا ضجيجا عقب الحكم الصادر ضد أحمد ناجي، بحبسه عامين على خلفية تهمة «خدش الحياء» بسبب روايته «استخدام الحياة».
- حرية الإبداع لا يختلف عليها أحد، والحق في الكتابة لا ينكره إلا جاهل مستبد، ولا يمكن أن ننكر على نظام السيسي كبته الحريات، ونهلل في نفس الوقت لكبت حرية الإبداع.
- لكن إطلاق المصطلح على عواهنه، دون روابط أو حتى مسئولية أخلاقية ملزمة، ستحول الإبداع إلى إسفاف، وتجعل من الابتذال أدبا يروج له، وهذا بالضبط ما حدث مع أحمد ناجي.
- قرأت الفصل الخامس من رواية ناجي، والذي تسبب في الحكم الصادر ضده، وهو منشور تحت عنوان «+18| الفصل الخامس من رواية أحمد ناجي «استخدام الحياة» المتسبب في حبسه»
- استرعى انتباهي أثناء القراءة كمية الألفاظ الإباحية التي استعملها ناجي صراحة، ووصفه للعملية الجنسية التي تجمع أبطال الرواية بشكل مقزز وفاضح، وكأنه في سباق يحاول فيه أن يبرز للقراء مهاراته وخبراته وثقافته الكبيرة في الجنس وأوضاعه التي لا تجدها إلا في مواقع «البورنو».
- حتى إذا تغاضينا عن الألفاظ الفاضحة التي ذكرها ناجي، وتعاملنا مع ما كتبه ناجي على أنه نص أدبي، ستجد أن الفصل الخامس لا علاقة له بالأدب، وأتحدى من يقرأه أن يخبرنا بالفائدة التي عادت عليه من القراءة.
- ما هي التجربة التي يريد أن يخبرنا بها أحمد ناجي في هذا الفصل، أو في هذه الرواية؟ ما القيمة الأدبية التي تجعل البعض يصنف كتابات ناجي على أنها نصا أدبيا؟
- حاول ناجي تعويض عدم الموهبة بإقحام الجنس بشكل فاضح، ولو أنه على قدر ضئيل من الموهبة والتمكن، لأدخل الجنس بشكل أكثر رقيا، وكلنا قرأنا رواية «الحب في زمن الكوليرا» وروايات الروائي الإيطالي الكبير «البرتو مورافيا» التي كان الجنس فيها عاملا أساسيا، لكن شتان بين استخدام مورافيا للجنس كغريزة إنسانية موجودة بجانب غرائز أخرى يحاول أن يوضح بها صراعات حياتية معينة، وبين ناجي الذي تفرغ في روايته إلى استخدام الجنس كنوع من التنفيس عن غضبه من المجتمع وعاداته.
- جلد الذات ونقد المجتمع باستخدام الألفاظ الخارجة، أمر لم يفلح فيه سوى الشاعر المبدع نجيب سرور، لكن بالنظر إلى تركة نجيب سرور الكلية، ستجد أن قصيدته الشهيرة «أميات» هي الاستثناء بين أعماله التي تحتوى على قدر كبير من الشعر الفصيح الناضج الذي لا يختلف على تصنيفه أحد، كما أن قصيدته الشهيرة التي كتبها في ظروف معينة، ورغم ما بها من ألفاظ في منتهى القسوة والخروج عن الأدب، إلا أنها تعبر عن شاعر في منتهى الموهبة والتمكن، لم يلجأ إلى الألفاظ الخارجة ليعوض افتقار الموهبة، بل إن نظم قصيدة هجائية عنيفة فاضحة هي أمر لا يقدر عليه سوى شاعر بحجم نجيب سرور.
- على العكس تماما، حاول ناجي أن يطوع الحديث عن الجنس في نص أدبي، وإذا كانت جمل قصيدة نجيب سرور تسري مسرى الحكم التي يمكن أن تلجأ إليها كل وقت رغم صعوبة ألفاظها، فإن كتابات ناجي لا تقدم أي حكمة ولا تختزل أي تجربة بشكل يفيد قارئها ولو من باب الاستشهاد بها.
- خلاصة الأمر، أننى لست ناقدا أدبيا كي أحكم على كتابات أحمد ناجي، لكنني أتحدث من منطلق قارئ جيد للأدب، العربي والعالمي، وأتمنى من نقادنا أن يفرغوا من وقتهم سويعات قليلة ليطلعوا فيها على رواية ناجي، ثم يحكموا عليها من منطلق أدبي بحت، بالتغاضي عن الألفاظ الخارجة التي استخدمها ناجي.
- وفي الختام، لست مع حبس ناجي ولست أيضا مع منعه من الكتابة، لكنى أتمنى منه أن يكون لديه قدر من المسئولية الأخلاقية والطموح بأن يجعل من نفسه أديبا جيدا يناقش القضايا المعبرة بالفعل عن المجتمع، فالجنس على طريقة ناجي ليس كل ما يشغل المصريين، وأغلب ظني أنه حتى لو تُرك ناجي يكتب بذاءاته وشهواته، فلن يضع اسمه يوما في صفوف الكتاب والأدباء الذين انتهوا في مصر مع إبراهيم أصلان وصنع الله إبراهيم، أما ما عداهم فهم طفيليات علقت بالأدب ستموت يوما.
- وإن كان هناك من أحد يجب أن نلقي عليه اللوم، فهناك دور النشر التي كانت قديما مملوكة لأدباء ومثقفين ينتقوا ما ينشرونه، أما الآن تحولت إلى «سبوبة» تلهث خلف ما يغذي الغرائز وتعتمد على وسائل الدعاية في ترويج السخافات على أنها نصوصا أدبية.
- عبدالرحمن كمال - شيخ الزقاق
زقاق النت
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق